[ 379 ]
الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، فإن كانتا حين غلط عليهما، فأدخلت كل واحدة على زوج صاحبتها قد وطأهما فلكل واحدة على الذي وطئها مهر مثلها بما استحل من فرجها وترد إلى صاحبها، ولا يطأها حتى تستبري من ماء الذي وطئها، وإن كانا لم يطياهما فلا مهر لواحدة منهما على الذي أدخلت عليه، لانه لم يطأ فرجها، وغيرنا يحرمهما على أزواجهما في الفسوق والغلط، ولسنا نرى ذلك صوابا ولا نقول به. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فإن فارق كل واحد منهما صاحبته من قبل أن يدخل بها فلها عليه نصف ما سمى لها من المهر، ولا يجوز للاب أن يتزوج تلك المرأة التي أدخلت عليه لانها امرأة إبنة وقد حرم الله ذلك بفوله عزوجل: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلا بكم) (54) وسواء عليه دخل الابن بها أم لم يدخل، إذا كان قد ملك عقدة نكاحها، ودعيت حليلته، وكذلك لا يجوز للابن أن يتزوج المرأة التي أدخلت عليه من بعد فراق أبيه لها، وإن لم يكن أبوه دخل بها لانها حليلة أبيه، قد نكحها نكاح ملك، ونكاح الملك في هذا كنكاح المسيس، وقد قال الله سبحانه: (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) (55) وإذا ملك عقد نكاحها فقد نكحها، وفي ذلك ما يقول الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) (56) ثم قال: (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) (57) فدعاهن بالنكاح، وإن لم يكن الازواج مسوهن، وإنما
---
ص 379 " (54) النساء 23.
(55) النساء 22.
(56) الاحزاب 49.
(57) البقرة 237.
---(1/379)


[ 380 ]
لزمهن إسم النكاح بملك الازواج لعقدة نكاحهن وملكهم بذلك لهن فقط.
باب القول في رجلين تزوج أحدهما إمرأة، وتزوج الآخر إبنتها فزفت كل واحدة إلى زوج صاحبتها غلطا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلين تزوج أحدهما إمرأة وتزوج الاخر إبنتها، فغلط عليهما فزفت كل واحدة إلى زوج صاحبتها، فوطي ؤ كل واحد منهما التي زفت إليه لكان الحكم عندي وعند جميع علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ترد كل واحدة إلى صاحبها، ويكون لها على الذي وطئها مهر مثلها بما استحل من فرجها، ولا يقربها زوجها حتى تستبري من ماء الذي وطئها غلطا، ولا يفسد حراما حلالا فإن أقر أحدهما بأنه وطئ زوجة صاحبه من بعد المعرفة بها أقيم عليه الحد في ذلك، وكذلك لو أقرت إحدى المرأتين بمعرفة الذي وطئها وأنها كتمت ذلك أقيم عليها الحد. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن فارق كل واحد منهما صاحبته وأراد أن يتزوج المرأة التي قد زفت إليه بدلا من زوجته التي وطئها صاحبه فإن للذي كان تزوج الام أولا، ولم يدخل بها حتى فارقها أن يتزوج بنتها، وهي إمرأة صاحبه أولا، لان الله سبحانه أطلق له ذلك بقوله: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) (58) فأطلق له تزويج إبنة زوجته إذا طلق أمها من قبل الدخول بها، وأما زوج البنت التي طلقها من
---
ص 380 " (58) النساء 23.
---(1/380)


[ 381 ]
قبل الدخول بها، فلا يجوز له أن يتزوج أمها التي زفت إليه غلطا لانها مبهمة التحريم لقول الله سبحانه: (وأمهات نسائكم) (59) فقال: أمهات نسائكم فحرمهن جملة دخل ببناتهن أو لم يدخل، إذا ملكت عقدة نكاحهن وصرن لازواجهن زوجات بما ملكوا من عقدة نكاحهن.
باب القول في تحريم نكاح أهل الذمة وتفسير ذلك من الكتاب والسنة والعقول
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد كان إبني أبو القاسم سألني عن نكاحهن وأجبته في ذلك بجواب وأنا كاتبة هاهنا ومجتز به عن شرح غيره إن شاء الله، سألني عن نكاح اللذميات فقلت: سألتني يا بني أرشدك الله للتقوى وجعلك ممن أهتدى فزاده هدى، عن مسألة ضل فيها كثير من الناس، وكثر في ذلك عليهم الالتباس، (60) هن نكاح الذميات من النصرانيات واليهوديات، ولعمري لقد بين الله عزوجل ذلك لهم فيما نزل عليهم من الكتاب الذي فيه ذكرهم حين يقول سبحانه: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار) (61) ولا شرك أكبر ولا عند الله سبحانه أكثر (62) من شرك من جحد محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنكر ما جاء به من دعوة الاسلام، لانه إذا أنكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أنكر صنع الله فيه، ومن أنكر صنع الله سبحانه في إرسال النبيين، فكمن أنكر
---
ص 381 " (59) النساء 23.
(60) وفي نسخة وكثر عليهم الالتباس.
(61) البقرة 221.
(62) في نسخة ولا شرك أكبر عند الله سبحانه ولا أكثر من شرك.
---(1/381)


[ 382 ]
صنعه في خلق المخلوقين، ومن جحد وأنكر ما جاء به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الآيات كمن أنكر ما فطر الله وأوجده من الارضين والسموات، كما أنه من أنكر من القرآن آية واحدة محكمة أو متشابهة كمن أنكر كل القرآن، وجحد جميع ما أنزل الله سبحانه من الفرقان، لا يختلف في ذلك من قولنا، ولا يشك فيما قلنا وشرحنا عاقلان ولا جاهلان، إلا بزور وبهتان ومكابرة للحق ومعاندة عن الصدق. فاعلم يا بني أنه لا يحل نكاحهن أبدا، حتى يفثن إلى تصديق ربهن ومعرفة خالقهن، والاقرار بنبيئهن، وبما جاء به إليهن من ذي الجلال والاكرام ربهن، ومعرفة خالقهن والقبول لما أرسل به إليهن، والعمل بما به أمرهن، وعليه من جميع حدود الاسلام أوقفهن، فحينئذ يجوز نكاحهن، ويحل الافضاء إليهن، ويكن من المؤمنات المسلمات الصالحات اللواتي قال الله سبحانه: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (63) فإذا كن على ما ذكر الله سبحانه من ترك الاشراك بالله عزوجل، ترك السرقة والزنا، وقتل أولادهن والبعد عن البهتان والعصيان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذ يجوز نكاحهن (64) ويكن المؤمنات بأعيانهن، وتجب الموالاة والاستغفار لهن، فأما ما دمن على تكذيبهن لله عزوجل ولرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجحدهن آياته وتنزيله فلا يحل لمسلم آمن بالله عزوجل نكاحهن، وهن عليه وعلى أهل ملته حرام
---
ص 382 " (63) الممتحنة 12.
(64) في نسخة يحل نكاحهن.
---(1/382)


[ 383 ]
كما حرمه الله ذو الجلال والانعام، فافهم هديت ما قلنا وتفهم ما شرحنا حتى تنجو إن شاء الله من الضلال وتبين في ذلك عن الجهال، ألا تسمع كيف يقول ذو الجلال والاكرام: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار و الله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) (65) فأما ما يتعلق به ذووا الجهالات من قول الله فاطر الارضين والسموات: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين) (66) فقال الجهال أهل التكمه في الضلال، ممن حفظ التنزيل وجهل التأويل فهو يهذه هذا، ويمر إمرارا، ويتلو تنزيله ليلا ونهارا، لا يطلع منه على تأويل، ولا يعلم من معانيه بكثير ولا قليل، فهو يخبط في عمايته، ويتكمه في جهالته، يحسب أن باطنه كظاهره، ويحكم على محكمه بمتشابهه، يرد المحكمات من الآيات على ما وجد وقرأ من المتشابهات، فكلما سئل أو أجاب تكلم في ذلك بغير الصواب، لارتقائه فيما لا يعلم، وتكلمه بما لا يفهم، فهو يظن لضعف علمه، وعظيم ما هو فيه من جهله، إذ أحاط بتنزيله، أنه عالم بغامض تأويله، كأنه لم يسمع ما قال الرحمن عزوجل فيه، وفي من كان مثله من الانسان: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم
---
ص 383 " (65) البقرة 231.
(66) المائدة 5.
---(1/383)

70 / 198
ع
En
A+
A-