[ 107 ]
باب القول في العمل خلف الامام وما يقرأ فيه من الصلوة خلفه وما لا يقرأ
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يقرأ خلف الامام فيما جهر فيه ويقرأ فيما لم يجهر فيه لان الله سبحانه قد أمر بالانصات والاستماع، ومن قرأ فلم ينصت ومن لم ينصت فلم يستمع وذلك قول الله سبحانه (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (40) فأمر تبارك وتعالى بالانصات والاستماع لقراءة الامام فلذلك قلنا إنه لا يجوز أن يقرأ خلف الامام فيما جهر فيه، فأما ما لم يجهر فيه من الصلوة فلابد أن يقرأ من خلف الامام فيه بالحمد وما تيسر من القرآن لان الانصات إنما يجب للاستماع فإذا لم يكن من الامام جهر يستمع بطل الانصات ووجبت القراءة فيما كان كذلك من الصلوات. حدثني أ بي عن أبيه القسم بن ابراهيم عليه السلام أنه كان يرى القراءة خلف الامام فيما خافت فيه ويكره القراءة خلفه فيما جهر فيه وكان يقول قد أمر الله سبحانه بالانصات والاستماع وإذا قرأ فلم يستمع ولم ينصت.
باب القول في القنوت وفي أي الصلوات هو
قال يحيى بن الحسين صلوات الله: لا نرى القنوت إلا في الصبح والوتر. والقنوت عندنا والذي نستحبه ولا نحب تركه، فقنوت الصبح. والقنوت عندنا من بعد الركوع، ولسنا نراه قبله وليس بعد القنوت عندنا إلا التكبير والانحطاط ساجدا. والقنوت سنة من تركها لم
---
ص 107 (40) الاعراف 204.
---(1/107)
[ 108 ]
يفسد عليه شئ من دينه ولا نحب له اغفاله ولا تركه ولسنا نقول إن وجوبه كوجوب غيره من فرائض الصلوات المعلومات. حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن القنوت فقال: ليس بفريضة لازمة وهو سنة حسنة يستحب فعلها.
باب القول فيما يقال في القنوت
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أحب ما يقنت به الينا ما كان آية من القرآن، مما فيه دعاء وتمجيد وذكر الله الواحد الحميد مثل قول الله عزوجل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) (41) ويقول الله سبحانه (ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (42) وإن شئت قنت بعد التسليم من الوتر بالقنوت الذي علمه النبي صلى الله عليه وآله ابنه الحسن بن علي رحمة الله عليه ويروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن قال: إن جبريل صلى الله عليه علم هذا القنوت النبي صلى الله عليه وآله فعلمه النبي صلى الله عليه وآله ابنه الحسن وهو: " اللهم اهدني فيمن هديت، وتولني فيمن توليت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت "، قال: وزاد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفة
---
ص 108 (41) البقرة 286.
(42) البقرة 201.
---(1/108)
[ 109 ]
والغنى وأعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو) وهذا القنوت يقنت به بعد التسليم من الوتر، ولا نحبه قبل التسليم لانه ليس بقرآن ولا يقنت في الصلوة إلا بما كان من كتاب الله عزوجل وقد قيل مما روى في هذي القنوت عن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قبل تحريم الكلام في الصلاة. ومن أحب أن يقنت بقنوت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قنت به بعد التسليم من الوتر كذلك كان أمير المؤمنين يقنت به وكان يقول: اللهم إليك رفعت الابصار، وبسطت الايدي وأفضت القلوب، ودعيت بالالسن، وتحوكم إليك في الاعمال، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتظاهر الفتن، وشدة الزمن، اللهم أعنا بفتح تعجله، ونصر نعزبه، وسلطان حق تظهره، اله الخلق آمين، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقنت بهذا فيلعن رجالا يسميهم بأسمائهم منهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو الاعور السلمي وأبو موسى الاشعري. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: كل قنوت يكون بغير القرآن فهو غير جائز ولا نرى القنوت في الفرض ولا في غيره إلا بالقرأن.
باب القول في لباس المصلي وما يجزى الرجال والنساء من اللباس
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: يجزى الرجل أن يصلي في ثوب واحد إن كان قميصا زره عليه، وإن كان رداء عقد طرفيه في قفاه وكذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه صلى بالناس
---(1/109)
[ 110 ]
آخر صلاة صلاها في مرضه الذي قبض فيه في شملة خيبرية عاقدا بين طرفيها في قفاه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ولا يصلى في ثوب واحد حتى يكون ثوبا صفيقا لا يوصف المصلي ويكون سابغا ينحدر عن الركبتين ويقارب حد الوضوء من الكعبين، وينبغي لمن صلى في رداء أن يعقده ويرخي جوانبه على رؤوس منكبيه حتى تستتر هبرتاهما، وان كان المصلي في الرداء محرما لم يعقد طرفيه في القفا وردهما على صدره ردا حتى يستمسك على الكتفين الرداء ويستتر المنكبان بجوانبه معا. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ويجزي المرأة أن تصلي في رداء واحد غامر لرأسها وجسدها إذا لم يمكنها خمار تخمر به راسها، ويجب عليها أن ترد جوانب الرداء على ذراعيها وعضديها، وتلتف في الرداء التفافا ساترا لظهرها وبطنها ومناكبها ورأسها وصدرها وساقيها، وإن كان قميصا واحدا سابغا، وكانت إذا أدخلت رأسها في جيبه لم ينكشف من ورائها شئ من ساقيها جازت لها الصلاة فيه، ووجب عليها أن تتحفظ من جيبه حتى لا يبدو عند ركوعها وسجودها منه صدرها. ويجوز للرجل أن يصلي في سراويل ومنديل على كتفيه سابغ وإن لم يكن منديل وكانت عمامة فليرددها على منكبيه ويسدل أطرافها من جانبيه أو بين يديه وكذلك إن ائتزر بمئزر فليرفعه إلى قرب السرة ثم يسدل ما أمكنه من اللباس من منديل أو عمامة أو غيرهما من الرياش على منكبيه. ويرد أطراف ذلك على صدره وثدييه.
---(1/110)
[ 111 ]
باب القول فيمن ضحك في الصلاة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: من ضحك في صلاته فقهقه، أوملا فاه ضحكا أو ما هو دون ذلك من الضحك الذي يقطع عليه ما هو فيه من قراءته أو شغله عما هو فيه من صلوته فقد انقطعت عليه الصلوة، ووجب عليه الاستئناف لها والاعادة، فأما ما يقول به أهل العراق من أن القهقهة تقطع الصلوة وتنقض الوضوء فلسنا نقول فيه بقولهم ولا نذهب فيه إلى مذهبهم، لان القهقهة إنما قطعت الصلوة لانها شغلت عن الصلوة وقطعت على صاحبها ما كان فيه من القراءة وهو صوت يخرج من القهقهة يسير ولو قطع هذا الصوت الحقير، الوضوء لقطعه الصوت الكبير لا الحقير والكلام الدائم الخطير، والكلام فلا يقطع الوضوء منه إلا ما كرهه الرحمن، وعاقب عليه المتكلم به من الانسان، والوضوء فلا يقطعه إلا ما قد شرحناه في باب الوضوء وحددناه.
باب القول فيمن يجوز أن يؤتم به في الصلاة ومن لا يؤتم
به قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تجوز الصلوة خلف أهل الديانة والورع والعفاف والصدق والوفاء كائنا من كان، من أعمى أو مملوك أو ولد زنا إذا كانوا عارفين بحدود الصلوة حافظين لما يحتاجون إليه لها من قراءة القرآن. وكذلك البدوي إذا كان عارفا بأمور صلاته حافظا لما يجب عليه حفظه من القرآن. وكان ورعا عفيفا مسلما معروفا بذلك فلا بأس بالصلوة خلفه، وإنما تكره الصلوة خلف البدوي إذا كان جاهلا بما لا يسعه جهله. ولا تجوز الصلوة خلف ذي جرأة في دينه عندنا من فاسق،
---(1/111)