[ 194 ]
من الكتاب محكمة، وهي قول الله تبارك وتعالى: (خذ من أموالهم صدقة) (36) وكما أوجدناك عن الرسول صلى الله عليه وآله في قبض ذلك وأخذه من أقرب الناس به العباس عنه، وقد نروي وتروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله تعجل من العباس زكاة ماله قبل وقت وجوب الزكاة عليه، وكما أوجدناك في حجة العقول في أول كلامنا من أنها لا تخلو من أن تكون أموالا أو غير أموال، فان كانت أموالا ففيها ما في الاموال، والامام أولى بقبضها كما أمر بأخذها وان لم تكن أموالا لم يكن للامام أن يأخذ منها زكاة، ولا يجب على أربابها أن يدفعوا إلى أحد منها صدقة، سرا ولا علانية، فلا يجدون إن شاء الله إلى دفع ذلك سبيلا، ولا يقدر منصف أن يكرر في ذلك قالا ولا قيلا.
باب القول في من تجب الصدقات (37) له ومن تحرم عليه، وتسمية أصنافهم بما سماهم الله سبحانه
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجب الصدقات لمن سمى الله تبارك وتعالى من عباده وذلك قوله سبحانه: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (38) فهي بين ثمانية أصناف، كلما استغني صنف منهم رجعت حصته على أحوج من فيهم، فإن رأى إمام المسلمين أن يصرف ذلك كله في صنف واحد ممن سمى الله عزوجل، صرفه، من غير إجحاف، ولا إجاحة لاحد ممن سمى الله تعالى من هذه الجماعة. فأما الفقراء
---
ص 194 (36) التوبة 103.
(37) في نسخة في من تجب الزكاة له.
(38) التوبة 60.
---(1/194)


[ 195 ]
فهم الذين لا يملكون إلا المنزل والخادم وثياب الابدان فهؤلاء هم الفقراء. والمساكين الذين نحب لهم أن يأخذوا من الصدقة فهم أهل الحاجة والفاقة والاضطرار إلى أخذها. والعاملون عليها فهم الجباة لها، المستوفون لكيلها من أيدي أربابها و أخذها. والمؤلفة قلوبهم فهم أهل الدنيا المائلون إليها الذين لا يتبعون المحقين إلا عليها ولا غنى بالمسلمين عنهم ولا عن تألفهم إما ليتقوى بهم على عدوهم وإما تخذيلا لهم، وصدا عن معاونة أضدادهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله. ويجب على الامام أن يتألفهم لذلك وعليه، وينيلهم بعض ما يرغبون فيه. وأما الرقاب فهم المكاتبون الذين يكاتبون مواليهم على شئ معلوم، فيجب على الامام أن يعينهم في ذلك بقدر ما يرى على قدر ضعف حيلتهم وقوتها. وأما الغارمون فهم الذين قد لزمتهم الديون من غير سرف ولا سفه ولا إنفاق في معصيته، فيجب على الامام أن يقضي عنهم ما عليهم من ديونهم، ويعطيهم من بعد ذلك ما يقيمهم ويحييهم ويقوتهم ويكفيهم. وأما السبيل فهو أن يصرف جزء السبيل في التقوية للمجاهدين والاستعداد بالقوة للظالمين، مما يتقوى به من الخيل والسلاح والآلات عليهم، وذلك ما أمر الله سبحانه فيهم فقال: (وأعدوا لهم ما استطعتمم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (39). وأما ابن السبيل فهو مار الطريق، المسافر الضعيف، (40) فيعان بما يقويه ويكفيه من قليل أو كثير، يدفع إليه الامام مما له في يده ما يقوم به
---
ص 195 (39) الانفال 60 (40) في نسخة فيعاونه.
---(1/195)


[ 196 ]
في كراءه ونفقته، وما يكون إن كان عاريا في كسوته، حتى ينتهي ويصل إلى بلده، وأما الذين لا حق لهم في الصدقات فهم آل رسول الله صلى الله عليه وآله الذين حجبهم الله عن أخذها، وطهرهم عن أكلها، ونزههم عن أوساخ فضلات أيدي المسلمين، وعوضهم من ذلك خمس غنائم المشركين، من الاموال والارضين، وكلما أجلب به أهل البغي على المحقين. وذلك قول الله سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (41) فهذا لهم بدل مما ذكرنا من الصدقات التي لا تجوز لهم. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولو أن رجلا من آل رسول الله صلى الله عليه وآله ارتفق وأكل واستنفق من الصدقات وهو بتحريمها عليه جاهل، وجب عليه قضاء ذلك ورده وجعله حيث جعله الله من أهله، وإن كان فعله واجترأ عليه وهو عالم بتحريم الله له عليه وجب عليه رده وإخلاص التوبة من ذلك إلى ربه، وإن كان الآخذ منهم محتاجا مضطرا إليه لا يجد غيره أكل منه واستنفق، إذا خاف التلف على نفسه حتى يجد عنه متعدا، ثم يجب عليه من بعد ذلك القضاء لما أخذ من ذلك طرا، وإن وجد من الزكاة شيئا ووجد ميتة فليس له أن يأكل من الصدقات شيئا على طريق الاستحلال ورفض الاضمار لقضاء ما يأكل منها، وهو يجد عند الضرورة (42) شيئا من الميتة، إلا أن يخاف من أكل الميتة على نفسه تلفا، أو غير ذلك من الامراض، وحوادث الآفات والاعراض، فيتركها إن خاف ذلك على نفسه، لان الله سبحانه يقول في
---
ص 196 (41) الانفال 41.
(42) في نسخة وهو يجد عنده ضرورته.
---(1/196)


[ 197 ]
كتابه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (43) ويقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (44) ويقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (45) وإن لم يخف من ذلك شيئا على نفسه لم يجز له أكل الصدقة عند حال الضرورة إلا على طريق الاستسلاف لها وإضمار قضاء ما أكل منها، فأما على طريق الاستحلال لها بما هو فيه من الضرورة فلا، إلا على ما ذكرنا وبه من القضاء، قلنا لان الله سبحانه أطلق له عند الضرورة أن يأكل من الميتة ما يلزم نفسه ويقيم روحه، ولم يطلق في كتابه تبارك وتعالى لآل رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا، مما حرم عليهم من الصدقة، فلذلك قلنا إنه لا يجوز لمن كان من آل رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأكل عند الضرورة من الصدقة شيئا، إلا على وجه الاستسلاف لها، والاضمار لقضاء ما يأكل منها، ولو أن رجلا من غيرهم ممن له يسار ومال، أضطر في حال من الحال إلى الصدقة فأكل منها لم يكن عليه قضاء لها، لانه في تلك الحال ممن ذكر الله سبحانه من المساكين، وابن السبيل، وإنما أوجبنا على آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضاء ذلك لانه لغيرهم لا لهم، وليس حالهم فيه كحال غيرهم، بل حالهم فيها حال من أخذ ما ليس له، فعليه أن يرده إلى أربابه ويسلمه إلى أهله. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل في الصدقة لبني هاشم؟ فقال: لا تحل الصدقة لهم، لما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
---
ص 197 (43) البقرة 185.
(44) النساء 29.
(45) البقرة 193.
---(1/197)


[ 198 ]
من الخمس الذي جعله فيهم، ولما جاء في ذلك من التشديد عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على نفسه وعليهم.
باب القول في الزكاة تخرج من بلد إلى بلد وفي أرض الخراج وما يجب (46) عليها
قال يحيى بن الحسين عليه السلام: لا ينبغي أن يخرج زكاة قوم من بلدهم إلى بلد غيرهم وفيهم من يحتاج إليها، إلا أن يرى الامام أن غيرهم من أهل الاسلام أحوج إليها فليفعل برأيه، لانه الناظر في أمور المسلمين، والمستأمن على عباد الله المؤمنين. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الزكاة هل تخرج من بلد إلى بلد؟ فقال: أمر الزكاة إلى الائمة وإنما يفرقها الامام على قدر ما يرى من القسمة، وما يلم بالمسلمين من نائبة (47) قال يحيى بن الحسين رحمة الله عليه ورضوانه: كل من كان في يده شئ من أرض الفتوح التي قد وضع عليها الخراج لزمه إخراج كراء الارض وهو الخراج ولزمه فيها أيضا ما ألزمه الله فيما أخرج له من نباتها من عشرها أو نصف عشرها الذي تكمل له بأدائه التطهرة، والزكاة فهي خلاف الخراج والخراج خلاف الزكاة لان الارض ليست له وإنما هي لله ولرسوله وللمسلمين (48) وإنما استأجرها بما عليها من الخراج منهم استيجارا وليس كراء رقبة الارض مما أزال ما أوجب الله على المسلم من الزكاة فيما أنبتت له فيها، بل عليه أداء ذلك يوم حصاده كما أمر الله سبحانه، وإنما مثل أرض الخراج في يد الزراع لها مثل إنسان استأجر
---
ص 198 (46) في نسخة فيها.
(47) في نسخة وما يلم بالاسلام.
(48) في نسخة ولرسوله والمؤمنين.
---(1/198)

34 / 198
ع
En
A+
A-