[ 76 ]
العرب يدعو الطمث نفاسا، والله تبارك وتعالى فقد أوجب الغسل من الحيض، فلذلك أوجبناه في النفاس لانه محيض في الاصل والمعنى، وإن اختلفت بهما في اللفظ الاسماء.
باب القول في المستحاضة وتفسير الاستحاضة والعمل في ذلك
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ليس في الاستحاضة عندنا وقت مؤقت غير ما تعلم المرأة من نفسها في أيام أقرائها، فإن كانت ممن قد حاضت، وعرفت أيام أقرائها، فلتحتسب لذلك، فإذا كان وقت قرئها لم تصل ولم تصم، ولم تقرأ القرآن، ولم يغشها زوجها، فإذا نفدت أيام الاقراء صلت وصامت وقرأت، وغشيها زوجها إن أحب، ويجب عليها إذا قعدت أيام أقرائها، ثم أتت أيام طهرها أن تغتسل كما تغتسل عند الطهر من الحيض، ثم تحتشي قطنا، وتستذفر استذفار الرجل، ثم تصلي صلاتها، وتؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، ثم توضأ وتحتشي وتستذفر، ثم تصلي الظهر والعصر معا، وكذلك تفعل في المغرب والعشاء الاخرة، وكذلك يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه أمر امرأة بذلك، وحد لها في أوقات صلواتها، وأمرها بالجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في آخر وقت الاولى وفي أول وقت الاخرى. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإنما أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله رحمة منه لها ولغيرها ممن تبتلى بمثل بلائها، ولو أن امرأة توضأت واحتشت واستذفرت لوقت كل صلوة، كان ذلك أفضل إن هي قدرت على ذلك وقويت، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
---(1/76)
[ 77 ]
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: وإن كانت المستحاضة لم تحض قبل تلك الحيضة، فاستمر لها الدم فلتقعد أكثر ما تعرف من حيض نسائها، من أخواتها وعماتها، ولسنا نوقت لمثل هذه ولا لغيرها أياما معدودة، إلا أنها لا تجاوز العشر ليال، فإن أكثر الحيض عشر ليال. حدثني أبي عن أبيه القسم بن ابراهيم رضي الله عنه في المستحاضة كيف تصنع؟ وهل يأتيها زوجها؟ فقال تقعد أيام أقرائها، ثم تغتسل وتوضأ لكل صلاة، ويغشاها زوجها إن أحب، وتستنقي من الدم إذا أراد أن يغشاها، فإن غلب حيضها فهو كدم جرح أو عرق لو كان بها. وأكثر الحيض عندنا على ما تعرف المرأة، وعلى ما جربت من نفسها، فإن كانت ممن لم يحضن قبل ذلك قط، ثم نفست أو استحيضت، فعلى قدر أكثر ما في نسائها، وليس عندنا فيه وقت معلوم كما قال غيرنا، ولسنا نوقت فيه وقتا، غير أنها لا تجاوز عشرا، وبذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة ابنة ابي حبيش أن تقعد أيام أقرائها، ولم يوقت لها في ذلك وقتا، والقياس في هذا لا يمكن إلا أن يتقحم فيه متقحم فيقول فيه برأيه. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وحكمه حكم الدم، وفي غير أيام الحيض استحاضة، وقال إذا خرجت الصفرة والكدرة وظهرت، أو بلغت حيث يبلغها الماء عند استنجاء المرأة فهو سواء، وهو حيض في وقت الحيض، تترك المرأة الصلاة له، وتعتزل ما تعتز له الحائض من دخول المسجد، وقراءة القرآن، والصلاة والصوم، ولا يغشاها زوجها فيه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: إن سأل سائل عن الصفرة والكدرة قيل له: أما ما كان في أيام الحيض فهو حيض، وحكمه حكم الدم، وأما ما كان منه في غير أيام الحيض فليس بحيض، ولكنه استحاضة.
---(1/77)
[ 78 ]
باب القول في الرجل متى يغشى امرأته الحايض عند انقطاع دمها
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: لا يغشى الرجل امرأته، وإن نقيت من الدم ورأت الطهر حتى تغتسل وتطهر بالماء، وتنقى من آثار الدرن والاذى كما قال الله عزوجل: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) (61) ومعنى يطهرن فهو أن يغتسلن ويتطهرن، لا ما ينقطع عنهن من دمائهن، ألا ترى أن الطهر لا يقع اسمه على شئ حتى يطهر، وأنه لا يكون طاهرا حتى يطهر، وتطهيره هو غسله وانقاؤه بالماء، فلذلك قلنا: إن معنى قول الله عزوجل (حتى يطهرن) (62) فهو يغتسلن ويتطهرن من أدرانهن، وينقين بالماء أوساخهن، وماكن فيه من دمائهن. حدثني أبي عن أبيه في الحائض إذا طهرت من حيضها وانقطع عنها دمها هل يغشاها زوجها قبل أن تغتسل أم لا؟ فقال: لا يغشاها زوجها حتى تغتسل، ولذلك قال الله سبحنه (ولا تقربوهن حتى يطهرن) (63) تأويله حتى يغتسلن.
باب القول في المسح على الخفين والشراكين والرجلين والخمار والعمامة والقلنسوة
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا مسح على شئ من ذلك، وان من مسح على شئ من ذلك فلم يتوضأ، وأنه لا صلاة إلا بوضوء، فأماما يقول به
---
ص 78 (61) البقرة 222.
(62) البقرة 222.
(63) البقرة 222.
---(1/78)
[ 79 ]
الروافض من المسح على الرجلين فهذا باطل محال، فاسد من المقال، وإنما حرم المسح على الخف والقدم والنعل لقول الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (64) فقال وأرجلكم نصبا ردا على غسل الوجه. حدثني أبي عن أبيه أنه قال: لم أر أحدا من آل رسول صلى الله عليه وآله يشك في أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي بن أبي طالب رحمة الله عليه، وجميع آلهما، وجميع المهاجرين من بعدهما، وأرجلكم بالنصب يردونها بالواو نسقا على غسل الوجه، وإنما حرم المسح على الرجل بالآية، والآية فإنما أوجبت الغسل لما في الرجل من القذر والدرن والوسخ والاذى، فإذا مسح فوقهما فلم يغسلهما وإذا لم يغسلهما فلم ينقهما، وإنما تعبده الله بغسلهما لانقائهما، وإماطة الاقذار عنهما، ومن مسح أعلاهما فلم ينقهما، ولم ينق جوانبهما وأسافلهما. وفي الاستقصاء عليهما بالغسل، وإيجاب الغسل، ما يروى عن الرسول صلى الله عليه وآله من قوله (ويل للعراقيب وبطون الاقدام من النار) فدل بذلك صلى الله عليه وآله على أنه واجب على المتوضي أن يغسلهما بأجمعهما ظاهرهما وباطنهما، ولو كانت القراءة في الارجل بالخفض لكان المسح واجبا، ولو وجب المسح لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ويل للعراقيب وبطون الاقدام من النار) لانه إنما أراد صلى الله عليه وآلله بذلك الاستقصاء على الارجل بالغسل، تأكيدا لما أمر الله به من الغسل لهما، وعنه في ذلك ما يروى من أنه قال: (خللوا
---
ص 79 (64) المائدة 6.
---(1/79)
[ 80 ]
الاصابع بالماء قبل أن تخلل بالنار) فدل بذلك على أن تخليلهما و تنظيفهما، وغسل ما بطن وما ظهر منهما واجب على كل مسلم متطهر. قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: ما أبالي أمسحت على رجلي أم مسحت على خفي، وما أبالي أمسحت على خفي أم مسحت على سرجي، ولان تقطع رجلي أحب إلي من أن أمسح على خفي، أو أمسح عليهما، أو أترك غسلهما، لان الفرض في غسلهما لما ذكرناه، واحتججنا به في أول كلامنا، من قول الله تبارك وتعالى ومن قول الرسول الله صلى الله عليه وآله. ومن الحجة على من قال بمسح الرجل وقرأ الآية بالخفض (وأرجلكم) قول الله (إلى الكعبين) (65)، فلما أن قال إلى الكعبين علمنا بتحديده أنه إنما أراد الغسل، وأنها نصب عطف. على غسل الوجه، لان المسح لا يقال فيه: امسح إلى الكعبين، ولا يقال إلى الكعبين إلا في الغسل فقط.
---
ص 80 (65) المائدة 6. في نسخة (وإنما نصب عطفا).
---(1/80)