[ 174 ]
منه صدقته ولا ينظر إلى إفتراق رعاته إذ قد جمعه ملك مالكه. وتفسير المفترق الذي لا يجمع أن يكون على راع واحد مائتا شاة لستة أناسي لواحد منهم تسع وثلاثون ولواحد ثمان وثلاثون ولآخر سبع وثلاثون ولآخر ست وثلاثون ولآخر خمس وثلاثون ولآخر خمس عشرة فلذلك مائتا شاة قد فرق الملك بينها فلا يجب للمصدق أن يأخذ صدقة منها لانه لا يحب له شئ فيها إذ لا يملك واحد منهم أربعين شاة وبذلك حكم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وينبغي للمصدق أن لا ينزل على أحد ممن يصدقه ولا يقبل له هدية مخافة التهمة فإن قبل شيئا من ذلك فهو لبيت مال المسلمين لا يحل له منه شئ إلا أن يطلقه له إمام المسلمين فإن أطلق له ذلك أو بعضه جاز له ما أطلق له منه وحرم عليه ما لم يطلق عليه، وكذلك كل من قبل هدية من عمال الامام على شئ من جبايات المسلمين لانهم إنما يهدون له لمكانه من الولاية، والولاية فإنما هي أمانة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وللامام في رقبته، فكلما جرته إليه الولاية من المنافع فلا يجوز له ولا يحل، لانهم لم يعطوه ما أعطوه إلا بسبب الولاية فلذلك قلنا إن كل منفعة جرتها الولاية فهي من أموال الله ولا يجوز ولا يحل للمولى إلا بتجويز ولى أموال الله الناظر في أمور الله والمصلح له في أرضه، ولا يجوز للامام ولا ينبغي أن يجوز ذلك لعامل ولا لغيره إلا على طريق النظر للمسلمين وإبتغاء الاصلاح في أرض رب العالمين ولعمال الجبايات أن يأكلوا من أموال الله التي في أيديهم ويشربوا ويلبسوا ويركبوا ويختدموا ويسكنوا بالمعروف من بعد أذن الامام لهم فيه. وينبغي للمصدق إذا ورد الماء الذي ترده المواشي أن يقسم غنم كل رجل قسمين ثم يخيره في القسمين ثم يأخذ الصدقة من القسم الذي
---(1/174)


[ 175 ]
ترك صاحب الغنم ثم يخلي باقيها إلى صاحبها، وكذلك يفعل في البقر والابل. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن صدقة الغنم؟ فقال: ليس فيما دون الاربعين من الغنم صدقة فإذا بلغت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة ففيها شاتان، ثم ليس فيها شئ حتى تكون مائتي فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة فإن كثرت الغنم ففي كل مائة شاة شاة لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار ولا خيارها ولا شرارها يؤخذ الوسط منها.
باب القول في الاوقاص وما عفى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه من ذلك وتفسير ما يعد من الماشية المصدق فيها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الاوقاض التي عفا عنها رسول الله صلى الله عليه وآله هي ما بين الاسنان من الابل والبقر والغنم والعدد الذي جعله بين السنين مثل ما عفا عنه بين ما يجب فيه أبنة المخاض وبين ما يجب فيه إبنة اللبون وذلك عشر من الابل فعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه العشر وذلك أن في خمس وعشرين أبنة مخاض، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ خمسا وثلاثين، ثم فيها إن زادت على الخمس وثلاثين أبنة لبون فلم يجعل صلى الله عليه وآله وسلم فيما بين هذين السنين ولا بين هذين العددين زكاة، وكذلك فيها كلها، وكذلك أوقاص البقر ما بين الثلاثين والاربعين وهو ما بين الحولي والمسنة فلم يجعل بعد الحولي الذي يجب في ثلاثين شيئا حتى تفي
---(1/175)


[ 176 ]
أربعين فيرتفع التسنين إلى المسنة، وكذلك أوقاص الغنم فلم يجعل فيما دون الاربعين شاة شيئا ثم جعل في الاربعين شاة شاة، ثم جعل ما زاد على الاربعين أوقاصا لا زكاة فيه إلى مائة وعشرين، فإن زادت شاة وجب فيها شاتان إلى مائتن، فهذه التي ما بين التوظيفات والزيادات والاسنان فهي الاوقاص التي عفى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يعد المصدق من الماشية ويحتسب به في العدد ما سرح في المرتع وتقرم، وأكل من صغار الماشية كلها أبلها وبقرها وغنمها. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: يعد المصدق من الماشية صغارها وكبارها ويؤخذ من الصغار على قدر ذلك ولا يؤخذ شرارها ولا خيارها.
باب القول في تسمية ما عفى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وشرح معنى عفوه عنه ومتى يقع عليه العفو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: عفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الابل العوامل تكون في المصر، تعلف ويحمل عليها، وإن بلغت خمسا، وعفي عن أربعين شاة تكون في المصر تعلف وتحلب ولا ترع، فإذا رعيت خارج المصر وآبت وجب عليها الزكاة. وكذلك البقر إن لم ترع وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدور والخدم والكسوة والخيل. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: وإنما عفى عن ذلك صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يكن صاحبه أتخذه للتجارة ولا اشتراه لطلب ربح، فأما إن كان أشترى شيئا من ذلك كله أو من غيره، من بسط أو
---(1/176)


[ 177 ]
كيزان صفر أو جرار أو رصاص أو حديد أو أهب أو آجر أو صخر أو خشب أو غير ذلك من الاشياء كلها بعد أن يشتريه صاحبه لطلب الربح ويستغل فيه المال للتجارة، فعلى من أراد به ذلك الزكاة يزكيه على قدر ثمنه إذا كان ثمنه مما يجب في مثله الزكاة فأما الدر والياقوت ففيه إذا خرج من معدنه الخمس.
باب القول في تسمية الارضين
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الارضون تجري على أرض أفتتحها المسلمون عنوة فقسموها بينهم فصارت ميراثا يجب فيها الاعشار وهي أرض خيبر إفتتحها رسول الله صلى الله عليه وآله فقسم بعضها فجرى مجرى الميراث، ووجب على أصحابه فيه العشر، وعامل على بعضها بالنصف، فتركها في أيدي الذين كانت لهم أولا، يعملونها ويؤدون نصف ما يخرج منها، فما أخذ مما كان كذلك فهو في بين جميع المسلمين يرد إلى بيت مالهم وأرض أفتتحها المسلمون وهي أرض خراج كائنة مع من كانت مثل سواد الكوفة وغير ذلك من البلاد من مصر والشام وخراسان وغير ذلك من البلاد فكلما أخذ من هذا فهو في يرد إلى بيت مال المسلمين. وأرض صالح عليها أهلها وهم في منعة فلا يؤخذ منهم إلا ما صولحوا عليه، مثل أهل نجران وغيرهم من البلاد فهذه أيضا لبيت مال المسلمين. وأرض أجلى عنها أهلها وخلوها من قبل أن يوجف عليهم بخيل أو ركاب أو يقاتلوا مثل فدك فما كان من الارضين على هذا فإمام المسلمين أولى بها يصرفها حيث شاء ورأى. وجميع ما سمينا من هذه الاموال تحل لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم فيها المقدمون على غيرهم لان غيرهم ينال من الاعشار وهم لا ينالون، ويجوز لامام المسلمين أن يصيب معهم من هذه الاموال
---(1/177)


[ 178 ]
فيأكل ويشرب ويركب وينكح بالمعروف ويرزق نفسه فيها كما يرتزق المسلمون. وأرض أسلم عليها أهلها فهي أرض عشر مثل أرض اليمن والحجاز، على أهلها فيها إذا بلغت ثمرتها خمسة أوسق الزكاة، فما أخذ منها فهو صدقات تخرج حيث سمى الله من قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (5) وأرض أحياها رجل مسلم فهي له ولورثته من بعده ويؤخذ منه فيها العشر وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من أحيا أرضا فهي له). قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يريد بقوله: هي له الارض التي لم يملكها أحد قبله ولم يزرعها أحد سواه وليس لاحد فيها أثر ولا دعوى. قال: ومن تحجر محجرا فضرب عليه أعلاما يستحقه بها ويعرفه ثم لم يعمره ولم (6) يعانه ثلاث سنين فقد جاءت في هذا أقاويل بأنه إن أعطلها ثلاث سنين وأحياها غيره فهي لمن أحياها.
باب القول في تقبل الذميين أرض المسلمين واستئجارهم لها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: قد قيل في ذلك أقاويل مختلفة، وأحب ذلك إلي والذي أراه أن لا يخلى أهل الذمة وذلك - وأن يمنعوا من زرع أراضي المسلمين لان في ذلك تحيفا لاموال المسلمين واضرارا بهم لان أهل الذمة لا زكاة عليهم فيما خرج من زرعهم والزكاة
---
ص 178 (5) التوبة 60.
(6) في نسخة ولم يغله.
---(1/178)

30 / 198
ع
En
A+
A-