[ 46 ]
الجنابات، وارتكاب جميع الفاحشات، وغير ذلك مما يجل ذكره، ويعظم أمره من الغلو والمنكر. وذلك أنهم في أصل قولهم يقولون أعرف إمامك، واعمل ما شئت غير معاقب ولا مأثوم وذلك من قولهم عند جميع الامة فمعلوم مع يأتون به ويقولون به من الكفران والافتراء على الله والجحدان للرحمن، وجعلهم لخالقهم بزعمهم جسما ينتقل في صورة الانسان، ويؤاكلهم ويشاربهم ويداخلهم ويخارجهم، ويبايعهم، ويشاريهم، ويجعلونه، مرة موسى، وثانية عيسى، وثالثه عليا، ينتقل في صورة الآدميين، وكذلك رووا عن الشياطين أنها تتصور في صور المربوبين، فتبارك الله عن ذلك رب العالمين، وتقدس عما يقول فيه الجاهلون، وينسب إليه الضالون. فيا لمن قال بذلك الويل الطويل، والعويل والعذاب الجليل، لقد أتى شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا. فإذا علم المسترشد ذلك وعرف كل من ذكرنا بصفاتهم، ووقف على أولي الامر منهم بدلالتهم، ودان الله سبحانه بولايتهم، وجب عليه من بعد ذلك أن يعتقد معرفة فضل الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يعلم أن ذلك أكبر فروض الله المفترضة عليه، فيظهر جهاد الظالمين، وينوي مباينة الفاسقين، بيده ولسانه وقلبه وبما يقدر عليه من طاقته، ثم يجب عليه من بعد. أن يتطهر للصلوات بطهورهن ويصليهن ويقيمهن بحدودهن، ويحافظ عليهن في الاوقات اللواتي جعلها الله لهن أوقاتا من الساعات، وأن يؤدي ما أمر الله به من الزكوات على ما شرعه الرسول عليه السلام، وجعله فرضا مثبتا على ذوي المقدرات من الانام وأن يصوم شهر رمضان الذي افترض صومه الرحمن وأن يحج إلى البيت
---
ص 46 في نسخة الآدميين.
---(1/46)


[ 47 ]
المعمور وأن يؤدي جميع ما افترض عليه الله في حجه من الامور، وأن يفعل كلما أمره الله ورسوله بفعله، وأن يترك كلما أمره الله ورسوله بتركه، ويقول الحق ولو على نفسه، ويقيم الشهادة ويأتي بها على وجهها، ويؤدي الامانة، ويعتزل الخيانة، ويبر والديه، ويصل رحمه، فإذا فعل ذلك وكان حقا كذلك، فهو المؤمن حقا حقا، المتعبد لله بما أمره به سبحانه من ذلك صدقا، فإذا قد صح له اسم الايمان، ووجب له على الله الثواب والاحسان، وكان من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم يجب عليه من بعد ذلك النظر فيما يحتاج إليه من أمره من حلاله وحرامه وجميع أسبابه، فإن الله جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله لا يرضى لعباده المؤمنين وأوليائه الصالحين الجهل والنقصان، بل يشاء منهم التزيد في كل خير وإحسان، فيجب عليه أن يطلب من ذلك ما ينبغي له طلبه، من علم أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله فيتبع من ذلك أحسنه، وأقربه إلى الكتاب، فإن الله سبحانه يقول (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب) (36). وسنضع انشاء الله بتوفيق الله من ذلك ما ينتفع به في الدين والدنيا، ونقول فيه بما يثبت وينير في قلب من كان ذا حجا، والقوة بالله وله وإياه نستعين في كل أمرنا، وعليه نعتمد في كل شأننا، وحسبنا الله وكفى، ونعم الوكيل، عليه توكلنا، وهو رب العرش العظيم.
---
ص 47 (36) الزمر 17 - 18.
---(1/47)


[ 48 ]
باب القول فيمن أراد الغائط وما يستحب له وما ينبغي أن يتقيه
قال يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم صلوات الله عليهم: يستحب لمن أراد الغائط لحاجته، - والغائط فهو الجانب من الارض الستير - أن لا يكشف عورته حتى يهوي للجلوس، وأن يتعوذ بالله من شر إبليس الملعون، الرجس النجس، ولا يجلس مستقبل القبلة ولا مستدبرها، وأن يجعلها عن يمينه أو عن شماله، فإذا قضى حاجته، ونهض إلى طهوره حمد الله على ما أماط عنه من الاذى وكذلك روى عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه كان إذا خرج من المتبرز قال: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، الحمد لله الذي أماط عني الاذى. وينبغي له أن لا يستنجي بيمينه فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " أنه نهى أصحابه عن استقبال القبلة واستدبارها في الغائط وعن استنجائهم بأيمانهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما نهى وكره استقبال القبلة واستدبارها في الغائط اجلالا لها وتعظيما لما عظم الله من قدرها، إذ جعلها للناس مثابا ومؤتما يأتمونه، ومقصدا لما افترض الله عليهم يقصدونه، ولما جعل فيها من البركة وآثار الانبياء المطهرين، فلذلك وبه وجب إجلالها على العالمين. وأما النهي عن الاستنجاء باليمين فإنما نهى النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك نظرا منه للمؤمنين، لمالهم فيها من المنافع في المأكل، وغير ذلك من إفاضة الماء للتطهر على غيرها من الاعضاء، فلذلك نهى عن الاستنجاء بها ليبعد كل قذر ودرن منها. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وينبغي للمسلمين أن لا يغفلوا إجالة المساويك في أفواههم عندما يحدثون من التطهر عند كل
---(1/48)


[ 49 ]
غداة لصلواتهم، وليس ذلك بواجب عليهم، ولكنا نستحبه لهم وفيهم، لما بلغنا في ذلك عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن ابائه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الطهور، فمن أطاق السواك مع الطهور فلا يدعه).
باب القول في صفة التطهر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أول ما يجب على المتوضي أن يغسل كفيه فينقيهما ثم يغسل فرجه الاعلى، فإذا أنقاه وأنقى ما حوله وما عليه من درن أو قذر، غسل بعد ذلك وانحدر إلى فرجه الاسفل فأنقاه، ثم غسل يسرى يديه فأنقاها من أثر ما أماط من الاذى عن فرجيه بها، ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة ثلاثا، ثم يستنثر حتى ينقي أنفه وينقي فاه، ثم يغسل وجهه أسفله وأعلاه بالماء غسلا، ولا يمسحه به مسحا، ولا يجزيه حتى يحمل الماء في كفيه، ثم يغسل به وجهه وخديه وجبهته وصدغيه، ويخلل لحيته، ثم يغسل ذراعه اليمنى بكفه اليسرى ثلاث مرات غسلا إلى المرفق، سواء، سواء ثم يغسل يده اليسرى باليمنى كما غسل يده اليمنى ثم يمسح برأسه ثلاثا ما قبل منه وما دبر، حتى يجيل يديه على كل ما في رأسه من الشعر، ويجيل يديه على أذنيه ظاهرهما وباطنهما وأسفلهما وأعلاهما. ويستحب له أن يذكر اسم الله عند مبتدأ طهوره، وفي وسطه وآخره، فيقول ما روي عن أمير المؤمنين عليه صلوات رب العالمين. فقد بلغنا عنه أنه كان يقول إذا وضع طهوره أمامه: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم يغسل فرجه فيقول: اللهم حصن فرجي برحمتك عن معاصيك، ثم يتمضمص فيقول: اللهم لقني
---(1/49)


[ 50 ]
حجتي يوم ألقاك، ثم يستنشق، فيقول: اللهم لا تحرمني رائحة الجنة برحمتك، ثم يغسل وجهه فيقول: اللهم بيض وجهي يوم تبيض الوجوه، وتسود وجوه، ثم يغسل يده اليمنى فيقول: اللهم أعطني كتابي بيميني، واغفر ذنبي ثم يغسل يده اليسرى فيقول: اللهم لا تؤتني كتابي بشمالي وتجاوز عن سئ أفعالي، ثم يمسح رأسه فيقول: اللهم غشني رحمتك وأتمم على نعمتك، ثم يجيل يده على رقبته ثم يقول: اللهم قني الاغلال في يوم الحساب، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين فيقول: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل الاقدام يا ذا الجلال والاكرام ثم يخلل بين أصابعهما ويبدأ في الغسل باليمنى منهما. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإن قال غير ذلك أجزأه، واليسير من ذكر الله يجزي، ولو نسيه ناس لم يكن لينقض عليه وضوءه ولا يفسد عليه طهوره، لان الملة تكفيه، والاقرار بتوحيد الله يجزيه، فإذا أسبغ الوضوء فقد أدى ما يجب عليه من مفتاح الصلوة وهو الطهور. وفي إسباغ الوضوء ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما من مؤمن يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلوة الاخرى حتى يصليها) (37). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: هذا الحديث موافق لكتاب الله وذلك قوله سبحانه (أقم الصلوة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (38) فأخبر الله سبحانه بأن الحسنات يذهبن السيئات، والصلوة فهي أكبر حسنات العباد، من بعد ما حض الله عليه من الجهاد، وهذا فانما يكون للمؤمنين
---
ص 50 (37) في نسخة أمره. في نسخة امرء.
(38) هود 114.
---(1/50)

5 / 198
ع
En
A+
A-