[ 127 ]
يقسمها المصلون مع امامهم بينهم قسمين، فيصلون هؤلاء مع إمامهم منها جزءا ثم يأت الآخرون فيصلون معه منها شقصا، فهذا بأبين التبيان قصران، وهذا فلم يذكره الله لنا في القرآن، وما لم يقل به من الناس كلهم انسان لان الله سبحانه إنما ذكر قصرا واحدا، ولم يذكر قصرا ثانيا، فإن قال: بلى قد ذكر الله قصرين، سئل عن ذلك القصر الذي ذكر أنه في القرآن مرتين، فلا يجد إنشاء الله إلى اثبات ذلك سبيلا ويستغنى بجهله عن مناظرته ويتبين له في نفسه دون غيره ما أظهر من مكابرته، وإن أنصف ورجع إلى الحق وتعلق بنور الصدق علم أن ليس في الصلاة إلا قصر واحد، وأنه قصر المسلمين لصلاة سفرهم، وقسمها بينهم مع إمامهم عند ملاقاة أعدائهم وخوفهم على أنفسهم فكل يأخذ بحظه فيها ويصلي مع إمامه جزاء منها، ولو كانت الصلاة في السفر أربعا كماهي في الحضر إذا لم تكن مخافة من الاعداء لكانت تصلى عند المخافة والبلاء قسمين، ويجزئها بينهم المسلمون جزئين فيقف مع الامام منهم نصفهم، ويقف النصف الثاني في وجوده عدوهم حتى يصلي إخوانهم نصف صلاتهم مع إمامهم وهو ركعتان في قول من زعم أن الصلاة في السفر لا تقصر وأنها أربع كصلاة الحضر، ثم يتمون وحدهم ما بقي من صلاتهم ثم ينهضون لحرب عدوهم ويأتي الباقون فيصلون مع الامام كما صلوا فيكون الكل قد أخذ من صلاة الامام جزأ ويكون كلهم قد اقتسموا صلوتهم بينهم قسما، وهذا فليس يقول به أحد من العلماء ولا غيرهم ممن عقل الحق من الجهلاء، فإذا قد ثبت أن صلوة الخوف ركعتان، وأن الركعتين يقسمان قسمين فقد ثبت أن صلوة السفر ركعتان، وأنهما فرض من الله على كل انسان لا يجوز له الزيادة فيه ولا النقصان وأن قول الله عزوجل (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن
---(1/127)
[ 128 ]
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) (53) هو قصرها مع الامام عما جعل الله من فرضها الذي هو ركعتان، وذلك والحمد لله فأبين البيان لمن أنصف من العالمين، وكان عارفا بتأويل قول أرحم الراحمين، ألا تسمع كيف يقول ربنا تبارك وتعالى لرسوله: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) (54). فقال: في أول الآية فإذا سجدوا يريد فإذا أتموا ركعة وسجدوا سجدتيها فليتموا الركعة الثانية وحدهم ثم لينصرفوا إلى عدوهم ولتأتي الطائفة الاخرى التي لم تصل فلتصل معك الركعة الثانية الباقية فكل قد قسم صلوته قسمين وصلاها جزئين جزءا مع إمامه وجزءا وحده فهذا معنى القصر. حدثني أبي عن أبيه أنه كان يقول القصر في كل سفر واجب على كل من سافر وكان يقول: قلنا بقصر الصلوة للمسافر من كل برا وفاجر، لان فرضها المقدم كان في السفر والحضر على ركعتين، وقلنا بذلك وأخذناه لما فهمناه عن كتاب الله المبين ولم نأخذ ذلك عن رواياتهم وإن كانوا قد رووه ولم نقبله عنهم والحمد لله وإن رأوه، قال الله سبحانه: فيما قلنا به من ذلك بعينه وفيما فهمنا عن الله بالكتاب من تبيينه فيه لرسوله صلى الله عليه وآله (وإذا ضربتم في الارض) (54) والضرب فيها فهو المسافرة إليها (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن
---
ص 128 (53) النساء 101.
(54) النساء 102.
(55) النساء 101.
---(1/128)
[ 129 ]
خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) (55) فأبان في هذه الاية نفسها قصرها في السفر تبيينا ودل على أن فرضها فيه ركعتان، وأنهما عليهم كلما ضربوا في الارض ثابتتان، وقصرها في هذه الآية إنما هو تنصيفها مع الامام مجمعين جميعا معه في مقام ألا تسمع كيف يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا) (56)، يقول فإذا أتموا ركعة وسجدوها فلتأت الطائفة الاخرى التي لم تصل فلتصل معك الركعة الثانية بعدها، فكل طائفة من الطائفتين فقد قصرت صلاتها عن أن تتمها إذ لم تصل مع الرسول عليه السلام إلا بعضها، وهو القصر للصلاة في الخوف، الذي ذكره الله عنهم وهذا الذي أمرهم الله إذا صلوا خائفين أن يكون منهم، فقد قصروا من صلاتهم ما لم يكونوا يقصرون فإذا أمنوا أتموا مع الامام ركعتين ركعتين كما كانوا يتمون، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) (57). يقول سبحانه أتموا مع رسولكم إذا أمنتم ولا تقصروا، والاتمام مع الامام فهو ما أمروا به (58)، وكان صلوتهم الظهر والعصر ركعتين كما ترى في السفر وزيد عليهما فأتمت أربعا في الحضر فليس لفاجر ولا بر سافر في خير أو شر أن يزيد في صلاته في سفره ولا ينقص منها شيئا في حضر، ومن زاد على ما فرض الله عليه من الصلوة في السفر فعليه أن يعود لصلاته كما لو زاد على
---
ص 129 (55) النساء 101.
(56) النساء 102.
(57) البقرة 196.
(58) ما به أمروا.
---(1/129)
[ 130 ]
صلوته في الحضر لفسدت عليه الصلاة، فأعادها. والقضر إنما هو كما قلنا مع الامام، والركعتان في السفر، فهو أتم التمام وكذلك كان فرضها أولا في كل سفر وحضر، ثم لم يكن القصر فيهما إلا بما قلنا من القصر وليس يجوز أن يقال: قصرت الصلوة إلا على ما قلنا من القصر. ولا وجه للقصر فيها إلا من طريق ما تأولنا، وإنما يقال: في الصلوة زيد عليها ولا يقال: بشئ من القصر فيها لانه إذا قيل فيها قصرت الصلوة إلا بما ذكرنا كان كأنه خلاف لما كنا به فيها أمرنا من الركعتين اللتين كانتا في الحضر والسفر علينا لله فرضا، فزيد في صلوة الحضر وأقرت صلاة السفر وكان ذلك كله لله فرضا فما نقص من ذلك كله أو زاد لزم فيه أن يعاد.
باب القول في الجمع بين الصلاتين في السفر
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من حضرته الصلوة وهو في المنزل فليجمع عند الزوال إذا أراد الرحيل فليصل الظهر ثم ليصل العصر، وإن أحب أن يتطوع بينهما فليفعل فإن زالت الشمس وهو يسير فليؤخر الظهر ويمضي في سيره حتي يكون ظل كل شئ (59) مثله أو مثل نصفه إن أحب، ثم لينزل فليصل الظهر والعصر معا، وكذلك بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وكذلك فليفعل في المغرب والعشاء، يجمع بينهما إذا كان نازلا في المنزل حين تبين له النجوم الليلية، ولا ينظر من ذلك إلى ما بان من الدرية النهارية، وإن كان في السير سار حتى يغيب الشفق، ثم ينزل عند غيبوبته أو قبل غيبوبته فيجمع بين صلاتيه.
---
ص 130 (59) مثل نصفه أو مثله إن أحب.
---(1/130)
[ 131 ]
(وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: يجمع من أراد الجمع قبل غيبوبة الشفق وبعده). وحدثني أبي عن أبيه أنه قال: لا بأس بالجمع بين الصلاتين في السفر)، وقل من صحبنا من مشايخ آل محمد عليه السلام في سفر إلا رأيناه يجمع في سفره إذا زالت الشمس بين ظهره وعصره، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء إذا أظلم وأغشى وهذه العامة فكلهم تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع في الحضر من غير علة ولا مطر وهم يجمعون إذا كانت الامطار ولم تكن علة ولا أسفار.
باب القول فيما يصلى عليه وإليه والقول في التسليم والصلاة في بقاع الارض والقول في اللباس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يصلى في كل شئ من اللباس ما خلا الحرير، وأكره الصلوة في الفرو إذا لم يكن معه غيره والصلوة في ثوب المشبع صبغا للرجال ولا يصلى من الثياب إلا فيما كان طاهرا نقيا من القذر والادران، قال: وأكره الصلوة في الخز لاني لا أدري ما هو ولا ما ذكاة دوابه ولا أمانة عماله وأخاف أن يكونوا يجمعون فيه الميت والحي والمتردي والذكي. قال يحيى بن الحسين رضي الله عنه: ولا أحب أن يسجد الساجدون إلا على ما أنبتت الارض من نباتها، وقد قيل ما جازت الصلوة فيه جاز السجود عليه وتوقي ذلك أحب إلي وأفضل عندي لان التصاق الجبهة بحضيض الارض أوما كان منها من الحلا في (60) مثل البردى
---
ص 131 (60) الحلافي: شجر ينبت في الماء أسود يميل إلى البياض.
---(1/131)