[ 297 ]
باب القول فيما يجوز للمحرم فعله عند الضرورة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس أن يخرج المحرم من رجله الشوكة، وأن يعصر الدماميل إذا آذه وعيها (25)، وان أضر برجليه الحفا ولم يجد نعلين فلا بأس أن يقطع الخف من تحت الكعبين ويلبسه، ولا بأس بأن يحرم المحرم إذا لم يجد مئزرا في سراويل يحتزم به إحتزاما وإن لم يجد رداء ارتدى بكمي القميص أو بجانبيه معترضا، وان لامس قبل احرامه قرب ميقاته النساء ثم لم يتهيأ له في الميقات ماء تيمم تيمما واحدا ونوى بذلك أنه للجنابة والاحرام وأجزاه ذلك عند ذي الجلال والاكرام ثم أهل بما يريد الاهلال به من حجته أو عمرته ولبس ثوبي احرامه ثم أحرم ولبى، وإذا وجد الماء اغتسل غسلا واحدا ويكون ذلك له مجزيا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الغسل للاحرام أواجب هو؟ فقال: هو من السنن وخلق من الاخلاق حسن، ومن أحرم ولم يغتسل لزمه احرامه ومضى لحجه أو لعمرته إن كان فيها.
باب القول فيمن أتى ميقاته عليلا لا يعقل احراما ولا يطيق عملا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أتى ميقاته عليلا في حال من علته لا يطيق معه الدخول في عمل حجته فانه ينبغي له أن يخلف احرامه إلى آخر المواقيت التي بينه وبين مكة فإذا بلغ آخر ميقات
---
ص 297 " (25) الوعي: القيح والمدة وفي نسخة وعثها، وأصل الوعث الدهش لانه يشق السير عليه فجعل مثلا لكل ما يشتد على صاحبه ويؤذيه، ذكره في الشفاء.
---(1/297)


[ 298 ]
بينه وبينها أحرم قبل جوازه آخر مواقيتها، فان لم يطق الاحرام ولم يعقل حدوده ولم يفهم لعلته أموره أهل بالحج له غيره وأحرم عنه به. واحرامه به عنه أن يجرده من الثياب ويفيض الماء عليه إن قدر على ذلك منه ثم يقول: اللهم إن عبدك فلانا خرج قاصدا لحج بيتك الحرام، متبعا في ذلك لسنة نبيك عليه السلام، فأدركه من المرض ما قد ترى، ثم قد جردناه من ثيابه وقصدنا به ما علمنا أنه قصده من احرامه وقد أحرم لك شعره وبشره ولحمه ودمه، ثم يلبي عنه ويسير به، ويجنبه ما يجتنب المحرم من الطيب وغيره، فإن أضربه التجريد ألبس ما يحتاج إليه من الثياب وكفر عنه، فإذا دخل مكة فأفاق من علته قضى ما يجب عليه من أعمال حجته، وان طاوله ما كان أولا به من علته وضعف النحيزة (26) وآلمته الحركة والقعود طيف به في محفة على رؤوس الرجال، ووجب له ما دخل فيه من احرامه من حجته أو عمرته، ثم يمضى به إلى عرفة فيوقف بها ويفاض به وقت الافاضة منها، ثم يحضر به جمعا ويبات به فيها، ويوقف به عند المشعر الحرام ثم يسار به إلى الجمرة جمرة العقبة فيرمى عنه، ويحلق رأسه، ثم يرمى الجمار كلها عنه، ثم يرد إلى الكعبة فيطاف به طواف الزيارة ثم قد أحل وصار كغيره ممن كان احرم، ثم أحل له ماله وعليه ما عليه. قال: وإن مات قبل احلاله مما كان فيه من احرامه لم يغط رأسه ولم يحنط بشئ من الطيب وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رجل محرم وقصته ناقته فقلته فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم به أن يغسل ولا يغطأ رأسه وقال: إنه يبعث يوم القيامة ملبيا.
---
ص 298 " (26) قال في الضياء، النحيزة: الطبيعة.
---(1/298)


[ 299 ]
باب القول فيما يفعل المحرم، وما يلزمه من فعل ما لا يجوز له فعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا لبس المحرم قميصا ناسيا، أو أحرم فيه جاهلا، فانه ينبغي له أن يشقه من قبل صدره حتى يخرج منه، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه فعل حين نسي، ولا يجوز له أن يأخذ صيدا فان أخذه وجب عليه ارساله ويتصدق بشئ من الطعام بقدر افزاعه له، ولا يجوز (27) له أن يقطع الشجر الاخضر إلا أن يكون شيئا يأكله أو يعلفه (28) راحلته، والمحرم لا يتزوج ولا يزوج، فان فعل شيئا من ذلك كان ذلك باطلا، وكان عقدة لما عقد منه فاسدا، وإن جامع المحرم أهله فقد أبطل إحرامه، وأفسد عليه حجه، وعليه أن ينحر بدنة بمنى كفارة لما أتى ويمضي في حجه ذلك الباطل وعليه الحج من قابل، وعليه إن يحج بالمرأة التي أفسد عليها حجها، وإن كانت طاوعته فيما نال منها فعليها في الكفارة مثلما كان عليه بدنة تنحرها، وان كان غلبها على نفسها وقسرها ولم تطاوعه على ما نال منها فلا كفارة في ذلك عليها، فإذا حجا في السنة المستقبلة وصار إلى الموضع الذي أفسدا فيه احرامهما وجب الافتراق من ذلك الموضع عليهما، والافتراق فليس هو الترك من الرجل لمرأته ولا التخلية في سفره عن حرمته، وانما معنى الافتراق ألا يركب معها في محمل، ولا يخلو معها في بيت، ولا بأس أن يكون على بعيره وهي تكون على بعيرها وتكون قاطرة إليه أو يكون قاطرا إليها. قال: ولا يجوز للمحرم أن يأكل لحم صيد حلال ولا محرم، وما ذبح المحرم
---
ص 299 " (27) وهو محمول على شجر الحرم.
(28) محمول على ما يزرعه الناس في الحرم.
---(1/299)


[ 300 ]
من صيده أو ذبح من صيد غيره فهو حرام عليه وعلى كل حلال، ولا يحل له ولا للحلال أكله في حكم ذي الجلال، وانما قلنا بذلك وكان الامر فيه عندنا كذلك لان الله سبحانه يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) (29) فلما أن حرم الله قتل الصيد على المحرمين لم يجز لهم ذبحه لان الذبح هو القتل فكان ما قتل منه المحرم فاسد الذكاة غير ذكي، ولا حلال الاكل ولا ذكي، فلما أن فسد على ذابحه ذبحه ولم يتم له ذكاته لما كان من احرامه وتحريم الله عليه في تلك الحال لاصطلامه، كان كمن قتل بهيمة قتلا، ولم يذبحها كما أمره الله ذبحا، فحرمت على الآكلين بقتله إياها، واحداثه ما أحدث من خلاف ما أمره به فيها، فكذلك أيضا تحريم ما ذبح المحرم من الصيد لمخالفة الذابح لربه في ذبحه، فكان ذبح المحرم للصيد، وقد حرم عليه ذبحه كقتل الحلال من الدواب، ما أمر بتذكيته، فلذلك قلنا إنه لا يجوز لحلال ولا لمحرم أكل ما ذبح المحرم، لانه قد نهى عن ذبحه وحرم عليه ذلك من فعله، كما قلنا إن أكل كلما قتله من النعم قاتل بوقذ أو بضرب أو غير ذلك مما لا يكون لما قتله قاتله له مذكيا حرام أكله على قاتله وغيره، لان الموقوذة انما حرم أكلها بتحريم الله له، وكذلك ما ضرب بالعصا حتى يقتل فهو حرام على قاتله وغيره، وانما حرم هذا لحظر الله له فكذلك حرم ما قتل المحرم بذبح أو غيره من الصيد بتحريم الله لقتله عليه. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: فإن اضطر مضطر محرم إلى أكل الصيد أو الميتة كان له أن يأكل من الميتة دون الصيد، فان خاف على نفسه من الميتة أكل من الصيد وفدى، ولا يجوز له أكله إلا من بعد المخافة على نفسه.
---
ص 300 " (29) النساء 95.
---(1/300)


[ 301 ]
قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولو أن رجلا حلالا اضطر إلى أكل ما ذبح المحرم من الصيد أو الميتة لكانا في المعنى والتحريم سواء عليه يأكل من أيهما شاء ما يعلق روحه ويلزم نفسه.
باب القول في البدنة عن كم تجزى والبقرة والشاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجزى البدنة عن عشرة، والبقرة عن سبعة من أهل بيت الواحد، والشاة عن واحد، وتجزى البدنة عن عشر متمتعين من أهل بيت واحد، فان اشترك سبعة في بدنة أو بقرة فضلت عنهم أو سرقت، فعليهم أن يبدلوا بدلها فان وجدوها من قبل أن ينحروا التي استخلفوها بعدها فلينحروا أيهما شاؤوا ولينتفعوا بثمن الذي تركوا لانه إنما عليهم هدي واحد وليس عليهم هديان. قال: ولو أنهم اشتركوا في هدي تطوعا لا يجب عليهم فضل منهم أو سرق منهم ثم وجده أصحابه وقد أخلفوا غيره مكانه لوجب عليهم أن ينحروهما جميعا لان هذا الهدي الاول كان تطوعا فلما أن ضل لم يجب عليهم أن يخلفوا مكانه فأخلفوا، وكأنهم تطوعوا بهدي آخر فصارا جميعا خارجين من ملكهم يجعلهم أياهما لربهم فلذلك قلنا بوجوب ذبحهما عليهم.
باب القول فيما تعمل المرأة الحايض إذا جاءت الميقات، أو دخلت مكة حايضا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الحائض تحرم كما يحرم غيرها غير أنها لا تصلي، ولكن تتطهر وتغتسل إن شاءت وتحتشي وتستثفر
---(1/301)

54 / 198
ع
En
A+
A-