[ 31 ]
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد (1) الضهري *، قال: حدثنا محمد بن الفتح بن يوسف قال: قرأت هذا الكتاب على محمد بن الهادي إلي الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه وسألته أروي عنك ما قرأت عليك؟ قال: نعم. قال محمد بن يحيى: قال يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعلي آبائه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا تراه العيون، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا يجزي أنعمه العاملون (2)، المحمود على السراء والضراء والشدة والرخاء، الذي ليس له حدينال، ولا شبه تضرب له به الامثال، وهو ذو القوة والقدرة والمحال، الذي دنا فنأى، وأحاطبا لاشياء علما وخبرا، وفطرها كيف شاء فطرا، فلم يمتنع من مفطوراتها عليه سبحانه
---
(1) في نسخة محمد بن أبي الفتح.
(2) في نسخة العاملون. * بالضاد نسبة إلى وادي ضهر وهو واد قريب من صنعاء وقد نص الكتاب بأن وادي ضهر يكتب بالضاد لا بالظاء كما هو المشهور في غيره
---(1/31)
[ 32 ]
مفطور، ولم يستتر عنه من محجوبات سرائرها مستور، بل علمه بما سيكون من كل مكون كعلمه بما كان وظهر وتبين، لا يخفى عليه شئ مما تنطوي عليه الجوانح والقلوب، ولا يحتجب عنه شئ من خفيات الغيوب، الذي نبتت بأمره الاشجار، واستقلت بقدرته الاقطار، وزخرت بقوته البحار، وهطلت بمشيته الامطار. وأشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا، أقولها تعبدا لله سبحنه ورقا، مقالة مخلص من العباد قايل صدقا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله برسالاته فبلغ ما أمر بتبليغه، وجهد لربه ونصح لامته، وعبد إلهه حتى أتاه اليقين، جاهدا مجتهدا ناصحا صابرا محتسبا متعبدا، حتى أقام دعوة الحق، وأظهر كلمة الصدق، ووحد الله جهارا، وعبده ليلا ونهارا، ثم قبضه الله إليه وقد رضي عمله، وتقبل سعيه، وشكر أمره، فعليه أفضل صلوة المصلين، وعلى أهل بيته الطيبين. ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه، والصلوة والسلام على محمد وعلى آله: أما بعد فإنا نظرنا في أمورنا وأمور من نخلفه من بعدنا، من أولادنا واخواننا، وأهل مقالتنا، ممن يميل إلى آل الرسول صلى الله عليه وعليهم ويتعلق بحبلهم، ويتمسك بدينهم، وينتحل ولايتهم، ويقول بما أوجب الله عزوجل عليه من تفضيلهم، فلما أن نظرنا في ذلك علمنا أنا ميتون، والى الله صائرون، ومن دار الغرور خارجون، وإلى دار المجازات آيبون، وإلى المناقشة والحساب راجعون، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون،
---(1/32)
[ 33 ]
وعلمنا ما قد زخرفه بعض الجهلة المخالفين لآل الرسول عليهم السلام، المدعين للعلم والتمام، وقالوا فيه بأهوائهم، وتركوا الاقتداء بعلمائهم الذين أمرهم الله بالاقتداء بهم، من أهل بيت نبيهم، الذين أمروا بقصدهم وسؤالهم، وذلك قول الله سبحانه: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3) وأهل الذكر فهم آل محمد، الذين أنزل الله عليهم الكتاب، وهدوا به إلى القول بالصواب، فرفضوا آل الرسول ظلما وطغيانا، وأبدوا لله في ذلك خلافا وعصيانا، وقالوا في كل نازلة نزلت من حلال أو حرام بأهوائهم، اجتراء على ذي الجلال والاكرام وتعمدا في ذلك لخلاف آل محمد عليهم السلام، وجنبوا في كثير من أقاويلهم عن الكتاب والسنة والمعقول، فتبارك الله ذو الجلال والطول ثم لم يقتصروا على ذلك، حتى كفروا من لم يكن كذلك، فكلهم يدعوا الجهال إليه، ويزعم لهم أن الصواب في يديه، وهو مجنب عن الحق حاير عن طريق الصدق يعند عن الحق والهدى، ويتبع الغي والهوى، قد صدوا عن الله عباده وأظهر وجهارا عناده، وأزاحوا الحق عن مغرسه الذي اختاره الله له، فجعله سبحنه وركبه لعلمه به فيه، وبنى دعائم الدين عليه، وذلك قوله عزوجل: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (4) ويقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالاته) (5) ويقول: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (6) فرأينا أن نضع كتابا مستقصى،، فيه أصول ما يحتاج إليه من الحلال والحرام، مما جاء به السول عليه السلام، ليعمل به ويتكل
---
ص 33 (3) الانبياء 7.
(4) القصص 68.
(5) الانعام 124.
(6) فاطر 32.
---(1/33)
[ 34 ]
عليه من ذكرنا، ولا يلتفت إلى ما في ايدي الجهلة الضلال، أهل التكمه في المحال مذوي البغي والايغال. فكان أول ما ينبغي لنا أن نذكره، ونصفه وندل عليه ونشرحه، توحيد ربنا، والقول بالحق في خالقنا، فقلنا: إن أول ما ينبغي لمن أراد التخلص من الهلكة والدخول في باب النجاة، أن يعلم أن الله واحد أحد، ليس له ند ولا شبيه ولا نظير، وأنه سبحنه على خلاف ما يتوهم المتوهمون، أو يظن المتظننون (7)، فينفي عنه جل جلاله عن أن يحويه قول، أو يناله شبه خلقه، وكل ما كان فيهم ولهم من الادوات والآلات من الايدي والارجل والوجوه والشفاه، والالسن والاسماع والابعاض والاعين، حتى يخرج من قلبه، ويصح في عقله وعقده، أنه بخلاف ما ذكرنا من خلقه، ويعلم أن لكل ما ذكر الله من ذلك في نفسه معنى وتأويلا معروفا عند أهل التنزيل الذين أو تمنوا عليه، وأمروا بالقيام فيه والدعاء إليه، وقد فسرنا جميع ما يحتاج إليه من ذلك في كتاب التوحيد، الذي وضعناه لمن أراد معرفة الله من العبيد، فإذا علم ذلك، وصح عنده كذلك، ونفى عن الله تعالى شبه خلقه، ما عظم منه وما صغر وما دق منه وما كبر، وجب عليه أن يعلم ان ألله سبحانه وعزوجل عن كل شأن شأنه عدل في جميع أفعاله، وأنه برئ من مقالة الجاهلين، متقدس عن ظلم المظلومين، بعيد عن القضاء بالفساد للمفسدين، متعال عن الرضى بمعاصي العاصين، برئ من أفعال العباد، غير مدخل لعباده في الفساد، ولا مخرج لهم من الخير والرشاد، وكيف يجوز ذلك على حكيم، أو يكون من صفة رحيم، فتعالى الله عن ذلك وتقدس عن أن
---
ص 34 (7) في نسخة المبطلون.
---(1/34)
[ 35 ]
يكون كذلك، وكيف يقضي بالمعاصي، وهو ينهى عنها، ويذم العاصين ويأمر بالطاعة ويشكر المطيعين، ولو كان كذلك لما سمى ولا دعا أحدا ممن خلق بالعصيان، بل كانوا كلهم عنده في حد الطاعة والايمان، إذ قوله الصدق وفعله الحق، لانه كان لو قضى بالفجور والكفر على الكافرين، وبالتقى والايمان على المؤمنين، لكان كل عباده لامره سبحانه مطيعين، ولقضائه منفذين، وفي ارادته ساعين، ولما كان يوجد في الخلق ذو عصيان، بل كان كلهم ذا طاعة لله وايمان، فإذا علم أن الله سبحانه لا يقضي بالفواحش والمنكر، ولا يشاء غير ما به من الطاعة أمر، وفي ذلك ما يقول ذو الجلال والطول: (أن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) (8) ويقول (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (9) وجب عليه أن يعلم أن كل ما وعدو أوعد الواحد ذو الجلال الصمد حق لامرية فيه، ولا لبس من الحساب والحشر، وما أعد الله للمؤمنين من الثواب، وأعد للكافرين من العقاب، وأن من دخل الجنة أو النار، من الابرار والفجار، فأنه غير خارج من أيهما صار إليها، وحل بفعله فيها، أبد الابد، لا ما يقول الجاهلون: من خروج المعذبين من العذاب المهين، إلى دار المتقين، ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: (خالدين فيها أبدا) (10) ويقول عزوجل: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) (11) ففي كل ذلك يخبر أن كل من
---
ص 35 (8) الاعراف 48.
(9) النحل 90.
(10) النساء 57.
(11) المائدة 22.
---(1/35)