[ 272 ]
فحج ابراهيم صلى الله عليه بأهله والمؤمنين، حتى انتهى إلى بيت رب العالمين وأمره الله سبحانه بالاذان بالحج، فأذن ودعا إلى الله فأسمع وأجابه إلى ذلك من آمن بالله واتبع أمره، واجتمعوا إلى ابراهيم صلى الله عليه وسلم فخرج بمن معه متوجها إلى منى. فيقال: إن إبليس اعترض له عند جمرة العقبة فرماه بسبعة أحجار يكبر مع كل حجرة تكبيرة، ثم اعترض له عند الجمرة الثانية، ففعل به ما فعل عند الجمرة الاولى، ثم اعترض له عند جمرة الثالثة، فرماه كما رماه عند الجمرة الثانية، فأيس من إجابته له وقبوله لقوله فيقال: إنه صده وضلله عن طريق عرفة فأتى صلى الله عليه وسلم ذا المجاز فوقف به فلم يعرفه، إذ لم ير فيه من النعت مانعت له فسار عنه وتركه، فسمي ذلك المكان لمجاز ابراهيم به ذا المجاز، فلما أتى ابراهيم صلى الله عليه وسلم الموضع الذي أمر باتيانه عرفه بما فيه من العلامات التي نعتت له، فقال صلى الله عليه: " قد عرفت هذا المكان، فسمي عرفات، فنزل بها حتى صلى الظهر والعصر معا، ثم وقف بالناس وجعل اسمعيل إماما، فوقف مستقبلا للبيت حتى غربت الشمس، ثم دفع بالناس فصلى المغرب والعشاء الاخرة بالمزدلفة "، ويقال والله أعلم: إنها سميت مزدلفة لازدلاف الناس منها إلى منى وأنما سمي موضعها جمعا لانه جمع بين الصلاتين بها، ثم نهض صلى الله عليه وسلم حين طلع الفجر فوقف على الظرب (4) الذي يقال له: قزح، ووقف الناس حوله وهو المشعر الحرام الذي أمر الله بذكره عنده، ثم أفاض قبل طلوع الشمس فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم نزل منى فذبح وحلق وصنع ما يصنع الحاج، وأرى الناس مناسكهم، فاستمر عليه المؤمنون معه وبعده، وكان الحج فرضا على
---
ص 272 " (4) الضرب الروابي الصغار. ضرب ككتف قال في القاموس. وهو ما نتأمن الحجارة وحد طرفه أو الجبل المنبسط أو الصغير.
---(1/272)


[ 273 ]
من وجد إليه سبيلا والسبيل فهو الزاد والراحلة والامان على النفس ثم قال سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه في الدلالة على وقت الحج: (الحج أشهر معلومات) (5) فكانت أشهر الحج شوالا وذا القعدة والعشر من أول ذي الحجة ثم قال الله سبحانه: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (6) ومعنا قوله فرض هو أوجب بالاحرام ودخل.
باب القول في مواقيت الاحرام التي وقت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ثم وقت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لاهل الآفاق في الاحرام مواقيتهم فوقت لاهل المدينة ذا الحليفة، ولاهل الشام الجحفة، ولاهل العراق ذات عرق، ولاهل نجد قرنا، ولاهل اليمن يلملم، وقال: هن مواقيت لاهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن.
باب القول في الدخول في الحج
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا أردت انشاء الله فرض الحج على نفسك والدخول فيه بفعلك، فليكن ذلك في أشهر الحج، فأت ذا الخليفة وهو الموضع الذي يدعى الشجرة، الموضع الذي أحرم فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاغتسل لما تريد من فرض الحج على نفسك، وفرضك له فهو الدخول فيه، والدخول فيه فهو الاهلال به، والاهلال فهو الاحرام له وذلك قول الله
---
ص 273 " (5) البقرة 197.
(6) البقرة 197.
---(1/273)


[ 274 ]
تبارك وتعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (7) فإذا اغتسلت وكنت في وقت صلاة فريضة فصل ما أوجب الله عليك منها فإذا سلمت فقل: اللهم إني أريد الحج رغبة مني فيما رغبت فيه ولطلب ثوابك، وتحريا لرضاك فيسره لي وبلغني فيه أملي، في دنياي وآخرتي، واغفر لي ذنبي، وامح عني سيئاتي، وقني شر سفري، واخلفني بأحسن الخلافة في ولدي وأهلي ومالي، ومحلي حيث حبستني، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وما أقلته الارض مني، ونطق لك به لساني، وعقد عليه قلبي ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، وضعت لعظمتك السموات كنفيها، وسبحت لك الارض ومن عليها، اياك قصدنا بأعمالنا ولك أحرمنا بحجنا فلا تخيب عندك آمالنا، ولا تقطع منك رجاءنا، ثم تنهض خارجا نحو مكة، وكذلك إن كنت قد صليت ما عليك من الفريضة فصل في المسجد ركعتين ثم قل من القول ما ذكرت لك ثم سر حتى تستوي بك البيداء، وأنت تسبح في طريقك وتهلل وتكبر وتقرأ القرآن، وتستغفر الله وتخلص لربك النية، وتتوب إليه سبحانه من الخطيئة، وتحذر الرفث والفسوق والجدال والكذب فانه من الفسوق.
باب القول في التلبية
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا استويت بظهر البيداء ابتدأت التلبية ورفعت بها صوتك رفعا حسنا متوسطا، تسمع من أمامك ومن ورائك، تقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،
---
ص 274 " (7) البقرة 197.
---(1/274)


[ 275 ]
إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت.
باب القول فيما يستحب للحاج أن يقوله عندما يريد الركوب بعد احرامه بالبيداء
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: نحب له حين يريد الركوب لدابته أن يقول: بسم الله وبالله والحمد لله على نعم الله، وصلى الله على خير خلق الله، محمد رسول الله، فإذا استوى في محمله أو على ظهر راحلته أو في سرج دابته قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين، ثم يلبي ولا يفحش في التلبية بشدة الصياح، ولا يخاف بها ويبتغي بين ذلك سبيلا حسنا، فكل ما علا من الارض نشزا قال: الله أكبر الله أكبر لا اله الا الله والله أكبر. وإذا انحدر لبى بما شرحنا من التلبية ولا يغفل التلبية الفينة بعد الفينة.
باب القول فيما يجب على المحروم توقيه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجب عليه أن يتوقى ما نهاه الله عنه من الرفث والفسوق والجدال والرفث فهو الدنو من النساء، وذلك قول الله في كتابه سبحانه: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (8) ومن الرفث أيضا الفراء على الناس، واللفظ بالقبيح مما يستشنعه أهل الخير، والفسوق فهو الفسق والتجني والكذب والظلم
---
ص 275 " (8) البقرة 187.
---(1/275)


[ 276 ]
والتعدي والتجبر على عباد الله، والغشم، والطعن على أولياء الله، والادخال لشئ من المرافق على عدو من أعداء الله، والتحامل بالقبيح على ذي الرحم، وكثرة المخاصمة والمجادلة له، ولا يقتل صيدا، ولا يعين عليه، ولا يشير إليه، ولا يمس طيبا، ولا يلبس ثوبا مصبوغا، ولا يدنو من النساء، ولا يلبس قميصا بعد إغتساله لاحرامه ولايجز من شعره شعرة، ولا يتداوى بدواء فيه طيب، ولا يكتحل، ولا يقتل من قمل ثوبه شيئا، وإن أراد تحويل قملة من مكان إلى مكان فعل ذلك، وإن قتلها تصدق بشئ من طعام، ولا يتزوج ولا يزوج، ولا يأكل لحم صيد له ولا لغيره، وما أشبه ذلك والجدال الذي نهي الله عنه فهو المجادلة بالباطل، ليدحض به الحق، ومن المجادلة شدة المخاصمة التي تخرج إلى الفاحشة، التي لا يملك صاحبها نفسه معها. واعلم أنه ليس يتقى في الاحرام لبس الثياب ولا مجامعة النساء ولا مس الطيب فقط ولكن يتقى هذا وغيره من كل ما ذكرت لك وفسرت من جميع معاني الرفث وجميع معاني الفسوق، وجميع معاني الجدال.
باب القول فيما يستحب للحاج أن يفعله عند نزوله المنازل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: فإذا نزل الحاج منزلا فليقل عند وضعه لرحله: رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين، ثم ليحتفظ فيما يأكله ويشربه من طعامه، ولا يشربن (9) ولا يأكلن صيدا من طير ولا ظلف ولا حافر ولا شيئا من صيد الارض، كان ذلك مما صيد له أو لغيره فإن ذلك أصل قول أمير المؤمنين عليه السلام في الصيد وقول
---
ص 276 " (9) في نسخة ولا يشترين.
---(1/276)

49 / 198
ع
En
A+
A-