[ 199 ]
من انسان أرضا باجرة معلومة فزرع فيها زرعا، فعليه أن يؤدي إلى صاحب الارض خراجها، وكراءها الذي شارطه عليه، وأن يخرج ما لله فيما أنبتت وأخرجت من الثمر يوم حصاده، من عشره أو نصف عشره، وذلك فعلى قدر شرب أرضه. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن أرض فتحت عنوة ووضع عليها الخراج هل يؤدى عنها العشر مع الخراج أم لا؟ فقال: يؤدي العشر لانه ليس من قبالتها ولا أجرتها في شئ، الاجرة في وقبالة الارض في، والعشر زكاة وصدقة في مال المسلم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: واجب على الامام أن يأخذ منهم كرا أرض الله وهو هذا الذي يسمونه الخراج الذي وضع على أرض الفتوح لانه كراء وإن كان يسمى خراجا، فيضعه في أموال الله التي جعلها فيا، تجري على صغير المسلمين وكبيرهم، هاشميهم وعربيهم، وفارسيهم وأعجميهم، وأن يأخذ منهم ما افترض الله عليهم من الزكاة فيما يخرج من هذه الارض إذا بلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق، أخذ مما سقى سيحا أو فيحا بعين أو سيح أو ماء السماء، أو كان بعلا مستبعلا لا يحتاج إلى المعاهدة بالماء العشر كاملا، ومما سقي بالسواني والدوالي والزرانيق والخطارات نصف العشر، فيصرف ما أخذ من ذلك عشرا كان أو نصف عشر إلى من سمى الله من أهل الصدقات، لان ما يؤخذ من هذه الارض مختلف في الحكم، وإن كانت واحدة، فما أخذ من كرائها الذي هو خراجها فحاله في للمسلمين كحالها، وحكمه في التصريف والمعنى كحكمها، وحكم ما أخذ من زكاة المسلمين مما أخرج الله له فيها من الثمرة كحكم غيره من أنواع الصدقة، يصرف إلى من سمى الله من الثمانية الاصناف في قوله سبحانه: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
---(1/199)


[ 200 ]
والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل) (49) فإن رأى الامام أن صرف ذلك كله في وجه واحد أصلح للمسلمين صرفه، وكان جايزا له، والامر فيه إليه والنظر للمسلمين واجب عليه.
باب القول في تفسير من يأخذ من الصدقة ومن لا يأخذ منها وكم يأخذ منها المحتاج إليها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يأخذ من الصدقة من كان في ملكه ما يجب فيه الصدقة من أي الاصناف كان، طعاما أو نقدا أو ماشية أو عرضا، إذا كان مستغنيا عن ذلك العرض ويأخذ من الصدقة من كانت له غلة لا يجب عليه فيها الصدقة وذلك أن يكون أقلا من الخمسة الاوسق فله أن يأخذ من الزكوة فإن جائت غلته بخمسة أوسق وكان يخشى أتفنى غلته، أو كان يوقن أنها لا تكفيه وعياله سنتهم، فلا يأخذ من الزكاة شيئا وإن خشي على نفسه وعياله الحاجة، لان عنده وفي ملكه ما تجب فيه الزكاة، ولا يجب له بتخوفه ولا يقينه شئ من أموال المسلمين، لان مع اليوم غدا، ولعل الله أن يبطل خوفه، ويوسع غدا ما ضاق اليوم من رزقه، فإنه سبحانه يقول: " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) (50) ويقول سبحانه: (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) (51) ومع هذا الرجل اليوم من غلته ما يكفيه طرفا من مدته، وغيره من فقراء المسلمين ممن لا شئ معه، أحوج إلى هذا الذي يطلب هذا أخذه من الصدقة.
---
ص 200 (49) التوبة 60.
(50) ألم نشرح 5 - 6.
(51) هود 6.
---(1/200)


[ 201 ]
باب القول كم يأخذ المحتاج من الصدقة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يجوز لفقير ولا محتاج أن يأخذ من الصدقة ما يجب في مثله الصدقة، ولكن يأخذ ما دون ذلك بيسير أو كثير على قدر حاجته وكثرة عياله إن كان فردا برأسه أخذ خمسين درهما أو قيمتها من سائر الاشياء، وإن كان ذا عيال فأخذ نقدا ذهبا أخذ تسعة عشر مثقالا، وإن أخذ فضة أخذ مائتي درهم إلا خمسة دراهم، وإن أخذ كيلا أخذ خمسة أوسق إلا ثلث وسق، وإن أخذ إبلا أخذ منها أربعا، وإن أخذ بقرا أخذ منها تسعا وعشرين بقرة، وإن أخذ غنما أخذ تسعا وثلاثين شاة وإن أخذ شيئا من ثمر عضاة الارض من رمانها أو تفاحها أو غير ذلك من ثمارها أخذ ما يساوي مائتي درهم إلا خمسة دراهم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: إذا لم يكن امام عادل ممن يستأهل أن تدفع إليه الزكوات فرقها أهلها الذي يجب عليهم وفي أموالهم على من ذكر الله. وسمى إخوانهم، ويبدأ صاحب الصدقة بمن لا يجب عليه نفقته من أقاربه ومواليه وجيرانه، ثم يعم من أمكنه وبلغته صدقته من المسلمين ممن يستحقها، من أهل الورع من المسلمين، ومن كان من أقاربه مخالفا في الدين فالاباعد من المؤمنين أحق بها منه.
باب القول فيمن أكتسب مالا وعنده قبله مال يجب فيه الزكاة والقول في زكاة المال الضال والمال المسروق، والمال المغلوب عليه صاحبه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان عنده خمسة وعشرون مثقالا، فأقامت عنده أقل من حول ثم أكتسب إليها مالا فإنه يزكي الاخر مع الاول إذا تم للاول حول، وكذلك لو أشترى به عبدا
---(1/201)


[ 202 ]
أو فرسا أو متاعا للتجارة ينتظر به الربح، ثم أفاد مالا آخر فاشترى به فرسا، آخر فإنه يزكي عن ذلك كله على قدر قيمته يوم حال على الاول الحول، ولا ينظر إلى قرب مكتسب المال الاخر، فإن الزكاة تجب في المال المكتسب حديثا إذا ملكه ذومال محيل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وأما من ضاع منه مال أو ضل فأقام سنين ثم وجده بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يزكي عنه لما مضى من تلك السنين التي كان فيها ضالا عنه، وتفسير ذلك: رجل سقطت منه خمسة وعشرون دينارا فلم يجدها إلا بعد سنتين، فإنه إذا وجدها أخرج منها ما يجب فيها في كل سنة، يخرج على الاولى ربع عشر خمسة وعشرين وهي أثنا عشر قيراطا ونصف بالقراريط العراقية، حساب الدينار عشرون قيراطا، ويخرج عليه للسنة الثانية أثني عشر قيراطا ونصف حبة وربع ربع الحبة، وكذلك المال المسروق إذا رد، أخرج منه زكاة ما أقام مسروقا من السنين وكذلك كل ما غلب عليه مسلم في دار الاسلام، لانه وإن كان في يد الغالب عليه لصاحبه المغلوب عليه غير خارج من ملكه يحكم له بأخذه إمام المسلمين وينتزعه له من يد غالبه عليه بحكم رب العالمين.
باب القول فيما غلب عليه المشركون من أموال المسلمين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لو غلب المشركون على مال لبعض المسلمين، من ماشية أو غيرها، فأقام في أيديهم سنة أو سنتين، ثم غلب عليه المسلمون بعد ذلك فصاحبه أولى به، ما لم تجر فيه المقاسمة بين المسلمين، فإذا أخذه فلا زكاة عليه فيه لانه
---(1/202)


[ 203 ]
لم يكن له في عداد مال حين غلب عليه المشركون، وكان في أيديهم، وإنما قلنا إنه لا يعتد به، وإنه ليس كغيره من أمواله من أنها لو جرت فيه المقاسم من قبل أن يدعيه صاحبه أو يتعرفه مالكه، لم يجب له أخذه ممن وقع في قسمه إلا أن يخرج قيمته، فيكون أولى به من بعد إخراج ثمنه فهذا الفرق بين ما غلب عليه المشركون وحازوه عن المسلمين ثم رجع إلى صاحبه في غنايم المسلمين من المشركين، وبين ما يغلب عليه في أرض الاسلام أهل الطغيان والعدوان، مما يحكم برده عليهم أهل الايمان.
باب القول في الرجل يكون له غلة وعليه دين أو يكون معه مال يجب في مثله الزكاة وعليه مثله دينا
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من كان عليه وسقان من طعام وخرج له من أرضه خمسة أوسق طعاما فإنه يزكي الخمسة الأوسق ولا يحتسب في غلته بما يجب عليه من دينه، لانه لو أخرج من ذلك ما عليه لم يبق له من غلته ما تجب فيه الزكاة ولكن الزكاة، ثم الدين من بعد ما يجب لله في أرضه، وكذلك إن كانت غلته عشرة أوسق وعليه عشرة أوسق أخرج الزكاة من جميع ذلك ثم قضى الدين، وكذلك من كان عليه عشرون دينارا، وفي ملكه عشرون دينارا، فعليه أن يزكي ما يملكه، وإن كان عليه مثلها دينا ولا يلتفت إلى قول من قال بغير ذلك من المرخصين لانه لا يخلوا من أن تكون هذه الدنانير له ملكا يملكها وإن كان عليه من الدين مثلها، أو لا تكون له ولا في ملكه، بما زعموا عليه من دينه، فإن كانت له وفي ملكه جاز له أن يتصدق منها وينكح فيها ويأكل ويشرب، فإذا جاز له ذلك منها وجب عليه الزكاة فيها، وإن كان لا يجوز له أن ينكح
---(1/203)

35 / 198
ع
En
A+
A-