[ 241 ]
وسلم أنه خص بالامر بصيامه بني أسلم، وحباهم بذلك وكذلك صيام الدهر لمن أطاقه ولم يضر بجسمه ولا ببدنه، لان الله سبحانه لم يرد من عباده المعسور وإنما أراد منهم الميسور، وذلك قوله سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (31) فمن قوي على صيامه صامه، ويفطر يوم الفطر ويوم الاضحى، وأيام التشريق، لان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صيام هذه الايام. وقال هي أيام أكل وشرب ومن أفطر هذه الايام فلم يصم الدهر. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء، وأي يوم هو وعن صوم يوم عرفة فقال: حسن جميل صومهما ولا حرج على من ترك أن يصوم فيهما، وقد جاء فضل كثير فيمن صام يوم عرفة، كان له كفارة سنة. ويوم عاشوراء فهو يوم عاشر لا اختلاف فيه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صوم الدهر فقال: لا بأس به إذا أفطر في العيدين وأيام التشريق، ومن أفطر في هذه الايام لم يصم الدهر وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لا صام ولا أفطر من صام الدهر. وقد يكون هذا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إرشادا ونظرا وتخفيفا وتيسيرا ليس على التحريم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وصوم أيام البيض فيه فضل كبير وقد جاء فيها من الذكر والخير ما يرغب في صومها، وهي يوم ثلاثة عشر من كل شهر، ويوم أربعة عشر، ويوم خمسة عشر، وما أحب افطارها لمن قدر على صومها. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: في صوم الايام البيض وفي رجب
---
ص 241 (31) البقرة 185.
---(1/241)
[ 242 ]
وشعبان والاثنين والخميس قال: صوم ذلك كله حسن جميل، وقد جاء من الفضل في صوم أيام البيض فضل كبير وليس ذلك مما يجب كوجوب الواجب.
باب القول في احتجام الصائم والكحل
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بالحجامة للصائم إذا أمن على نفسه ضعفا (32) ووثق مع ذلك بقوته عليها، وإن خاف منها ضعفا لم يجز له التعزير بنفسه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الحجامة للصائم فقال: لا بأس بالحجامة للصائم إذا لم يخش على نفسه منها ضررا. قال يحيى بن الحسين عليه السلام: ولا بأس بالكحل لانه ليس مما يفطر وليس بغذاء وإنما هو دواء ظاهر ولا يدخل الجوف ولا ينال الحلق. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا بأس بالكحل للصائم.
باب القول في الصائم يواقع أهله في شهر رمضان ناسيا أو يأكل أو يشرب
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أكثر ما يجب على من أكل أو شرب ناسيا قضاء يوم مكان يومه، وقد روى عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا قضاء عليه ولو صح (33) لنا ذلك لم نتعده، فأما من جامع ناسيا فقد قيل إن عليه الكفارة التي على
---
ص 242 (32) في نسخة ضعفها. في نسخة (التعريض).
(33) في نسخة (ولو صح ذلك لنا).
---(1/242)
[ 243 ]
المعتمد، وليس ذلك عندي كذلك، لانه لابد أن يكون بين المعتمد والناسي فرق، والقول عندي في ذلك أنه لا شئ عليه أكثر من الاستغفار وقضاء يوم مكانه.
باب القول فيمن واقع أهله في شهر رمضان متعمدا أو يقبل أو ينظر فيمني
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من جامع أهله في رمضان متعمدا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، ويقضي يوما مكان يومه، ويتوب إلى الله من عظيم ذنبه، ومن قبل أو نظر أو لمس فأمنى فلا شئ عليه أكثر من قضاء يوم مكان يوم والتوبة إلى ربه. حدثني أبي عن أبيه في الصائم يجامع في شهر رمضان متعمدا قال: عليه قضاء يوم مكان يومه ويستغفر الله ويتوب إليه من كبير ذنبه وما جاء به من عظيم فعله.
باب القول في الصيام في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قال الله تبارك وتعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (34) فرخص الله سبحانه للمسافرين في الافطار، رحمة منه لهم وتوسعة عليهم، فمن سافر فقد جعل الله له أن يفطر إن أحب وإن صام فهو أفضل له لقول الله سبحانه (وأن تصوموا خير لكم) (35) فأطلق الافطار رخصة منه ورحمة وأخبر أن لمن صام ولم يفطر فضيلة. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الصوم في السفر فقال: نحن
---
ص 243 (34) البقرة 184.
(35) البقرة 184.
---(1/243)
[ 244 ]
نقول إن الصوم في السفر أفضل فقيل له فحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي روي عنه أنه قال: (ليس من البر الصوم في السفر)، فقال: يعني بذلك التطوع وليس بالفريضة. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: هذا الحديث إن كان قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنما أراد به ما قال: جدي رحمة الله عليه من صيام التطوع لا الفريضة، وكيف يقول ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في الفريضة وهو يسمع صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول الله سبحانه: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون).
(36) هذا ما لا يقول به عاقل فيه ولا يثبته ذو علم عليه.
باب القول في الرجل يدركه شهر رمضان فيصوم بعضه ثم يدركه سفر وفي كم يجوز له من المسافة الافطار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من صام شهر رمضان بعضه ثم أدركه من بعد ذلك سفر فسافر، فلا بأس بأن يفطر وعليه أن يصوم مادام مقيما في بلده، وله أن يفطر إذا دخل في سفره وليس ينظر في ذلك إلى دخول الصوم عليه في الحضر لان الله سبحانه إنما قال: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (37) وإذا دخل المسافرون في الاسفار فقد أحل الله لهم برحمته ما كان قبل حراما عليهم من الافطار، قال: والافطار فهو
---
ص 244 (36) البقرة 185.
(37) البقرة 185.
---(1/244)
[ 245 ]
والقصر معا وجوازهما عند ذوى الفهم سواء فإذا وجب القصر جاز الافطار وهو عندنا في أثني عشر ميلا وهو بريد. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يدركه شهر رمضان فيصوم ثم يسافر قال: يصوم ما أقام وحضر ويفطر إذا سافر وضعن، وإنما الافطار في السفر رخصة من الله عزوجل لعباده ويسر لان الله سبحانه يقول: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (38) حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يفطر الصائم فيما يقصر فيه الصلاة، وهو عندنا مسيرة بريد وهو أثنا عشر ميلا.
باب القول في الصائم يصبح جنبا في شهر رمضان
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بذلك لان الله تبارك وتعالى إنما كلف العباد الميسور منهم ولم يكلفهم المعسور من شأنهم، فإذا أصبح جنبا فاغتسل فلا شئ عليه، وقد روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه خرج في شهر رمضان ورأسه يقطر فصلى بالناس الصبح وكانت ليلة أم سلمة فأتيت فسئلت فقالت: نعم إنه كان لجماع من غير إحتلام فأتم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك اليوم ولم يقضه. حدثني أبي عن أبيه في الرجل يصبح جنبا أنه قال: لا بأس بذلك يجزيه صومه، فقد ذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
---
ص 245 (38) البقرة 185.
---(1/245)