[ 36 ]
دخل النار فهو مقيم فيها غير خارج منها، من بعد مصيره إليها، فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله العون والهدى، فإنه ولي كل نعماء، ودافع كل الاسواء. فإذا عرف ذلك واعتقده، فقد صحت له معرفة خالقه، وصار بأذن الله بالله من العارفين، وله سبحانه من الموحدين، القائلين على الله بالحق واليقين. فحينئذ يجب عليه أن يعلم أن كل ما جاء به الرسول عليه السلام، وشرعه من حلال أو حرام، أو سنة وكدها، وعلى الامة فرضها - فرض من ذي الجلال والاكرام، لقوله الله سبحنه: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (12) وقوله عزوجل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (13) وأنه لم يفرض ولم يقل من الامور صغيرا ولا كبيرا إلا وهو الله رضا، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نصح لله في عباده، وأصلح جاهدا له في بلاده، حتى قبضه الله إليه راضيا عنه، قابلا لذلك منه وأنه لم يترك الامة في عميا من أمرها، بل قد أوضح لها جميع أسبابها، ودلها على أبواب نجاتها، وشرع لها ما تحتاج إليه من أمورها بالدلالات النيرات، والعلامات الواضحات، والاشارات الكافيات، والاقاويل الصادقات.
(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وأن الله لسميع عليم) (14). فأذا فهم ذلك، وكان في ضمير قلبه كذلك، وجب عليه أن يعرف ويفهم، ويعتقد ويعلم، أن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه (15) واجبة على جميع المسلمين فرض من الله
---
ص 36 (12) الحشر 7.
(13) التغابن 12.
(14) الانفال 42.
(15) في نسخة عليه السلام.
---(1/36)


[ 37 ]
رب العالمين، ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الايمان، حتى يعتقد ذلك بايقن الايقان، لان الله سبحانه يقول: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) (16) فكان ذلك أمير المؤمنين رحمة الله عليه، (17) دون جميع المسلمين، إذ كان المتصدق في صلاته، المؤدي لما يقربه من ربه من زكاته، وفيه ما يقول الرحمن فيما نزل من واضح القرآن (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (18) فكان السابق إلى ربه غير مسبوق، وفيه ما يقول تبارك وتعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون) (19) فكان الهادي إلى الحق غير مهدى، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله، فهو أحق بالامامة، لان أسبقهم أهداهم، واهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولاهم، وما جاء له من الذكر الجميل في واضح التنزيل فكثير غير قليل، وفيه انزل الله على رسوله بغدير خم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس) (20) فوقف صلى الله عليه وآله وسلم وقطع سيره، ولم يستجز أن يتقدم خطوة واحدة، حتى ينفذ ما عزم به عليه في علي عليه السلام، فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثم قال: (يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا:
---
ص 37 (16) المائدة 55.
(17) وفي نسخة عليه السلام.
(18) الواقعة 10 - 12.
(19) يونس 35.
(20) المائدة 67.
---(1/37)


[ 38 ]
بلى يارسول الله فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)، وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (علي مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ما كان يجب لهرون مع موسى ما خلا النبؤة. وهرون صلى الله عليه فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، وفى ذلك ما يقول موسى عليه السلام حين سأل ذاالجلال والاكرام فقال: (واجعل لى وزيرا من أهلى هرون اخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا) (21) فقال الله سبحانه قد أوتيت سؤلك يا موسى) (22) فاعطاه الله سؤله في إشراكه لهرون في أمر موسى، فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام الرسول صلى الله عليه وآله فقد رد كتاب الله ذي الجلال والاكرام والطول، وأبطل قول رب العالمين، وخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين، وأخرج هارون من أمر موسى كله، وأكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله، وأبطل ما حكم به في أمير المؤمنين، فلابد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجرا، وعند جميع المسلمين كافرا. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أفرض هي من الله؟ فقال: كذلك نقول وكذلك يقول العلماء من آل الرسول عليه وعلى آله السلام، قولا واحدا لا يختلفون فيه. لسبقه إلى الايمان بالله، ولما كان عليه من العلم بأحكام الله، وأعلم العباد بالله
---
ص 38 (21) طه 29.
(22) طه 36.
---(1/38)


[ 39 ]
أخشاهم الله. كما قال الله سبحنه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) (23) فأخشاهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وقد قال الله سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون) (24) وقال تبارك وتعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (25) فأسبق المؤمنين إلى ربه أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ربه أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله ألاهم بالامامة في دين الله، وهذا بين والحمد لله لكل مرتاد طالب في علي بن أبي طالب رحمة الله عليه، لا يجهله ألا متجاهل جائر ولا ينكر الحق فيه إلا ألد مكابر. حدثنى أبى عن أبيه أنه سئل عن من حارب أمير المؤمنين؟ وعمن تخلف عنه في حربه فلم يكن معه ولا عليه؟ فقال: من حاربه فهو حرب لله ولرسوله، ومن قعد عنه بغير إذنه فضال هالك في دينه. وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عمن يشتم أمير المؤمنين، أو قذفه استخفافا بالفضل وأهله، وجهلا بما جعل الله لامير المؤمنين عليه السلام من فضله؟ فقال: يحكم عليه الامام بما يرى ويكون بشتمه إياه فاسقا كافرا، فأذا فهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدها، وقال في كل الامور سرا وعلانية بها، وجب عليه التفضيل والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين الامامين الطاهرين، سبطي الرسول المفضلين، اللذين أشار إليهما الرسول، ودل عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما من ذريتهما، حين
---
ص 39 (23) فاطر 28.
(24) يونس 35.
(25) الواقعة 10 - 12.
---(1/39)


[ 40 ]
يقول لرسوله صلى الله عليه وآله: (قل لا اسألكم عليه أجرا ألا المودة في القربى) (26) ويقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (27) ويقول في جدهما وأبيهما وأمهما وفيهما: (أن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - ألى قوله - فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) (28)، وفيهما ما يقول الرسول عليه السلام: كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)، فهما ابناه وولداه بفرض الله وحكمه، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى في ابراهيم صلى الله عليه: (ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكرياء ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) (29) فذكر أن عيسى من ذرية ابراهيم، كما موسى وهرون من ذريته، وإنما جعله الله ولده وذريته بولادة مريم، وكان سواء عنده سبحانه في معنى الولادة والقرابة ولادة الابن وولادة البنت، إذ قد أجرى موسى وعيسى مجرى واحدا من أبراهيم صلى الله عليه، ويقول بالرسول صلى الله عليه وآله: " الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة "، ويقول الرسول عليه السلام: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن الطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ويقول صلى الله عليه وآله: " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبهانجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى "، ويقول صلى الله عليه وآله: " ما أحبنا أهل البيت أحد
---
ص 40 (26) الشورى 23.
(27) التوبة 119.
(28) الدهر 5 - 7.
(29) الانعام 84 - 85.
---(1/40)

3 / 198
ع
En
A+
A-