[ 56 ]
باب القول فيما لا يجوز التطهر بفضله من الدواب، وما ينجسه منها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينجس الطهور أن يلغ فيه الكلب أو الخنزير أو أن يشرب منه كافر بفيه أو يدخل يده فيه. قال: واما الفرس والبغل والحمار وغير ذلك من البهائم فما تبين في فضله تغير من ريح أو طعم أو لون فلا يتوضأ به، وما لم يتبين في فضله شئ من ذلك فلا بأس بالتطهر به. قال: ولا بأس أن يتطهر الرجل من سور المرأة الحائض، إذا لم يصبه من القذر شئ، ولم تدخل يدها فيه قبل أن تغسلها. وقال في رجل تطهر من الجنابة من ماء في مركن كبير فأفضل فيه ماء، فقال: لا بأس أن يتطهر بفضله، ما لم يكن تراجع فيه من غسالة بدن الجنب شئ، أو يكون أدخل يديه فيه قبل أن يطهرهما، فإن تراجع فيه شئ من غسالة بدنة، أو أدخل يديه فيه قبل أن يطهرهما فلا يتوضأ به هو ولا غيره. وقال في قطرتين أو ثلاث قطرات من بول أو خمر قطرن في إناء: إنه لا يتطهر به وإنه نجس، يدفق ذلك من الاناء، ويطهر الاناء من نجاسة ما قطر فيه، وكذلك لا يجوز شربه. وإن كان لم يبين منه في الاناء والماء لون ولا طعم لانه فيه وإن لم يبين ويظهر عليه، وقد حرم الله عزوجل شرب قليله، كما حرم شرب كثيره، فإذا صح له أنه قد شاب طهوره وشرابه شئ مما حرمه الله عليه لم يجز له شربه ولا التطهر به، ووجب عليه دفقة والتجنب له، وليس هذا الاناء مثل البيار والغدرات والبرك التي لا يستوعى ماؤها بشرب ولا تطهر لكثرة ما فيها من الماء
---(1/56)
[ 57 ]
وعظمه، والاناء يستوعبه المتوضي والمتوضيان والثلاثة في تطهرهم وشربهم له. وبين ما استوعي وما لم يستوع فرق بين. وقال في بول الحمار والفرس والبغل وكل ما لا يؤكل لحمه إذا قطر منه شئ في إناء: إنه لا يتطهر بما في الاناء من الماء، ولا يحل شربه، ولا يجوز الانتفاع به، وقال في بول الجمل والشاة يصيب الطهور منه شئ ويقع فيه فقال: لا بأس بالتطهر به ما لم يتغير له لون أو ريح أو طعم.
باب القول في الغسل من الجنابة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب على كل من كان جنبا أن يغسل يده اليمنى، يفرغ عليه الماء بالاناء افراغا حتى ينقيها، ثم يغسل يده اليسرى، يغرف بيده اليمنى من الماء عليها حتى ينقيها ثم يغسل فرجه فينقيه، ثم يضرب بيده على الارض حتى تحمل التراب ثم يغسل به فرجه، ثم يضرب بها الارض ضربة أخرى فيغسلها بما تحمل من التراب ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يغرف على رأسه ثلاث غرفات، أو يصب على رأسه الماء صبا إن كان الماء في كوز حتى ينقي رأسه، ويدلكه بيده حتى يصل الماء إلى بشرته، ثم يفيض الماء على جوانبه يمينا ويسارا ويدلك جسده كله حتى ينقى، ثم يتوضأ من بعد ذلك لصلاته فإن الوضوء للصلاة لا يقع إلا على طهارة من البدن. حدثني أبي عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وآله اغتسل من الجنابة فتوضأ فغسل يديه ثم غسل فرجه، وكان يفيض الماء بيمينه على يساره، ثم غسل يده، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه، ثم أفاض الماء على رأسه،
---(1/57)
[ 58 ]
ثم غسل سائر جسده، ومسح جسده بيده، ثم تنحى عن الموضع الذي أفاض على جسده الماء فيه، ثم غسل رجليه بعد ذلك، ثم أعاد وضوءه لصلاته. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن اجتنب ثم اغتسل ولم يبل فلا أرى أنه طهر لانه يبقى من المني في الاحليل ما يخرج من بعد الغسل. ألا ترى أنه لو خرج من بعد الغسل شئ من المني كان عليه إذا لم يكن بال أن يعيد غسله. فإن بال ثم خرج منه شئ من بعد الغسل فلا إعادة عليه وإنما ذلك ودي لا مني. حدثني أبي عن أبيه في الجنب يخرج منه المني بعد الغسل قال: إن كان خرج منه ماء دافق لشهوة أعاد الغسل، وإن كان مذيا أو شيئا رقيقا اكتفى بالوضوء منه دون الغسل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إن فرق الجنب غسل أعضائه فغسلها عضوا بعد عضو أجزأه ذلك، وإن يبس العضو الاول قبل غسل العضو الثاني، إذا أتى في ذلك على ما أمره الله من غسل بدنه كله، وسواء في ذلك الرجال والنساء.
باب القول فيما يجب به الغسل على فاعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب الغسل على المحتلم في المنام من الماء الدافق على كل إنسان، ويجب في الانتباه على اليقظان إذا التقى الختانان. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يجامع المرأة فلا ينزل هل عليهما الغسل أم لا؟ فقال قد اختلف في ذلك عن النبي عليه السلام، وعن
---(1/58)
[ 59 ]
علي رحمة الله عليه، واختلف المهاجرون والانصار، وكثرت فيه الروايات غير أن الاحتياط أن يغتسل، وقد قيل إن ما أوجب الحد أوجب الغسل. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه ولو أن رجلا رأى في المنام أنه يجامع ثم انتبه ولم ينزل لم يكن عليه في ذلك غسل، ولو دنا يقظان حتى يمس ختان ختانا لوجب عليه الاغتسال، وذلك سواء في النساء والرجال. قال ولو رأى في منامه أنه جامع فاستيقظ فلمس فوجد رطوبة فنظر فوجد مذيا، وأيقن أنه لم ينزل من ذلك منيا لم يجب عليه الاغتسال، ولو وجد في ثوبه منيا، ولم يذكر جنابة لوجب عليه الاغتسال لانه قد رأى في ثوبه ما يجب فيه الغسل، وقد يمكن أن ينسى ما يرى في المنام، ولا يمكن أن يمني في ثوبه إلا من احتلام.
باب القول في المجدور والجريح إذا اجتنبا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا خشي المجدور من الغسل وكان جدريه لم يتفقأ صب عليه الماء صبا، وان كان جدريه قد تفقأ أو خشي عليه تيمم بالصعيد، وأجزأ ذلك عند الواحد الحميد لان الله سبحانه يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (42) ويقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (43) ويقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (44).
---
ص 59 (42) البقرة 198.
(43) النساء 29.
(44) البقرة 185.
---(1/59)
[ 60 ]
قال: وكذلك من كان به قروح أو جراح فخاف من الماء اجزأه أن يغسل ما سوى ذلك الجرح، ويغسل ما حواليه غسلا، ويجزيه ذلك دون غسل ما يخشى عليه من جراحه. حدثني أبي عن أبيه في المجدور يجتنب ولا يقدر على الغسل، ولا على الوضوء، قال: من خشى التلف أو العنت من مجدور أو مريض أو جريح تيمم وكان ذلك له مجزيا.
باب القول في الكسير كيف يعمل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كسر فجبر، فخشي إن هو أطلق الجبائر العنت من الماء لم يجز له إطلاقها، وجاز له ترك غسل ذلك العضو، ووجبت عليه الصلوة. من غير غسل ذلك العضو المكسور، فأما ما يقال به من المسح على ذلك العضو فليس ذلك عندنا بشئ. لان الله أوجب الغسل عند الامكان وأطلق تركه عند المخافة للتلف في غسله، والضرر على غاسله، ومن جاز له بحكم الله ترك غسل عضو من أعضائه لعلة نازلة به فليس عليه مسح جبايره، لان الجبائر خلاف العضو الذي أمر الله بغسله، وليس عليه في كتاب ولا سنة غسل خرق الجباير وعيدانها عند الوضوء، كما عليه أن يغسل يديه ورجليه، فإن أمن من العنت في إطلاقها لم يجز له تركها ووجب عليه غسلها كما أمر الله سبحانه. والمبتلى بذلك مستأمن على دينه ناظر في ذلك لنفسه، فلينظر كيف يفعل وليتحر الحق فيما يعمل، فإنه يعامل من لا يخفى عليه خافية، سرا كانت أو علانية هو كما قال سبحانه: (يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور) (45).
---
ص 60 (45) غافر 19.
---(1/60)