[ 322 ]
باب القول في جزاء الصيد
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفى الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو إنتقام) (47) والمتعمد لقتل الصيد من المحرمين الذي جعل الله عليه الجزاء فهو الذي يريد قتله متعمدا يرميه بالسهم أو يطعنه بالرمح، أو يضربه بالسيف يريد قتله ويتعمد أخذه وهو ناس لاحرامه غير ذاكر لما دخل فيه من حجه، فأما من قتله متعمدا ذاكرا لما هو فيه من إحرامه فلابد له من التوبة النصوح إلى الله من ذلك، وهي كبيرة أتاها يجب عليه الخروج إلى الله منها، ويجب عليه معها الجزاء، والذي يقتله متعمدا لقتله وهو ناس لاحرامه فالجزاء يجزيه كما فرض الله سبحانه عليه، لانه لم يأت بكبيرة يجب التوبة منها. والجزاء فهو مثل ما يقتل، يحكم به عليه ذوا عدل، والعدل فهو البصير بالحكومة في ذلك مع الصلاح في الدين والخشية لرب العالمين، فمن كان قتل ما يكون جزاؤه شاة فلم يجد الشاة أطعم عشرة مساكين إن أحب أو صام عشرة أيام لان عدل الشاة من الصيام ما حكم الله به على المتمتع من صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، فلما وجدنا الله تبارك وتعالى قد أقام صيام العشرة الايام مقام أقل الجزاء عندنا وهو شاة، قلنا إن عدل كل شاة من الصيام عشرة أيام، وقلنا إن عدل الشاة من الاطعام اطعام عشرة مساكين لانا أقمنا إطعام كل مسكين مقام صيام يوم،
---
ص 322 " (47) المائدة 95.
---(1/322)


[ 323 ]
وكذلك أقامه الحي القيوم حين يقول في الظهار: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (48) فأقام إطعام كل مسكين مقام صيام يوم فصح بذلك عندنا أن عدل الشاة من الصيام صيام عشرة أيام ومن الاطعام إطعام عشرة مساكين فإن قتل المحرم بقرة وحش أو نعامة فعليه في النعامة بدنة يحكم بها ذوا عدل، فإن كره البدنة لثقل مونتها وأحب أن يحكم عليه بالاطعام، فإنا نرى أن عليه إطعام مائة مسكين، وإن أحب أن يحكم عليه بالصيام، حكم عليه بصيام مائة يوم، وهو في الجزاء والصدقة والصيام بالخيار أيهن شاء فعل لان الله سبحانه قال: (هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) (49) فقال: أو فجعل بذلك الخيار إلى صاحبه ولم يقل فإن لم يجد فكذا وكذا ولو قال: ذلك لم يجز له الاطعام حتى لا يجد الجزاء ولم يجز له الصيام حتى لا يجد الاطعام كما قال: الله سبحانه في الظهار: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) (50) فلم يجز الثاني إلا من بعد تعسر الاول، ولم يجز الثالث إلا من بعد الضعف وعدم الاستطاعة، وإنما قلنا إن عدل البدنة إطعام مائة مسكين، أو صيام مائة يوم لانا وجدنا البدنة تقوم مقام عشر شياه، ووحدنا الشاة تقوم بحكم الله تعالى مقام صيام عشرة أيام للمتمتع ووجدنا الله عزوجل قد أقام إطعام كل مسكين مقام صيام يوم فيما ذكرنا من الظهار فقلنا إن البدنة في القياس تعدل عشر شياه، وإن كل شاة تعدل إطعام عشرة مساكين، ففي
---
ص 323 " (48) المجادلة 4 .
(49) المائدة 95.
(50) المجادلة 4.
---(1/323)


[ 324 ]
العشر شياه على هذا القياس من الطعام إطعام مائة مسكين وكذلك من الصيام لمن أراد الصيام مائة يوم، عن كل شاة عشرة أيام كما جعلها ذو الجلال والاكرام حين يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) (51) وكذلك أيضا عدل البقرة من الاطعام إطعام سبعين مسكينا، لانها تقوم مقام سبع شياه أو صيام سبعين يوما. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: من قتل نعامة أو بقرة وحش فعليه بدنة في النعامة، وبقرة في البقرة، ومن قتل حمار وحش فعليه فيه بقرة، ومن قتل ظبيا فعليه فيه شاة، ومن قتل وعلا أوجبنا عليه فيه كبشا، ومن قتل ثعلبا فعليه فيه شاة وفي الحمام شاة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ومن قتل من المحرمين في الحرم فعليه فيه الجزاء وهو شاة وقيمة الظبي، وكذلك لو قتل حماما كان عليه الجزاء وقيمة الحمام، وإنما قلنا وأوجبنا عليه الجزاء لقول الله عزوجل: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) (52) وأوجبنا عليه قيمة لحرمة الحرم. قال: ولو أن محرما خلى كلبه في الحل على صيد وأغراه به فلم يزل الكلب يطرده حتى أخذه في الحرم فقنله وجب عليه أن يخرج قيمة الصيد لقتل كلبه إياه في الحرم حين أغراه به، ووجب عليه عدل ذلك الجزاء لانه صاده وأغرى الكلب عليه وهو محرم، وكذلك لو أغرى كلبه على صيد في الحرم فلم يلحقه حتى خرج إلى الحل فقتله في الحل فعليه القيمة والجزاء، قال: ولو أن رجلا حلالا خلى كلبه في الحل على صيد فقتله في الحرم كان عليه قيمة الصيد فقط. قال: ولو أن الحلال
---
ص 324 " (51) البقرة 196.
(52) المائدة 95.
---(1/324)


[ 325 ]
أغرى كلبه على الصيد في الحرم فقتله في الحل كان عليه قيمة الصيد لانه أغراه عليه في الحرم. وقال: في محرم مفرد ومحرم قارن وحلال أشتركوا في قتل ظبي في الحرم إنه يجب على القارن شاتان وقيمة الظبي، ويجب على المفرد شاة وقيمة الظبي ويجب على الحلال قيمة. وفال: في محرم دل حلالا على صيد في الحرم فقتله الحلال كان على المحرم جزاء الصيد وقيمة، وعلى الحلال قيمة. وقال: إن أفزع الصيد المحرم أو أفزع بدلالته أو بإشارته ولم يقتل تصدق المحرم بصدقة لافزاعه الصيد. وقال: في اليعقوب والحجلة والدبسي والقمرى والرحمة شاة شاة، وكذلك روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: وذكر عنه أنه جعل في اليربوع والضب عناقا من المعز لقول الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) (53) وأوجبنا عليه قيمة لحرمة الحرم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: فأما بيض النعام إذا كسره المحرم أو أوطاه راحلته فقد ذكر فيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ما قد ذكر من القلاص اللواتي يضربن فما نتج منهن أهدى ولده ولا أدري كيف هذا الخبر أيصح أم لا!. وقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه جعل في ذلك صيام يوم عن كل بيضة، أو إطعام مسكين) وهذا إن شاء الله فأرجو أن يكون صحيحا عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لانه أقرب إلى العدل والرحمة والاحسان من الله والتوسعة، قال ومن قتل صيدا من محرم أو حلال في الحرم فلا يجوز أكله ولا يحل له ولا لغيره لان الله سبحانه ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرما صيده في الحرم وإذا حرم صيده في الحرم كان
---
ص 325 " (53) المائدة 95.
---(1/325)


[ 326 ]
أكل ما صيد فيه حراما لان صيد دون أكله وأكله أعظم من صيده، وما حرم صيده فأكله أعظم تحريما. وكذلك لو أن محرما أصطاد صيدا فدفعه إلى الحلال لم يجز للحلال لزومه ولا أكله لانه حرام بصيد المحرم له.
باب القول فيما يجوز أكله من ذبايح الحاج ومالا يجوز
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يأكل الحاج من بدنته إذا كان قارنا ويطعم من شاء من مساكين وغيرهم، وكذلك يفعل المتمتع بهديه، وكذلك يفعل المضحي بأضحيته، فأما الجزاء في الصيد والكفارة في لبس الثياب وحلق الشعر ومس الطيب وما أشبه ذلك فلا يأكل منه صاحبه شيئا، ولا ينتفع منه بشئ، ولا يعطي لحما ولاجلدا من يجزره له، لانه في معنى الصدقة لان الله سبحانه قال: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (54) فجعل النسك في مقام الصدقة فجرى لذلك مجراها، ومن تصدق بشئ وأخرجه لله وحكم به صدقة فلا يجوز له أن يرجع في شئ منه.
باب القول فيما استأنس من الدواب الوحشية وما استوحش من الدواب الاهلية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن محرما قتل بقرة كانت أهلية فتوحشت لم يكن عليه في ذلك شئ، وكذلك كلما توحش من الدواب الاهلية فلا بأس عليه أن يقتله المحرم ويأكله، وأما الدواب الوحشية إذا استأنست وصارت في المدن وبين الناس فلا يجوز للمحرم
---
ص 326 " (54) البقرة 196.
---(1/326)

59 / 198
ع
En
A+
A-