[ 256 ]
عنهما قضيا ما أفطرا من جميع صيامهما وإن لم يزل ذلك أبدا عنهما فحالهما في فرض صيامهما كحال الهرمين الكبيرين اللذين هما لضعفهما للصيام غير مطيقين ويلزمهما من الاطعام ما يلزمهما ويسقط عنهما من فرض الصيام ما يسقط عنهما ومن كان سوى هذين فعليه القضاء لكل ما أفطر عند خروجه مما كان فيه من علته التي منعته من صيامه. وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه لما نزل عليه فرض صيام شهر رمضان، أتته امرأة حامل فقالت: يا رسول الله إني امرأة حامل، وهذا شهر رمضان مفروض، وأنا أخاف على ما في بطني إن صمت، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنطلقي فافطري فإذا أطقت فصومي). وأتته امرأة مرضع فقالت: يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض، وأنا أخاف إن صمت أن ينقطع لبني فيهلك ولدي فقال لها: (انطلقي فافطري فإذا أطقت فصومي)، وأما صاحب العطش فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض ولا أصبر عن الماء ساعة واحدة وأخاف على نفسي إن صمت، فقال: (أنطلق فأفطر فإذا أطقت فصم)، وأتاه شيخ كبير يتوكأ بين رجلين فقال: يا رسول الله هذا شهر رمضان مفروض، ولا أطيق الصيام فقال: (فاذهب فأطعم عن كل يوم نصف صاع مسكينا)، ويقال: إنه أمرهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك أن يصوموا اليوم واليومين وأن يفطروا اليوم واليومين. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي أن يكون أمر صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصيام اليوم واليومين من يطيق صومهما فأما من لم يطق فلا شئ عليه، ولو وجب على من لا يطيق الصوم أصلا
---(1/256)
[ 257 ]
صيام يوم أو يومين لوجب عليه صيام الشهر كله، لان المعنى في تكليف الايسير مما لا يطاق، كالمعنى في تكليف كثيره، وقد قال الله عزوجل: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (47)، وقال: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (48). وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوله: (إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله)، وكذلك يجب على كل ذي علة من العلل. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويجب على الحامل المرضع أن يصوما اليوم واليومين ويفطرا كذلك إذا لم يخافا في ذلك إضرارا بأولادهما.
باب القول فيمن أفطر رمضان ثم لم يقض ذلك حتى دخل عليه شهر الصوم المقبل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: إذا ترك ذلك لعلة من العلل مانعة له من قضائه فليصم هذا الشهر الذي دخل عليه، ويطعم في كل يوم صامه مسكينا، كفارة لتخليف ما خلف، مما كان عليه من دين شهره الماضي، حتى يطعم بعدد ما أفطر من الايام من قليل أو كثير، فإذا فرغ من صوم فرضه وأكمل لله ما أمره به من صومه صام من بعد يوم عيده ما كان عليه أولا من صومه، وهذا أحسن ما أرى في ذلك وإن صام ولم يطعم أجزأه، والله الموفق لكل صواب وسداد، وإياه نسأل العون والتوفيق والارشاد.
---
ص 257 (47 البقره 286.
(48) الطلاق 7. في نسخة حتى دخل عليه شهر رمضان. تمت.
---(1/257)
[ 258 ]
باب القول في صيام الظهار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من ظاهر من أمرأته فعليه ما أوجب الله من الكفارة، يجب عليه أن يعتق رقبة من قبل أن يمسها، فإن لم يجد عتق رقبة فعليه صوم شهرين متتابعين، من قبل أن يدنو منها، فإن لم يستطع ذلك أطعم ستين مسكيا مدين (49) مدين، قال: ولا يجوز له أن يقطع صومه في الظهار في حضر ولا سفر من الاسفار، إلا من علة يدنف فيها أو يخاف إن صام على نفسه منها، فيجوز له الافطار ما دام في علته، فإذا وجد رخصة من أمره صام وإن شق ذلك على نفسه في كثير من شأنه وأمره، بعد أن يأمن على نفسه التلف، ويكون قد خرج من شدة علته وصار إلى ما يستطيع معه الصوم لربه، فإذا قضى الشهرين وهما ستون يوما أياما متتابعات، إلا أن يفصل بينهما ما ذكرنا من هذه العلات، فإن فصلت العلة بين هذه الايام بنا على ما تقدم من صومه عند وقت إفاقته من علته، حتى يوفي الشهرين كاملين من قبل ملامسة زوجته، فإن قطع صومه شئ يقدر على دفعة بحيلة من الحيل، أو معنى من المعاني، وجب عليه الاستئناف للشهرين حتى يكملهما كما أمر الله متتابعين. وقد قال غيرنا: إنه إن قطع صومه بعلة من العلل عظمت أو سهلت قدر على دفعها أو لم يقدر فإن عليه الابتداء للصوم، وليس ذلك عندنا كذلك، لان في ذلك غاية الشطط على المسلمين، والتهلكة لكثير من المؤمنين، لانه ليس كل الناس يسلم من فوادح الامراض، ولا ينجو شهرين تامين من نوازل الاعراض، بل قد يكون كثير من الناس صاحب علل وأسقام، لا يقدر على المتابعة بين
---
ص 258 (49) قال في التحرير قال أبو العباس رحمه الله إنما يجب مدان أذا كان ذلك من البر على أصل يحيى عليه السلام فيكون حنطة أو دقيقا وإن كان تمرا أو شعيرا أو غيرهما فهو صالح.
---(1/258)
[ 259 ]
شهرين في الصيام، ولا يجد ما يجده غيره من الانام، من العتق في كفارة أو الاطعام، ثم يقال: لمن شدد في ذلك ولم ير أن صاحب الصيام في الفسحة عند الضرورة كذلك. ما تقول في رجل ظاهر من امرأته، وكان معسرا في ذات يده، لا يطيق أن يعتق رقبة لكفارة، ولا ينال اطعاما لشدة فاقته، ولا يستطيع أن يواصل بين شهرين لفوادح ما هو فيه من علته، وقد يطيق بالمشقة الشديدة أن يصوم شهرا واحدا، ولا يطيق أن يزيد عليه يوما فردا، وكان معروفا بشدة الاسقام، مبتلى بهجوم الفوادح منها بين الانام؟ أتحرمون عليه امرأته أبدا إذا لم يطق غير ما به أتى؟ أم تقولون له كما قال له ربه العلي الاعلى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (50) وكما قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (51)؟ فإن قالوا بل نقول له ما قال الله: ونطلق لذلك المبتلى ما أطلق الله، أصابوا في قولهم، واتبعوا الرشد من أمرهم، ورجعوا إلى ما به قلنا، وتكلموا في ذلك بما به تكلمنا، وإن قالوا: بل نقول لمن لم يجد إلى العتق والاطعام سبيلا، وكان في جسمه أبدا مبتلى عليلا، وقد يطيق أن يصوم شهرا ثم يفطر يوما أو يومين، عند تراكم سقمه وهجوم فادح علته، فإذا أفاق من هائل سقمه عاد إلى ما كان فيه من صومه، فيكمل ما أمر به من الشهرين، فإن قالوا: امرأتك عليك حرام أبدا حتى تأتي بما لا تستطيع، وتفعل من الامور المستصعبة مالا تطيق، فقد خالوا في ذلك كتاب ربهم وشددوا فيما جاء مسهلا من عند خالقهم، لان الله سبحانه يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (52) ويقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (53) ويقول:
---
ص 259 (50) البقرة 286.
(51) الطلاق 7.
(52) البقرة 185.
(53) البقرة 276).
---(1/259)
[ 260 ]
(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (54) ويقول: (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة) (55) ومن خالف أمر الله وشدد ما سهل الله كان حقيقا بالابطال، وبأن لا يتبع في شئ مما يأتي به من المقال. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وكذلك الواجب على المظاهر أن يعتق، فإن لم يجد صام، فإن صام بعض صومه ثم وجد السبيل إلى العتق قطع صومه وأعتق، وكذلك إن لم يستطع الصيام لعلة فأطعم بعض المساكين، ثم صح واستطاع أن يصوم صام، ولم يعتد بما أطعم، لان الله سبحانه إنما أجاز له الصوم إذا لم يجد ما يعتق، فإذا وجد أعتق وإن كان في صومه فقد سقط الصوم ووجب عليه العتق، وكذلك في الاطعام إذا أطاق الصوم، فإن لم يجد العتق حتى قضى صومه فلا عتق عليه، وكذلك إن لم يستطع الصوم حتى أطعم ستين مسكينا فلا صوم عليه، وإنما قلنا بذلك لان كل شئ كان فيه صاحبه فلم يقضه، وإذا لم يقضه كله ثم نال ما هو أفضل له منه مما لا يجوز له فعله معه سقط عنه الاول، ووجب عليه الآخر وقياس ذلك الصبية تطلق وهي لا تحيض، فتعتد بالشهور فتمضي من عدتها شهران ثم تحيض، فالواجب عليها أن تستقبل ثلاث حيض، ولا تعتد بما مضى من الشهور، لانها قد صارت من ذوات الاقراء، فعليها ما عليهن ولها ما لهن، وكذلك المتمتع إذا لم يجد هديا فصام ثلاثة أيام في الحج، ثم وجد هديا في بعض أيام منى، وقدر على الذبح، وجب عليه أن يذبح، ولا ينظر إلى ما كان من صيامه لانه قد وجد الهدى في بعض أيامه، فبطل بوجود الهدى في تلك الايام عنه الصيام، ولزمه الهدى.
---
ص 260 (54) النساء 29.
(55) البقرة 193.
---(1/260)