[ 41 ]
فزلت به قدم الا ثبتته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة " وفيهم يقول: ب " النجوم أمان لاهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لاهل الارض، فإذا ذهب أهل بيتي من الارض، أتى أهل الارض ما يوعدون ". قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أولئك الصالحون من آله صلى الله عليه وعليهم أجمعين وما جاء لهم من الذكر الجميل، في كتاب الله ذي الجلال والاكرام، وما قاله فيهم الرسول عليه السلام، مما يطول به الكتاب، وتتصل به الاقاويل في كل الاسباب، مما يجزي قليله عن كثيره، ويكتفي إهل الايمان عن كثيره بيسيره. فإذا أقام معرفة ولايتهما، وقال بتفضيلهما وإمامتهما، وجب عليه أن يعرف أولي الامر من ذريتهما، الذين أمر الخلق بطاعتهم، فيعلم أن الامر والنهي والحكمة والامامة من بعدهما في ذريتهما دون غيرهما، لا تجوز إلا فيهم ولا ترد إلا إليهم وأن الامام من بعدهما من ذريتهما من سار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذا بحذوهما فكان ورعا تقيا، صحيحا نقيا، وفي أمر الله سبحانه جاهدا، وفي حطام الدنيا زاهدا، وكان فهما بما يحتاج إليه، عالما بتفسير ما يرد عليه، شجاعا كميا، بذولا سخيا، رؤوفا بالرعية رحيما، متعطفا متحننا حليما، مواسيا لهم بنفسه، مشركالهم في أمره، غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم، قائما شاهر السيفه، داعيا إلى ربه، رافعا لرايته، مجتهدا في دعوته، مفرقا للدعاة في البلاد، غير مقصر في تألف العباد، مخيفا للظالمين، ومؤمنا للمؤمنين، لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه، بل يطلبهم ويطلبونه، قد باينهم وباينوه، وناصبهم وناصبوه، فهم له خائفون، وعلى إهلاكه جاهدون، يبغيهم الغوائل، ويدعو إلى جهادهم القبائل،
---(1/41)
[ 42 ]
متشردا عنهم، خائفا منهم، لا يردعه عن أمر الله رادع، ولا تهوله الاخواف، ولا يمنعه عن الجهاد عليهم كثرة الارجاف، شمري مشمر، مجتهد غير مقصر فمن كان كذلك من ذرية السبطين الحسن والحسين، فهو الامام المفترضة طاعته، الواجبة على الامة نصرته، ومن قصر عن ذلك ولم ينصب نفسه لله، ويشهر سيفه له، ويباين الظالمين ويباينوه، ويبين أمره، ويرفع رايته، ليكمل الحجة لربه على جميع بريته، بما يظهر لهم من حسن سيرته، وظاهر ما يبدو لهم من سريرته، فتجب طاعته على الامة والمهاجرة إليه والمصابرة معه ولديه، فمن فعل ذلك من الامة معه من بعد أن قد أبان لهم صاحبهم نفسه، وقصد ربه وشهر سيفه، وكشف بالمباينة للظالمين رأسه، فقد أدى إلى الله فرضه، ومن قصر في ذلك كانت الحجة عليه لله قائمة ساطعة منيرة بينه قاطعة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة أن الله لسميع عليم) (30) مثل من قام من ذريتهما من الائمة الطاهرين الصابرين لله المحتسبين. مثل زيد بن علي رضي الله عنه إمام المتقين، والقائم بحجة رب العالمين. ومثل يحيى ابنه المحتذي بفعله، ومثل محمد بن عبد الله، وابراهيم أخيه المجتهدين لله، المصممين في أمر الله، الذين لم تأخذهما في الله لومة لائم، الذين مضيا قدما قدما، صابرين محتسبين، وقد مثل بابائهما وعمومتها أقبح المثل، وقتلوا أفحش القتل، فما ردعهما ذلك عن إقامة أمر خالقهما والاجتهاد في رضا ربهما فصلوات الله على أرواح تلك المشايخ وبركاته، فلقد صبروا الله واحتسبوا وما وهنوا ولا
---
ص 42 (30) الانفال 42. في نسخة المطهرين.
---(1/42)
[ 43 ]
جزعوا بل كانوا كما قال الله وذكر عمن مضى من آبائهم حين يقول: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) (31). ومثل الحسين بن علي الفخي، الشهيد المحرم المجرد لله سبحانه، المصمم الباذل نفسه لله في عصابة قليلة من المؤمنين، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويضربون ويضربون، حتى لقوا الله على ذلك وقد رضي عنهم، وقبل فعلهم منهم، فرحمة الله وبركاته عليهم. ويحيي بن عبد الله ابن الحسن القائم لله، المحتسب الصابر لله على الشدة والغضب، ومحمد بن ابراهيم بن اسمعيل القائم بحجة الله الجليل الداعي إلى الحق، والناهي عن الفسق، المتفرد لله، الصابر له في كل أمره، الحاكم في كل الامور بحقه. ومثل القسم بن ابراهيم الفاضل العالم الكريم، المجرد لسيفه، المصمم الباذل لنفسه، المباين للظالمين، الداعي إلى الحق المبين صلوات الله عليهم أجمعين ورحمته وبركاته، فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين، فهو إمام لجميع المسلمين لا يسعهم عصيانه، ولا يحل لهم خذلانه، بل يجب عليهم طاعته وموالاته، ويعذب الله من خذله، ويثيب من نصره، ويتولى من تولاه، ويعادي من عاداه. فأما من عبث بنفسه وتمنى، وإقام في أهله وولده وتلهى، وساير الظالمين وداجاهم، وقضوا حوائجه، وقضى حوائجهم، وعاشروهم، وعاشرهم، وأمنوه وأمنهم، وكفوا عنه وكف عنهم، وغمد سيفه وطوى رايته، وستر منهم نفسه، وموه على الجهال، وأهل الغفلة من الظلال،
---
ص 43 (31) آل عمران 146.
---(1/43)
[ 44 ]
وادعى الامامة، ووهمهم أنه يريد القيام، وهو عند الله من القاعدين النيام، ذوي الفترة والوناء، طلاب الراحة والرخاء، وهو يظهر للرعية ويعرض لهم، ويدخل قلوبهم أنه قائم غير قائد، وأنه مباين للظالمين مجاهد، يوهمهم ذلك ويعرض لهم أنه كذلك، ليحتلب من درهم حلبا وخيما دويا، ويأكل بذلك من أموالهم حراما دنيا، قد لبس عليهم أمورهم بتمويهه عليهم، وقعدلهم بطريق رشدهم، يصدهم بتمويهه عن ربهم، ويمنعهم بتلبيسه عليهم من أداء فرضهم، والقيام بما يجب لخالقهم فهو دائب في التحيل لاكل إموالهم بما يلبس عليهم من إحوالهم، وتمويهه لجاهلهم (32) أنه قائم غير قائد، وأنه أحد يوميه ناهض على الظالمين مجاهد، والله يعلم من سرائره وباطن أمره غير ما يوهم الجاهلين، ويكتبه بذلك عنده أنه من الصادين عن سبيله، الذين يبغونها عوجا، فهو يهلك نفسه عند ربه بفعله وفعل غيره، ويفرق عن الحق والمحقين الانام، ويجمع بذلك عليه الآثام، ويمكن بذلك دعوة الظالمين، ويقيم عمد ملك الفاسقين ويوهن دعوة الحق والمحقين بما يموه به على الجاهلين للترؤس عليهم، ولاكل أوساخ أيديهم، يأكل سحتا تافها حراما، ويجترم العظائم بالصد عن الله العظيم إجتراما، يفرق كلمة المؤمنين ويشتت رأي المسلمين، ولا يألوا الحق خبالا، يتأول في ذلك التأويلات ويتقحم على الله فيه بالقحمات ضميره إذا رجع إلى نفسه، وناقشها في كل فعله، وأوقفها على على خفي سره، مخالف لظاهره وفعاله في باطنه فغير ما يبديه الناس في ظاهره، يخادع الله والذين آمنوا وما يخادع إلا نفسه، كما قال الله تعالى، (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا
---
ص 44 (32) في نسخة لجهالهم.
---(1/44)
[ 45 ]
ولهم عذاب أليم) (33) كأن لم يسمع الله عزوجل يقول: (وأسروا قولكم أو جهروا به إنه عليم بذات الصدور) (34) فهو يمكر بالله وبالمؤمنين، والله يمكر به وهو خير الماكرين. فهو في بلية من نفسه، من تحيله لديناره ودرهمه، والاستدامة لما هو فيه من تافه نعمته، يلبس الحرير والديباج والقز، ويلتحف ويفترش السمور والفتك والخز، لا يرتمض في أمور الله، ولا يصلح شأن عباد الله، فأين من كان كذلك، فقط من الامامة. كلا لعمره أنه عنها لبعيد مجنب، ومنها غير دان ولا مقرب، وان لعب بنفسه، وخدع من كان من شكله بزخرف قوله وكذبه واجترائه على الله: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (35) فلعمري إن من كان كذلك فقط لبعيد عما يدعي وينتحل مما لم يجعله الله له أهلا، ولم يشرع له إليه سبيلا، فكيف لو ذكرنا بعض ما يذكر عن بعض من يدعي ذلك، من الغلو والمهالك، مما ينقله عنهم أشياعهم، ويذكره من قولهم في أنفسهم اتباعهم، مما نرجوا أن يكونوا عليهم فيه كاذبين وبغير الحق فيهم قائلين من ادعاء صفات الجبار، والمشاركة له في علم خفيات الاسرار، والاطلاع على ما أجنت بطون البحار، والقدرة على صرف ما يشاء صرفه وأثبات ما يشاء اثباته، ومن إباحه الفروج، وإظهار الفواحش والهروج وتناول الشهوات، وإرتكاب اللذات، من معاصي الرحمن وما تنهى عنه آيات القرآن، وترك الصلوات وغلول الزكوات، ورفض صيام شهر رمضان، وتعطيل كلما نطق به الفرقان، وترك الاغتسال من
---
ص 45 (33 البقرة 9 - 10.
(34) الملك 13.
(35) الفرقان 68 - 69.
---(1/45)