[ 292 ]
علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قال: غيرنا بغير ذلك ولسنا نلتفت إليه ولا نتكل في ذلك عليه فإذا أعد البدنة فلينخها في ميقاته، ثم ليغتسل ويلبس ثوبي إحرامه، ثم يشعرها يشق في شق سنامها الايمن شقا حتى يدميها، ويقلدها فرد نعل ويجللها بأي الاجلال كان من صوف أو قطن أو كتان، ثم ليصل ركعتين، ثم ليقل: اللهم إني أريد الحج والعمرة معا قارنا لهما طالبا في ذلك لثوابك، متحريا لرضاك، فيسرهما لي وبلغني فيهما أملي في دنياي وآخرتي، وأغفر لي ذنوبي، وأمح عني سيئاتي، وقني شر سفري، وأخلقني بأحسن الخلاقة في ولدي وأهلي ومالي، ومحلي بحيث حبستني، أحرم لك بالحج والعمرة معا شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلته الارض مني، ونطق لك بذلك لساني، وعقد عليه قلبي، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك بعمرة وحجة معا لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، وضعت لعظمتك السموات كنفيها، وسبحت لك الارض ومن عليها اللهم إياك قصدنا بعملنا، ولك أحرمنا بعمرتنا وحجنا، فلا تخيب آمالنا ولا تقطع منك رجاءنا، ثم يلبي وينهض ويسير، فيقطرها في قطاره، ويتوقى في طريقه ما قد شرحته له في أول الكتاب ويتوقى ما نهيته عنه، ولا يركب بدنته ولا يحمل عليها شيئا ولا يركبها له خادم إلا أن يضطر إلى ركوبها ضرورة شديدة فيركبها ركوبا لا يعقرها، وإن رأى راجلا ضعيفا من المسلمين قد فدحه المشي فليحمله عليها العقبة والعقبتين والليلة والليلتين، فإن في ذلك أجرا وخيرا، والبدنة فهي لله والمضطر إلى ركوبها فعبد من عبيد الله. فإذا انتهى إلى مكة فليطف بالبيت سبعة أشواط، ثم ليصل ركعتين وينوي بذلك الطواف أنه طواف عمرته ثم
---(1/292)
[ 293 ]
يخرج إلى الصفا فيقف عليه ويقول: ما شرحت له من القول أولا، ثم يأتي المروة فيقف عليها ويقول عليها ما فسرت له من القول أولا حتى يوفي سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ولا يقصر من شعره ثم يرجع إن أحب أن يعجل ذلك، فليطف بالبيت سبعة أشواط لحجه، ثم ليصل ركعتين ثم ليخرج أيضا فيسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط لحجه ثم يثبت على إحرامه، وما أهل به على حاله ولا يترك التلبية، فإذا كان يوم التروية خرج إلى منى وعرفة، وفعل ما يفعل الحاج من الوقوف والافاضة والرمي، ثم ينحر بدنته يوم النحر ثم يحلق رأسه من بعد نحره، كما قال الله عزوجل: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) (21) ثم يمضي فيزور البيت، ويطوف طواف النساء طوافا فردا واحدا، ثم قد أحل من إحرامه وحل له كل شئ يحرم على المحرم من النكاح وغيره، وهذا قول جميع علماء آل رسول الله عليه وعليهم أجمعين، لا يرون قرانا إلا بسوق بدنة، ويرون أنه يجزيه في العمرة والحج المقرونين أقل من طوافين وسعيين طوافا وسعيا لعمرته وطوافا وسعيا لحجته، وقد قال غيرهم بغير ذلك فقالوا: يجتزى بطواف واحد وسعي لعمرته وحجته، وهذا عندنا فغير معمول به (22)، ولسنا نجيزه ولا نراه ولا نرخص فيه ولا نشاءه.
باب القول فيما يعمل المتمتع عند إحرامه وعند إحلاله من عمرته
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد المعتمر أن يهل بعمرة فليغتسل، ويلبس ثوبي إحرامه ثم ليصل ركعتين في ميقاته كما
---
ص 293 " (21) البقرة 196.
(22) في نسخة فغير معمول عليه.
---(1/293)
[ 294 ]
يفعل في إحرامه لحجه ثم يقول: اللهم إني أريد العمرة متمتعا بها إلى الحج فيسرها لي، والطف لي في أدائها عني، ويلغني فيها أملي ومحلي بحيث حبستني، أحرم لك بها شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلت الارض مني، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك بعمرة لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك ثم ينهض في سفره قاصدا لوجهه ويتوقى في سفره ما شرحت له ويفعل ما أمرته بفعله فإذا رأى الكعبة قطع التلبية ثم طاف لعمرته سبعة أشواط يرمل في ثلاثة منها ويمشي في الاربعة الباقية ثم يخرج فيسعى بين الصفا والمروة، ويقصر من شعره ثم فد خرج من إحرامه وحل له ما يحل لغيره من النساء والطيب وغير ذلك، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج من المسجد الحرام أو من حيث شاء من مكة، وخرج إلى منى ففعل كما يفعل الحاج.
باب القول فيما يعمل المحصر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أحصر المحرم بمرض مانع له عن السفر قاطع له عن السير لا يقدر معه على ركوب ولا حركة، أو بعد ويخافه أمامه على نفسه، أو بحبس من ظالم له متعد عليه ولا يقوى على مدافعته، ولا يطيق التخلص من يديه بعث بما استيسر له من الهدى وواعد رسوله يوما من أيام النحر ينحره عنه فيه، ووقت له وقتا من ذلك اليوم في بكرة ذلك اليوم أو في انتصافه أو في آخره، فإذا كان بعد ذلك الوقت بقليل حلق المحصر رأسه وأجل من احرامه، وأحب لله إن كان واعده بكرة ذلك اليوم أن يحلق نصف النهار، وإن كان واعده نصف النهار أن يحلق إذا دخل في الليل فإن الحيطة في ذلك أصلح إنشاء الله تعالى، فإن هو تخلص من إحصاره حتى يأتي مكة، فإن لحق الحج
---(1/294)
[ 295 ]
وأنتفع بهديه، ولم يجب عليه نحره ولا ذبحه، وإن فاته الحج أهل بعمرة وأهدى هديا مع عمرته، فإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة بعد أيام التشريق ثم أحل.
باب القول متى يلحق المحصر وغيره الحج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إن لحق المحصر وغيره الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فقد لحق الحج، وهو فيه كمن وقف عشية عرفة، وإن طلع الفجر قبل أن يقف بعرفة فقد فاته الحج ولا سبيل للمحصر إلى الانتفاع بهديه ووجب عليه نحره.
باب القول فيما لا يسع المحصر غيره إن تخلص في وقت يطمع بلحوق حجه فيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو أن محصرا تخلص من إحصاره فوجد دابة سريعة يعلم أنه يلحق على مثلها الحج فطلب شراءها أو اكتراءها فطلب منه صاحبها ثمنا غاليا مسرفا كان عليه إذا أيقن أنه يلحق الحج عليها أن يشتريها أو يكتريها بما أعطيها به، إلا أن يخاف على نفسه إن هو أخرج ذلك تلفا بتقصير النفقة، فإنه إن خاف ذلك لم يجز له أن يلقي بيده (* *) إلى التهلكة ولا يشرك في قتل نفسه، وعليه أن يلزم نفقته على نفسه، لان الله تبارك وتعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (23) ويقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (24)
---
ص 295 " (23) البقرة 193. في نسخة (قبل الحج).
(24) النساء (29).
(* *) في نسخة (أن يلقي بنفسه).
---(1/295)
[ 296 ]
فإن كان إخراج ما يخرج في الدابة لا يخاف معه ولا منه تقصيرا من النفقة، يخشى مع ذلك التقصير على نفسه تلفا، وكان فضل يجزيه، وجب عليه إخراج ما طلب منه في الدابة، ولم يجزه غير ذلك، لانه بوجوده لما يخرج منه فيما يلحقه بحجة قادر على لحوقه غير محصر عنه، وحاله في ذلك حال المسافر الذي لا يجد الماء إلا بالثمن الغالي فعليه شراؤه بكل ثمن إذا كان يأمن مع اخراجه إتلاف نفسه بنفاد نفقته، ولا يجوز له ترك شرائه إذا كان ذا فضل مجز له عما يشتري به ذلك الماء. فلا يجوز لمن كان كذلك التيمم بالصعيد لانه بوجود ثمن الماء واجد لما أمره الله بالتطهر به من الماء. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا حج معه ببعض حرمه فأحصر ولم تستطع حرمه الذهاب في حجهن لتخلفه عنهن، ولمخافة الضيعة بعده على أنفسهن، فكل من حج به معه من حرمه محصر معه بإحصاره وعليه وعليهن الارسال بما استيسر من الهدى عنه وعنهن إلا أن يكون معه ومعهن ذو محرم لهن يجوز له ولهن السفر بهن فإن كان معهن ذو محرم يجوز له السفر بهن لم يكن بمحصرات ووجب عليهن الاستقامة إلى ما إياه قصدن وله أحرمن إلا أن يكون المحصر أحصر لعلة من مرض لا يكون فيه معه لنفسه منفعة ويخشين إن ذهبن كلهن عليه ضيعة وتهلكة فيجوز أن يتخلف معه منهن امرأة تقوم بشأنه وتكون بمخافتها عليه التلف محصرة بإحصاره، ويجب عليها ما يجب عليه من البعثة بما استيسر من الهدى وتفعل كما يفعل المحصر.
---
ص 296 " في نسخة (يكفيه).
---(1/296)