[ 246 ]
باب القول فيما تقضي الحائض
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة، وإنما قلنا بذلك لان الله حكم على المريض بقضاء الصوم، ولم يحكم على المريض بقضاء صلاة مما فاته من الصلوات في حال ما يغمى عليه، فلما أن وجدناه تبارك وتعالى قد حكم بقضاء الصوم على المريض الذي لا يستطيع أن يصوم لقوله: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (39) ولم نجده حكم على من لم يقدر على الصلاة أياما من المرضى بقضاء ما فاته من صلاة تلك الايام، وكان أكثر ما يجب على من كانت تلك حاله من المرضى أن يصلي عند إفاقته صلاة اليوم الذي يفيق في آخره، أو الليلة التي يفيق في آخرها، ووجدنا الحيض مرضا وعلة تدخل على المرأة حتى ربما طرحتها (40) أمراض الحيض عند مجيئه كأشد ما يكون من طرح الامراض، فألزمناها ما يلزم المريض، وطرحنا عنها ما يطرح عن المريض، ولم نلتفت إلى تمادي المرض وشدته، ولا إلى سهولته وقلته من بعد أن بان لنا أنه مرض من الامراض، وعلة عارضة كسائر الاعراض، ومما وافق قولنا في ذلك من الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه لم يأمر أحدا من نسائه بقضاء الصلاة كما أمرهن بقضاء الصوم) وكذلك وعلى ذلك رأينا جميع مشايخ آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلمائهم، لم يسمع بأحد منهم أوجب على حايض قضاء صلاتها كما يوجبون عليها قضاء (41) ما أفطرت من أيامها.
---
ص 246 (39) البقره 185.
(40) في نسخة (في).
(41) في نسخة (صيام ما أفطرت).
---(1/246)
[ 247 ]
حدثني أبي عن أبيه أنه قال: الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: بلغنا عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام أنه قال: كان أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمهات المؤمنين يرين ما ترى النساء فيقضين الصوم ولا يقضين الصلاة، وقد كانت فاطمة أبنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (42) ترى ما يرى النساء فتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وبلغنا عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (تقضي المستحاضة الصوم). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى هذا الحديث أنها تقضي ما أفطرت في وقت حيضها والايام التي كان يكون فيها طمثها فإذا ذهبت تلك الايام التي كانت تحيض في مثلها وتعلم أنها وقت لاقرائها تطهرت المستحاضة وصلت وصامت وأتاها زوجها واستشفرت للصلاة واحتشت إن كان الدم غالبا عليها.
باب القول فيمن نوى الصيام تطوعا ثم أفطر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس عليه في ذلك شئ إلا أن يكون أوجبه لله على نفسه إيجابا ويكون قد فرضه له سبحانه فرضا، فإن كان قد فعل ذلك فلا نحب له الافطار، وإن أفطر بعد ذلك قضى ذلك اليوم الذي أوجبه لله على نفسه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: في رجل أصبح وقد نوى أن يصوم تطوعا ثم أصبح مفطرا فقال: ليس عليه إعادة إلا أن يكون قد أوجبه وتكلم به وليس يجب ذلك بالضماير والنيات دون القول الظاهر.
---
ص 247 (42) في نسخة (صلى الله عليه وعليها).
---(1/247)
[ 248 ]
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: يريد بقوله: لا تلزم النية دون الكلام إذا كان ذلك نذرا أو أمرا أوجبه لله إيجابا يحتاج فيه إلى الكلام.
باب القول فيمن أفطر وهو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب والقول في قضاء شهر رمضان وكيف يقضى؟
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من أفطر وهو يظن أن الشمس قد غابت لعلة سحاب أو سبب غير ذلك من الاسباب، فليس يلزمه في دينه فساد، وعليه أن يقضي يوما مكان ذلك اليوم، وكذلك لو تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم علم أنه تسحر وقد سطع الفجر، لم يكن عليه أكثر من قضاء يوم مكان يومه، وينبغي للمسلمين أن يتحرزوا من مثل ذلك ولا يكونوا في الغفلة كذلك فال: ومن أفطر في رمضان صام ما أفطر كما أفطر إن كان أفطر أياما متواصلات قضى أياما متواترات وإن كان أفطر أياما متفرقة قضاهن كما أفطرهن أياما مختلفة، وإن واترهن كان ذلك أفضل. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: في صائم ظن أن الشمس قد غابت فأكل ثم طلعت الشمس بعد ما أفطر قال يقضي يوما مكان يومه إذا تبين له أنه أكل في شئ من نهاره. حدثني أبي عن أبيه في رجل تسحر وهو يرى أن عليه ليلا وقد طلع الفجر قال: يتم ذلك اليوم ويقضي مكانه إن أكل وشرب بعد طلوع الفجر. حدثني أبي عن أبيه أنه قال في رجل شك في طلوع الفجر طلع أم لا. هل يأكل؟ فال: إن أكل ما لم يبن له أو يخبره عنه مخبر أنه أكل بعد طلوع الفجر فلا يلزمه قضاء يومه، وأن صح عنده أنه أكل بعد طلوع الفجر
---(1/248)
[ 249 ]
قضى يومه الذي أفطر فيه. والفجر فهو البياض المعترض وهو الخيط الابيض كما قال الله سبحانه. حدثني أبي عن أبيه في قضاء رمضان أنه قال: يقضيه كما أفطر، إن أفطر متصلا قضاه متصلا وإن أفطره متفرقا قضاه متفرقا. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا أحسن ما سمعت في هذا المعنى وأقربه إلى العدل والهدى أن يقضي كما أفطر.
باب القول في الاعتكاف وما ذكر من صوم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاعتكاف لا يكون إلا بالصيام وإعتزال النساء في ليله ونهاره حتى يفرغ من إعتكافه وأقل الاعتكاف يوم، ويجب على من أعتكف يوما أن يدخل المسجد قبل طلوع الفجر، ويخرج منه في العشاء وقد قيل إنه لا يكون إعتكاف إلا في مسجد جماعة وجمع، وليس ذلك عندي كذلك بل الاعتكاف عندي جائز في كل مسجد كان من المساجد، لان الله سبحانه لم يفرق بينها بل سماها بيوتا كلها فقال سبحانه: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار) (43) فلما أن سماها الله بيوتا كلها وكانت كلها له مساجد أجزنا الاعتكاف فيها كلها معا. وأما صوم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد روي أنه كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال: لا يصوم وكان أكثر صومه من الشهور في شعبان وكان يقول: (شعبان
---
ص 249 (43) النور 37.
---(1/249)
[ 250 ]
شهري ورجب شهرك يا علي ورمضان شهر الله تعالى)، وقال: لا بأس أن يخرج المعتكف من مسجده لحاجة أو لشهادة جنازه ويلزم مسجده. حدثني أبي عن أبيه في الاعتكاف وكيف هو فقال: يعتكف في مسجد جماعة ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة، ولا بأس أن يشهد الجنازة، ويلزم مسجد معتكفة ويصوم فإنه لا إعتكاف إلا بصوم ولا يلم بشئ مما أحل الله من النساء بليل ولا نهار حتى يخرج مما هو فيه من الاعتكاف الذى أوجبه على نفسه وصار إليه. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: أراد جدي رضي الله عنه بقوله: في مسجد جماعة أي مسجد صلى فيه جمع فيه أثنان وأكثر، صليت فيه جمعه أم لم تصل.
باب القول في وقت السحور
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وقت السحور ما لم يدخل الشك في أول الفجر، وينبغي للمسلمين أن يحتاطوا في دينهم ولا يقاربوا شيئا من الشك في أمرهم، وألا يقاربوا الشبهات، وأن يتبعوا الاعلام النيرات، ومن تسحر في فسحة من أمره كان أفضل له في دينه، فأما ما يقال: به من تأخير السحور، فانما معنى تأخيره إلى آخر الليل، ومن تسحر في الثلث الآخر فقد أخره، وينبغي له أن يتقي دنو الفجر بجهده، والسحور فيه فضل، وفي ذلك ما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إن الله وملائكته يصلون على المستغفرين بالاسحار والمتسحرين فليتسحر أحدكم ولو بجرعة من ماء). قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولو أن إنسانا تسحر يوما أو
---(1/250)