[ 51 ]
التائبين الصالحين، فأما من كان مصرا على المعاصي مقيما عليها، زاهدا في الطاعة تاركا، لها فان الله لا يقبل منه فرائضه، فكيف نوافله، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: (إنما يتقبل الله من المتقين) (39) فمن لم يكن من المتقين فليس عند الله من المقبولين، ولا من المثابين، بل هو عند الله من المقبوحين، وفي الآخرة بلا شك من المعذبين. وفي أسباغ الوضوء ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلوة بعد الصلوة، فذالكم الرباط، فذالكم الرباط ". قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأما ما يقال به من أن الاستنشاق والمضمضة سنة ليستا بفريضة، فلا يلتفت إلى ذلك لان الله أمر، بغسل الوجه أمرا وهما من الوجه حقا، ففرضه عليهما واجب كوجوبه عليه، إذ هما بلا شك منه وفيه، وهما فمأوي الادران من وجه كل انسان، وإنما يؤمر بغسل العضو من الاعضاء لكي يماط ما فيه من الاذى وينقى، فكيف يأمر الله سبحانه بغسل ما نقي من وجه الانسان، ولا يأمر بغسل ما يحمل منه الاوساخ والادران!. وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم رحمة الله عليهم فيمن نسي المضمضة والاستنشاق فقال: لا يجزيه إلا أن يتمضمض ويستنشق لان الفم والمنخرين من الوجه، وقد أمر الله بهما فقال: (فاغسلوا وجوهكم) (40) وهما من الوجه.
---
ص 51 (39) المائدة 27.
(40) فاغسلوا وجوهكم.
---(1/51)
[ 52 ]
باب القول فيما ينقض خروجه الوضوء وما يجب اعادته منه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينتقض الوضوء وتجب إعادته من الدود يخرج من الدبر، ومن الريح والغائط والبول والودي والمذي والمني إن جاء لغير شهوة نقض ولم يوجب الغسل، وإن جاء المني لشهوة أوجب الغسل. وألقئ الذارع، والدم المسفوح وهو الذي يسيل أو يقطر من أي الجراح كان، من حجامة أو رعاف أو غيرهما، والقيح يسيل من الدمل والجراح وما كان مثلها، والنوم المزيل للعقل. فإذا ابتلي أحد بذلك فليعد إلى طهوره فليتطهر، ثم ليعد إلى صلاته فليستأنف الصلوة من أولها، فمن لم يعد الوضوء ممن كان كذلك فلم يصل، لان الطهور مفتاح الصلوة والتكبير تحريمها والتسليم تحليلها. حدثني أبي عن أبيه قال: سئل أبي القسم بن ابراهيم رضي الله عنه عن الشيخ الكبير والمريض أو من به علة يخرج من دبره الدود بعد الوضوء هل عليه اعادة؟ فقال يتوضأ من ذلك، إلا أن يكون شيئا غالبا لا ينقطع، لانه لا يخرج من ذلك ما يخرج إلا ومعه غيره من العذرة، ومن لم يصل بطهورهم لم تقبل صلاته، كما لا تقبل من الغلول صدقته. وفي ذلك ما بلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تقبل الصلاة إلا بطهور، ولا تقبل صلوة إلا بقرآن، ولا تتم صلوة إلا بزكوة، ولا تقبل صدقة من غلول). حدثني أبي عن أبيه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي أويس عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب
---(1/52)
[ 53 ]
رضي الله عنه قال: من رعف وهو في صلوته فلينصرف فليتوضأ وليستأنف الصلاة.
باب القول فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في الطهور للصلاة بالمد من الماء، والغسل من الجنابة بالصاع
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا حديث قد روي والله أعلم بصدقه، وإن يكن ذلك فرسول الله صلى الله عليه وآله كان طاهرا مطهرا، عالما بحدود التطهر، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من البركة في طعامه وشرابه وطهوره ما ليس لغيره، وليس عندنا في ذلك حد محدود، ولا أمر مقصود، ولا مقدار معلوم بكيل، ولا وزن مفهوم، غير أن ما أتى على جميع الاعضاء، وغسل ما أمر الله بغسله من قليل الماء، فهو مجز لمن تطهر به، وتوضأ، وكذلك ما غسل من الماء جميع الاعضاء من الجنب حتى يأتي على شعرها وجلدها ومقبلها ومدبرها حتى ينقي ذلك، ويغسل به المتوضي ما أمر بغسله من جميع بدنه فقد أجزأه وأدى عنه فرضه وكفاه، قليلا كان ذلك أو كثيرا لان الله سبحانه لم يذكر من الماء قليلا ولا كثيرا، وإنما أمر بالتطهر به جملة تطهيرا، فما طهر وأنقى فقد أغنى المتطهرين به وكفى.
باب القول في فنون الوضوء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من نام من النساء والرجال فزال عقله على أية ما حال، من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود فقد انتقض وضوءه، وعليه الاعادة لما كان فيه من الصلوة إن كانت الصلوة من الفرائض اللازمة. وإن كانت تطوعا فهو بالخيار إن شاء أعاد
---(1/53)
[ 54 ]
الوضوء والصلوة، وإن شاء ترك ذلك، ولم يكن ما نام فيه من الصلوة له بصلوة. حدثني أبي عن أبيه في المتوضي ينام جالسا، أو يخفق برأسه محتبيا أو متربعا أو مستندا أو ساجدا أو قائما فقال: لا ينقض الوضوء ولا الصلوة من النوم إلا ما غلب العقل على أي حال ما كان النوم، إذا زال به عقل صاحبه لزمه بزوال عقله إعادة وضوءه وصلواته. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وأحب لمن توضأ ثم اشتغل بشئ من أمور الدنيا فأطال في ذلك حتى ينسى ماله توضأ، من بيع أو شراء أو حديث إذا لم يكن في ذلك منتظرا للصلاة، متوقعا لدخول وقتها، أن يعود لتطهره فيتطهر، لانه إذا كان قد اشتغل بغير الصلوة فلم يقم إليها، وإنما قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) (41) فأوجبت الآية الوضوء للصلاة إذا قام إليها. ومن اشتغل بغيرها فلم يقم إليها. قال فإن كذب كذبه وجب عليه إعادة الوضوء، وكذلك قولي فيمن رفث وتعدى وأفحش في المقال وأساء قال: ولو أن رجلا قبل امرأته أو ضمها أو لمسها أو شمها لم ينقض ذلك وضوءه إلا أن يكون خرج منه شئ. حدثني أبي عن أبيه في متوضي قبل امرأته قال: لا ينقض وضوءه إلا أن يكون خرج منه شئ. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا توضأ فنسي غسل يده اليمنى حتى قام في صلوته قال: يعود فيغسل يده اليمنى، ثم يغسل بعدها يده اليسرى، ثم يمسح الرأس والاذنين، ويغسل الرجلين
---
ص 54 (41) المائدة 6.
---(1/54)
[ 55 ]
إلى الكعبين، لانه غسل ما غسل على الفساد، ومن أفسد في فرض أعاد. وقال في رجل توضأ فلم يدر أغسل وجهه أم لا؟ إنه يرجع فيغسل وجهه، وما بعد الوجه من اليدين، ثم يمسح الرأس ويغسل القدمين إلى ما أمر الله به من الكعبين والغسل اليهما فهو أن يدخلا في الغسل حتى يأتي الماء عليهما، ويلقى الغسل قصبة الساق، وذلك منتهى ما أمر بغسله الواحد الخلاق. قال: وكذلك من ترك بعض عقبه أو بعض بطن قدمه فلم يغسله وجب عليه أن يغسل ما ترك من ذلك، ثم يبتدئ في صلواته ويؤدي به وفيه فريضته. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ويل للعراقيب من النار) وقال: (ويل لبطون الاقدام من النار) يريد بذلك صلى الله عليه وآله الحض على غسلهما، وإيجاب العقوبة على من تركهما أو ترك بعضهما. قال: وكذلك يجب على كل من لم يخلل أصابعه - حتى ينقي ما بينها ويأتي الماء على ما ينضام عليه منها - أن يعود فيخلل، ثم يبتدئ صلاته على يقين من طهارته. وفى ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (خللوا الاصابع بالماء قبل أن تخلل بالنار). وقال يحيى بن الحسين رضي الله عنه في رجل توضأ، ثم صلى وانصرف من صلاته، ثم خطر على قلبه من بعد ذلك خاطر شك فقال: لا أدري أغسلت وجهي قبل أم يدي؟ فقال: إذا كان قد صلى ولم يداخله قبل صلاته ولا فيها ما داخله من بعدها فصلاته تامة وطهوره، ولا يلتفت إلى ما عارضه من بعد ذلك. وإن أيقن أنه قدم مؤخرا، أو أخر مقدما عاد فتطهر على ما أمر به، وعاد من بعد ذلك لصلوته.
---(1/55)