[ 282 ]
فليخرج متى أمكنه كل ذلك يسعى بعد أن يدرك صلاة الفجر بمنى. فأما الامام إذا كان إمام فينبغي له أن يخرج من مكة نصف النهار عند زوال الشمس حتى يصلي الظهر والعصر بمنى، ويقيم بها حتى يصلي العشاء والعتمة، والصبح ثم يتوجه إلى عرفه وكذلك ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم: أنه صلى بها خمس صلوات آخرهن صلاة الفجر يوم عرفة.
باب القول فيمن دخل مكة مفردا بالحج أو معتمرا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أراد العمرة أهل في أول ما يصير إلى ميقاته بالعمرة مفردا ويقول: اللهم إني أريد العمرة متمتعا بها إلى الحج فيسرها لي ثم يقول ما يقول: في إحرام الحج وإن أراد الافراد بالحج قال عند وقت إحرامه: اللهم إنى أريد الحج فيسره لي، ويقول: ما شرحناه أولا من القول، ويقول: لبيك اللهم لبيك لبيك بحجة تمامها وأجرها عليك، فإذا دخل مكة فلا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة من بعد رجوعه يوم النحر من عرفه وذلك رأي أهل البيت جميعا لا يختلفون في ذلك وأو أحب أن يبدأ حين يدخل مكة فيطوف لحجه، ويسعى فليفعل ثم ليثبت على إحرامه، حتى إذا كان يوم التروية أو ليلة عرفة فليتوجه إلى منى فإن أتاها نهارا أقام بها حتى يصلي الفجر (15) من يوم عرفة، وإن أتاها ليلا فكذلك وإن أتاها في آخر الليل عرس بها ساعة، فإذا صلى الصبح سار إلى عرفة.
---
ص 282 " (15) في نسخة حتى يصلي الصبح.
---(1/282)
[ 283 ]
باب القول فيما يقول القارن وما يعمل وكيف يحرم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أراد الاهلال بالعمرة والحج معا، فلا يجوز له ذلك عندنا إلا بسوق بدنة يسوقها من موضعه الذي أحرم فيه بهما ويقول: حتى يريد الاحرام في دبر صلاته اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرها لي ثم يقول: ما شرحناه من قول المحرم في ابتداء إحرامه ثم يلبي فيقول: لبيك اللهم لبيك لبيك بحجة وعمرة معا، فإذا أتى مكة طاف طوافين وسعى سعيين سعيا وطوافا لعمرته، وسعيا وطوافا لحجته، وهذا الذي لا اختلاف فيه عند علماء آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، من عمل القارن، فإذا كان يوم التروية أو ليلة عرفة توجه إلى منى ففعل بها ما يفعل المفرد ثم توجه إلى عرفة غداة يوم عرفة.
باب القول في التكبير في أيام التشريق
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما يبتدئ التكبير يوم عرفة في دبر صلاة الفجر من ذلك اليوم ساعة يسلم الامام من صلاته يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ثم يلبي وينهض ويسير إلى عرفة ويلزم التكبير في دبر كل صلاة فريضة صلاها حتى يكون آخر أيام التشريق فيكبر في دبر صلاة العصر من يوم النفر الآخر ثم ليقطع التكبير فذلك ثلاث وعشرون صلاة. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: التكبير من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النفر الآخرة وكذلك يروى عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام.
---(1/283)
[ 284 ]
باب القول في الوقوف بعرفة والعمل فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا انتهى الحاج إلى عرفة نزل بها وأقام حتى يصلي الظهر والعصر فإذا صلى الظهر والعصر ارتجل فوقف في أي عرفة شاء، ويحرص أن يدنو من موقف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الجبال، وأن لم يقدر على ذلك الموضع لكثرة الزحام فيقف بأي عرفة شاء، ما خلا بطن عرنه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عرفة كلها موقف إلا بطن عرفه) قال: فإذا وقف ذكر الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه وسبحه ومجده ويخلص النية له ويقول: اللهم أنت ورب آبائنا الاولين، وإياك قصدنا، ولك استجبنا، وعليك توكلنا، وإياك رجونا، ومنك سألنا، فأعطنا سؤلنا، وتجاوز عن سيئاتنا، واهد قلوبنا، وثبتنا على الهدى، وآتنا تقوانا، ولا تكلنا إلى أنفسنا، وتقبل حجنا، ولا تردنا خائبين (16)، وأقلبنا مستوجبين. لثوابك، آمنين لعذابك ناجين من سخطك، يا إله السموات والارضين، اللهم لك الحمد على نعمائك، ولك الحمد على آلائك، ولك الحمد على ما أوليتنا وأبليتنا وأعطيتنا، فأمتعنا بنعمائك، ولا تزل عنا ما عودتنا من فضلك وآلائك يا إله العالمين، ويدعو بما أحب من الدعاء سوى ذلك لنفسه ولو الديه، ويسأل الله ما أحب أن يسأله من الرزق وغير ذلك من مراده، فإنه سميع الدعاء قريب الاجابة رحيم كريم، فإذا توارت الشمس عنه بالحجاب فليقض من عرفة ملبيا مقبلا نحو مزدلفة وعليه السكينة والوقار والخشوع لله الجبار، وليكثر في طريقه من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء والتكبير والتهليل والاجلال لله الواحد الجليل، وإن
---
ص 284 " (16) في نسخة واجعلنا مستوجبين.
---(1/284)
[ 285 ]
حضره شئ فليتصدق منه على من يرى من الضعفاء والمساكين، وإن أمكنه أن يكون ذلك اليوم صائما فليفعل، ولا يصلي المغرب ولا العتمة حتى يرد مزدلفة وهي جمع فينزل بها، ويحط رحلة، ثم يجمع بها بين المغرب والعتمة، وللجمع بها سميت جمعا.
باب القول في العمل بمزدلفة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا انتهى إلى مزدلفة فلينزل بها، ويصلي المغرب والعشاء الآخرة، وهي العتمة بأذان واحد وأقامتين، ثم يبيت بها حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فليرتحل، وليمض حتى يقف عند المشعر الحرام، ويذكر الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه.
باب القول في العمل عند المشعر الحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا أتى المشعر الحرام فليقل: اللهم هذا المشعر الحرام الذي تعبدت عبادك بالذكر الجميل لك عنده وأمرتهم به فقلت: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) (17) ولا ذكر لك أذكرك به أعظم من توحيدك، والاقرار بعدلك في كل أمورك والتصديق بوعدك ووعيدك، فأنت إلهي لا إله لي سواك ولا أعبد غيرك تعاليت عن شبه خلقك وتقدست عن ممائلة عبيدك، فأنت الواحد الذي ليس لك مثيل، ولا يعدلك عديل لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، الاول قبل كل شئ، والآخر بعد كل شئ، والمكون لكل كائن، خالق الاولين والآخرين، والباعث لكل
---
ص 285 " (17) البقرة 198.
---(1/285)
[ 286 ]
الخلائق في يوم الدين، البرئ عن أفعال العباد المتعالى عن القضاء بالفساد، صادق الوعد والوعيد، الرحمن الرحيم بالعبيد، أسألك يا رب الارباب، ويا معتق الرقاب في يوم الحساب أن تعتقني من النار، وتجعلني بقدرتك في خير دار، في جنات تجري من تحتها الانهار، فإنك واحد قادر جبار، ويقول: اللهم اغفر لي ولوالدي وما ولدا وللمسلمين والمسلمات، الاحياء منهم والاموات، اللهم لك الحمد كما ابتدأت الحمد ولك الشكر وأنت ولي الشكر ولك المن يا ذا المن والاحسان اللهم فأعطني سؤلي في دنياي وآخرتي فإنك جواد كريم.
باب القول في الافاضة من المشعر الحرام
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم ليسر راجعا إلى منى عليه الخشوع والوقار، ويقرأ في طريقه ما تيسر له من القرآن، ويدعو بما شاء أن يدعو به، ويذكر الله بما هو أهله، ويستغفر لذنوبه، ويتوب إليه من خطيئته، فإنه لا يغفر إلا للتائبين ولا يقبل إلا للراجعين، فإذا انتهى إلى بطن محسر وهو الوادي الذي بين منى ومزدلفة فليسرع في سيره حتى يقطع بطن الوادي فإنه يروى أن رسول الله صلى الله على وآله وسلم أسرع في ذلك الموضع. وليس الاسراع في ذلك الموضع بسنة واجبة لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما فعل ذلك لعلة كانت ولسبب حدث، ولو ترك الاسراع في ذلك الموضع تارك لم يبطل عليه حجه ولم يفسد عليه أمره. فإذا انتهى إلى منى فليمض على حاله حتى يأتي جمرة العقبة من بطن منى فيرميها بسبع حصيات يقول: مع كل حصاة، لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا والحمد لله حمدا كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. ثم ليقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها، ثم يأتي رحله فينحر إن كان معه فضل أو يجب عليه هدي ويذبح هديه أو ينحره،
---(1/286)