[ 236 ]
جبرئيل أتاني فاستقبلني فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فلعنه الله قل آمين فقلت آمين، ثم قال: من لحق إماما عادلا فلم يغفر له فلعنه الله قل آمين فقلت آمين، ثم قال: من لحق والديه فلم يغفر له فلعنه الله قل آمين فقلت آمين) وبلغنا (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتكف العشر الاواخر وأحيا الليل وكان يغتسل ويشد المئزر، ويشمر حتى انسلخ الشهر). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: معنى شد المئزر فهو اعتزاله للنساء، ومعنى شمر فهو أقبل على طاعة ربه العلي الاعلى. وبلغنا عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه عن علي رضوان الله عليه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة يوم القيامة ينادى مناد أين الظامية أكبادهم وعزتي وجلالي لاروينهم اليوم). قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ويروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان إذا جاء شهر رمضان خطب الناس فقال: إن هذا الشهر المبارك الذي أفترض الله صيامه ولم يفترض قيامه قد أتاكم ألا إن الصوم ليس من الطعام والشراب وحدهما، ولكن من اللغو والكذب والباطل.
باب القول فيما ينبغي للصائم اعتزاله من الكلام وغيره
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للصائم وغير الصائم أن يعتزل ويتقي ويتجنب الكذب وشهادة الزور، وشهادات الزور فهي أكبر الكذب وهو الكذب الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه
---(1/236)


[ 237 ]
وعلى آله وسلم: (الكذب مجانب للايمان) فسر ذلك وميزه وفيهما وفي غيرهما من الكذب الذي يدفع به حق أو يثبت به باطل أو يضر به مسلم ما يقول الله سبحانه: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) (24) والكذب منازل بعضها دون بعض، وكله فينبغي للصائم أن يعتزله في صيامه ولغير الصائم أن يتجنبه ويتحرز منه المسلم في قعوده وقيامه، وينبغي للصائم أن يعتزل اللفظ بالفحش والنظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه وأن لا يسمع ما لا يجوز له سماعه من ضرب معزفة أو طنبور أو غير ذلك من الملاهي والمزامير التي هي حرام على الصائم وغيره من الانام وعليه أن لا يمشي إلى ما لا ينبغي له المشي إليه وألا يكثر جماعة لا يجوز له تكثيرها، وأن يتحفظ على نفسه في قيامه وقعوده ولا يهملها في شئ من أسبابه، وأن يتحفظ عند تمضمضه واستنشاقه ويحذر أن يدخل في فيه أو في خياشيمه شئ يصل إلى حلقه ويدخل في جوفه من ماء طهوره، وينبغي له أن يتحرز ويتيقظ في نهاره من النسيان، مخافة أن ينسى الصيام فيصيب ما لا يجوز له اصابته من الطعام والشراب.
باب القول فيما ينبغي للرجل أن يتقي من أهله في صيامه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ينبغي للصائم أن لا يضاجع امرأته في ثوب واحد مخافة أن تغلبه الشهوة فيوقعه الشيطان في الفتنة، وينبغي له أن لا يقبل لشهوة، ولا يلمس للذة، ولا ينظر لطربة، ولا يعابث عبثا يدعوه إلى حركة، بل ينبغي له أن يتقي ذلك كله (25)، ويحفظ صيامه، يتقي ربه ويكثر ذكره.
---
ص 237 (24) النحل 105.
(25) وفي نسخة ويحوط صيامه.
---(1/237)


[ 238 ]
باب القول فيما ينبغي (26) للصائم أن يفعله
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: استحب للصائم أن يقرأ في غدواته القرآن فانه أفضل عبادة الرحمن ويكثر في ساير نهاره التسبيح والاستغفار ويقرأ في عشيه (27)، ما أمكنه أيضا من القرآن، ويسبح الله ويكبره ويسأله قبول ما افترض عليه من صومه فإذا غابت الشمس أخذ سواكه فسوك فاه، ويحذر أن يدخل في فيه شئ من خلاف ريقه، وما جمعه السواك من ريقه بصقه، ثم يغسل فاه ويتحرز من الماء إن كان وقت الافطار لم يأت فإذا رأى النجوم قال: الله أكبر، الله أكبر الحمد لله الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وزينها بمصابيح زينة للناظرين، وجعلها علامة الليل عند العالمين، ومنتهى صوم من صام لله سبحانه من الصائمين، فإذا أراد أن يفطر قال: اللهم إنك أمرتنا بصيام النهار فصمناه، وأطلقت لنا إفطار الليل فأفطرناه فلك صمنا، وفرضك أدينا، ورضاك طلبنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل صومنا، واغفر ذنوبنا، وبلغنا صيام شهرنا كله، انك قريب مجيب، فإذا وضع في افطاره قال: بسم الله وبالله أفطرت على رزق الله، شاكرا له عليه حامدا له فيه، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم على ما رزقنا من حلال رزقه، وأطعمنا من طيبات ما أخرج لنا من أرضه، اللهم أجعلنا لك من الشاكرين ولك عليه من الحامدين، يا رب العالمين.
---
ص 238 (26) في نسخة (فيما يستحب).
(27) في نسخة ويقرأ في آخر عشية.
---(1/238)


[ 239 ]
باب القول في صيام يوم الشك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الذي رأينا عليه أشيا خنا، ومن سمعنا عنه من أسلافنا أنهم كانوا يصومون يوم الشك وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه عن علي أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه قال: لان أصوم يوما من شعبان أحب الي من أن أفطر يوما من رمضان. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وينبغي لمن صام يوم الشك أن ينوي إن كان هذا اليوم من شهر رمضان فصيامي من رمضان وإن كان من شعبان فهو تطوع، فإنه إذا فعل ذلك وكان ذلك اليوم من شهر رمضان فقد أدى صومه بما أعتقد من نيته وإن لم يكن من رمضان كتب له من تطوعه. قال: ولا ينبغي لاحد يفهم أن يفطره، لانه إن كان من شهر رمضان لم يستخلفه ولم يلحق يوما مثله (28) ويوم من شهر رمضان أهل أن يحتاط له ويطلب بكل سبب صومه، وإن كان يوما من شعبان لم يرزأه صيام يوم وكان له تطوعا وأجرا، فأما ما يزخرفه كثير من الناس في ترك صيامه فذلك ما لا يصح ولا يجوز القول به لبعده من الاحتياط والصواب، وقربه من التفريط في الصوم والارتياب، بل الصحيح في ذلك ما لا يشك فيه من أنصف من أن صوم يوم الشك والاحتياط فيه أفضل وأقرب إلى الله وأسلم. حدثني أبى عن أبيه أنه سئل عن صوم يوم الشك فقال حسن لا بأس بصومه وقد بلغنا عن علي عليه السلام أنه قال: لان أصوم يوما من شعبان أحب الي من أن أفطر يوما من رمضان.
---
ص 239 (28) في نسخة (ولم يلحق يوما مثله أبدا).
---(1/239)


[ 240 ]
باب القول في وقت الافطار
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وقت الافطار عندنا وعند كل من كان ذا احتياط في دينه ومعرفة بصحيح فعل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم تسليما فهو غشيان الليل للصائم وغشيانه له فهو أن يجن عليه وعلامة دخوله وحقيقة وقوعه أن ترى كوكبا من كواكب الليل التي لا ترى إلا فيه، كما قال الله سبحانه: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (29) فأما ما يرويه من قل تميزه وجهل وقت ليله من الرواية فلا يصدق بها ولو رويت عن بعض العلماء فكيف بالرسول المصطفى، وهي أنهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يفطروا قبل غشيان الليل لهم وهجومه عليهم فأفطر كثير من الناس بهذه الرواية، والشمس ساطع نورها في مغربها، لم يمت شعاعها، ولم يتغير لون مغربها، فأبطلوا بذلك صيام يومهم، ولبسوا الحق على أنفسهم، وخلطوا على المسلمين برواياتهم. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن وقت الافطار فقال: وقته أن يغشى الليل ويذهب النهار وبيدو نجم في أفق من آفاق السماء لان الله سبحانه يقول: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (30)
باب القول في صوم يوم عاشوراء وصيام الدهر والايام البيضة وصوم يوم عرفة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا بأس بصيام يوم عاشوراء وصيامه حسن، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله
---
ص 240 (29) الانعام 76.
(30) الانعام 76.
---(1/240)

42 / 198
ع
En
A+
A-