[ 339 ]
بسم الله الرحمن الرحيم مبتدأ أبواب النكاح وتفسير ذلك في الكتاب مما أحل الله نكاحه قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) (1) فأمر سبحانه بإنكاح الايامى إذا أردن ذلك، وأجزنه وسوغنه وأطلقنه، والايامى فهن اللواتي لا أزواج لهن وقوله منكم فهو من أحراركم من بناتكم وأخواتكم وجماعة نسائكم وقد يدخل في قوله وأنكحوا من لا زوجة له من رجالكم، فأمر بإنكاحهم وإعفافهم بالزوجاب من نسائهم، وأما قوله عزوجل: (والصالحين من عبادكم وإمائكم) (2) فهو إطلاق منه لتزويج المماليك من الاحرار، والاحرار من المماليك، وأمر منه بأعطاف جميع خلقه، وتزويج إمائه من عبيده، ثم قال تبارك وتعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (3) فبين بذلك ما أحل للرجال أن ينكحوا من النساء، وأخبر أنهن أربع نسوة سواء، لا يجوز لمسلم أن يجمع في ملكه أكثر من الاربع من الزوجات الحرائر المتزوجات، إلا أن يكون
---
ص 339 " (1) النور 32.
(2) النور 32.
(3) النساء 3.
---(1/339)
[ 340 ]
لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه قد أطلق له ما أطلق من النكاح ثم حظر عليه من بعد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الزيادة على تسع زوجات، وحرم عليه أن يستبدل بهن غيرهن أو يزيد معهن سواهن فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أوقفه على ما تحته من النساء وحظر عليه من بعد ذلك الزيادة معهن والاستبدال بهن فقال: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا) (4) وأحل بنات العم وبنات العمة، وبنات الخال وبنات الخالة فقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما) (5) فأطلق الله سبحانه: نكاح من سمى من بنات العمومة والعمات، والاخوال والخالات، وما ملكت اليمين من الاماء المملوكات لرسول رب العالمين، ولجميع المسلمين، ثم أطلق له نكاح الامرأة المؤمنة التي وهبت نفسها لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحظره على غيره وجعلها خالصة له من دون المؤمنين، وذلك قوله في كتابه المبين: (خالصة لك من دون المؤمنين) (6) وأجاز له تبارك وتعالى نكاح تسع، والجمع بينهن، ولم يجز للمسلمين الجمع بين أكثر من
---
ص 340 " (4) الاحزاب 52.
(5) الاحزاب 50.
(6) الاحزاب 50.
---(1/340)
[ 341 ]
أربع من أي النساء كن من الا رقاب من النساء والا قصين من البعداء، ثم أمر جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: بأيتائهن ما تراضوا به بينهم من مهورهن فقال: (فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (7) فأوجب لهن المهور على أزواجهن إيجابا بقوله فريضة، والفريضة فمعناها حكم من الله بالمهور للنساء على الرجال، ثم قال سبحانه: (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما) (8) يريد سبحانه لا جناح عيكم فيما وهبن لكم، وطابت به أنفسهن من هبتن للمهور التي كانت لهن عليكم، وهبتها لكم كلها، أو وهبن لكم بعضها، أي ذلك كان جاز لكم أخذه، وسقط عنكم اليهن دفعه وطاب لكم وحل أكله كما قال الله سبحانه: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (9) وحكم للتي لم يدخل بها ولم يرخ ستره عليها زوجها، وكان منه طلاقها بنصف ما فرض لها، وكانا تراضيها عليه من مهرها وذلك قول الله سبحانه: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير) (10) فأوجب لمن طلقت قبل الدخول نصف ما فرض لها من مهرها إلا أن تعفو فتهب ذلك النصف لزوجها، أو يعفو زوجها عن النصف الذي حكم له بأخذه فيدفع إليها ما فرض لها من
---
ص 341 " (7) النساء 24.
(8) النساء 24.
(9) النساء 24.
(10) البقرة 237.
---(1/341)
[ 342 ]
المهر كله ثم حض الازواج على العفو عن ذلك لهن والتسليم له إليهن بقوله: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) (11) وأجاز ذو الجلال والاكرام نكاح الاماء المسلمات لمن لم يجد من الاحرار سبيلا إلى نكاح الحراير المحصنات فقال: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) (12) ثم أمر ألا ينكحن إلا بأذن أهلهن، والاهلون هاهنا فهم المالكون للاماء، وحكم لمن أنكح من الاماء بالمهر الذي تراضا به الزوج ومواليهن بينهم حكما واجبا، وفرضه سبحانه فرضا فقال: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) (13) يقول: تزوجوهن نكاحا صحيحا حلالا ولا تسافحوهن سفاحا حراما، وحرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاح الامة على الحرة فقال: " لا تتزوج أمة على حرة " وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن تزوجت الامة قبل الحرة ثم تزوجت الحرة بعد الامة فنكاحهما ثابت ". قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: يريد بذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا علمت الحرة بالامة ودخلت عليها على بصيرة.
باب القول فيمن حرم الله نكاحه وتفسير حكمه في القرآن
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يحرم على المسلمين نكاح كل ذات رحم محرم وذلك فقول الاعز الاكرم: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم
---
ص 342 " (11) البقرة 237.
(12) النساء 25.
(13) البقرة 35.
---(1/342)
[ 343 ]
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما) (14) فحرم الله تبارك وتعالى الامهات، فحرم بتحريمهن كل من ولدهن من الجدات وإن علون فارتفعن، وتياين في الولادة للامهات فافترقن لانهن جدات، والجدات فهن أمهات. وحرم الله تبارك وتعالى على المؤمنين بناتهم وما ولدن من الاولاد، وأولاد أولاد الاولاد، وإن سفلن في الولادة فهن بحكم الله تعالى للاجداد بنات لا يحل لهم نكاحهن بما حرم الله من نكاح أمهاتهن. وكذلك حرم جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: الاخوات فحرم بتحريمهن بناتهن على عموماتهن، وما ولدن بناتهن من البنات وبنات البنات وإن بعدت مواليدهن على أخوة جداتهن لانهم وإن تباعدوا منهن أعمامهن والحكم فيهن وإن سفلن بالتحريم على أعمام جداتهن كحكم أخواتهم اللواتي نطق الكتاب بتحريمهن عليهم، لانهن في المعنى كبناتهم إذ هن بنات أخواتهم. وكذلك حرم الله العمات والخالات لانهن في عداد الآباء والامهات. وحرم الله تبارك وتعالى بنات الاخوة وبنات الاخوات لانهن من العمومة كالبنات، تعظيما منه لقربة القرابات وتأكيدا منه على عباده في صلة الولادات، فصار حكم بنت أخ المسلم كحكم بنته عليه وكذلك حكم بنت أخته لديه. ثم حرم سبحانه الامهات المرضعات لمن أرضعن من البنين والبنات على البنين وأبناء البنات، والبنين وإن سفل ميلادهم لانهن بأرضاغ الاباء وأن بعدن أمهات الابناء، وكذلك حرم الاخوات من الرضاعة على إخوانهن، وحرم الاخوة من الرضاعة على أخواتهم فحرم بذلك نكاحهن على أبناء
---
ص 343 " (14) النساء 23.
---(1/343)