باب القول في الإرث على الولى
إذا مات المعتق وترك ورثته وورثه معتقه كان الميراث لورثته دون ورثة معتقه إلاَّ أن لا يكون في ورثته عصبة وفضل المال على السهام فيجعل المال لعصبته المعتق، فإن ترك ابنة وابن مولاه فإن المال يكن لابنه دون ابن مولاه، فإن ترك ابنته وعصبة مولاه كان لابنته النصف وما بقي لعصبة مولاه، أما إذا كان في ورثة المعتق عصبة فلا خلاف أنهم أولى بالمال من عصبة مولاه؛ لأن مولى العتاق لا خلاف في أنَّه أبعد العصبات وأنه يسقط مع سائر عصبات الميت فإذا لم يكن في ورثة الميت عصبة وكان في ورثة المولى عصبة فلا خلاف أن عصبة المولى أولى بفاضل المال إذا لم يكن للميت عصبة من نسبه في باب العصبات وذكرنا الخلاف فيه فلا وجه لإعادته.
مسألة
قال: فإن ترك لنفسه ورثة ذوي السهام لا عصبة فيهم ولمولاه ورثة ذوي السهام لا عصبة فيهم جعل لكل ذي سهم من ورثته ورد الباقي عليهم بقدر سهامهم ولم يكن لورثة مولاه شيء، لا خلاف أن ذوي سهام المولى لا يرثون مع ذوي سهام الميت؛ لأن ورثة المولى يأخذون بالتعصيب ولا تعصيب لذوي السهام، قال: وكذلك إن ترك الميت ذوي أرحام لنفسه وذوي أرحام لمولاه كان المال لذوي أرحام نفسه دون ذوي أرحام مولاه وهنا كالمسألة الأولى لا خلاف فيه.
مسألة(121/1)


قال: فإن ترك ذوي أرحام مولاه ولم يترك لنفسه وارثاً كان المال لذوي أرحام مولاه والمحفوظ من غيره من العلماء أن المال يكون لبيت المال، ووجه قوله: إن وجد الولاء يحاز على وجه الإضطرار على حد لولاء الإضطرار لكان لا يحاز وذلك في عبد تزوج معتقه رجل فأولدها ثُمَّ مات الولد كان ولاؤه لمعتق أنه للضرورة فإن اعتق أبوه حر ولاؤه ومعتق الأم يجري مجرى ذوي الأرحام فإذا حاز الولاء بالإجماع عند الضرورة وجب أن يحوز ذووا أرحام المعتق للإضطرار وتقاس ابنة المولى على ابنة الأخ وابنة العم بعلة أن في منزلتها من الذكر من يحوز المال أجمع بالتعصيب فوجب أن تكون هي ترث في ذوي الأرحام ولا يلزم عليه الحالة وإن لم تكن للخال عصبة؛ لأنَّه وجد الحكم ولا علة وهذه المسألة قوية إن لم تكن خلاف الإجماع.
مسألة
قال: ولا تدخل لنساء مع الرجال في تعصيب الولاء ذلك أن النساء لا يكن عصبة إلاَّ إذا عصبة إلاَّ إذا عصبهن الذكور الذين هم بمنزلتهن نحو البنات فإن البنين يعصبونهن والأخوات، فإن الأخوة يعصبونهن في ذلك لقوة الأخوة والبنين وليست هذه القوة للأعمام وبني الأعمام؛ لأنهم أضعف العصبات وأبعهم لهذا لا يدخلن النساء في الولاء إلاَّ على الضرورة كما نقول في توريث ذوي الأرحام، قال: ولو أن معتقاً مات وخلف ابن مولاه وابنته كان المولى لابن مولاه دون ابنته، وكذلك إن ترك أخاً لمولاه وأخته كان المال لأخيه دون أخته؛ وهذا مما لا خلاف فيه ووجهه ما بيناه من أن النساء لا يشاركن الرجال في الولاء.
مسألة
قال: ولو أن رجلين اعتقا مملوكاً وماتا ثُمَّ مات المملوك وكان للرجلين عصبة كان النصف لعصبة أحدهما والنصف الأخر لعصبة الأخر؛ وهذا مما لا أعرف فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <الولاء لمن أعتق>، فعلق الولاء بالعتق فإذا كان كل واحد منهما معتق نصف الولاء فأيهما مات وجب أن تقوم عصبته في النصف مقامه.(121/2)


فإن قيل: كيف يصح هذا على قولكم أن العتق يتبعض؟
قيل له: ليس معنى قولنا أن العتق لا يتبعض أن العبد إذا أعتقه اثنان لم يكن نصف العتق لكل واحد منهما هذا مالا يذهب إليه أحد وإنما يريد بذلك أنَّه لا يجوز أن يكون عبد نصفه حر ونصفه مرقوق فعبرنا عن هذا المعنى بتلك العبارة والغرض ما بيناه فسقط هذا السؤال.
مسألة
قال: فإن كان لأحدهما عصبة ولم يكن للآخر عصبة كان النصف لعصبة أحدهما والنصف الآخر لورثة الآخر على تنزيل ذوي الأرحام وذلك أن كل واحد منهما على ما بيناه يجب أن يكون في نصيب صاحبه في حكم الأجنبي فلهذا لا يرث عصبة أحدهما على شيء من الأحوال النصف الباقي، فأما وضعه في ذوي الأرحام من لا عصبة له فقد مضى وجهه، قال: فإن لم يكن للآخر أحد من الورثة كان النصف الباقي لبيت مال المسلمين تخريجاً؛ وهذا ما لا خلاف فيه؛ لأن ذلك النصف إرث لا وارث له على وجه من الوجوه فيجب أن يكون لبيت المال بت.(121/3)


باب القول في نوادر المواريث
إذا مات الرجل وخلف وارثاً خنثى لبيسة فله نصف نصيب الذكور ونصف نصيب الأنثى سوى كان معه غيره أو لم يكن إلاَّ أن يكون في مسألة يستوي فيها الذكر والأنثى فله نصيبه، اختلف العلماء في خنثى لبيسة، فقال أبو حنيفة له أقل النصيبين كان يكون ابن خنثى يكون له نصيب الابنة؛ لأنَّه المتيقن والباقي يكون للابن وبه قال الشافعي إلاَّ أنَّه قال في الزائد يوقف حتى يتبين أمره وحكي عن محمد مثل قولنا وعن أبي يوسف أنَّه كان يقول بغيره ثمر رجع إلى مثل قولنا وما ذهبنا إليه به قال الشافعي وابن أبي ليلى، وحكي أنَّه قال به مالك وحكي عن قوم أنهم قالوا: إنَّه نصيب الذكر والأصل فيه ما روى زيد بن علي عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه سئل عن ذلك فقال: (له نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى)، ووجه الاعتبار فيه أن من ترك ابناً وخنثى فلابن يستحق النصف لا محالة وهو سنة من اثني عشر والخنثى تستحق الثلث لا محالة وهو أربعة؛ لأن أقل أحواله أن يكون أنثى فيبقى بينهما سهمان لا يكون أحدهما إلى بهما من صاحبه فيجعلان بينهما فيكون للابن سبعة وللخنثى خمسة وذلك يكون نصف نصيب الذكر ثلاثة ونصف نصيب الأنثى سهمان ويبين ذلك ما أجمعنا عليه؛ أن داراً لو كانت في يد اثنين فادعياها جميعاً وجب أن تقسم بينهما؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر فيها وكذلك لو ادعياها وليس في أيديهما فأقاما البنية جميعاً، وهكذا نقول نحن وأبو حنيفة في الجارية تكون بين رجلين قد وطئاها فولدت فادعياه؛ أنَّه يكون بينهما، ولهذا نضائر كثيرة والعلة في الجميع أنهما استويا فيه فوجب أن يكون بينهما، وكذلك مسألة الخنثى فإن قال أبو حنيفة لا يتيقن الخنثى إلاَّ نصيب الابنة فلا نعطيها أكثر من ذلك.(122/1)


قيل له: ولا نتيقن للابن إلاَّ النصف ولا نعطيه أكثر من ذلك وهذا خلاف قوله، ويقال للشافعي لا وجه لتوفيق المال على الشك أربداً؛ لأن الأصول تشهد بخلاف ذلك، ألا ترى أنا لا نقف الدار التي ادعاها رجلان ولا الابن إذا ادعاه رجلان ولا العبدين اللذين يلتبس حالهما في العتق بل للكل منه حكم قاطع فوجب ا، يكون للخنثى كذلك، وكذلك الغرقى لا نقف أموالهم ولا مال الابن والأب وأن علمنا أن أحدهما مات قبل صاحبه إذا شكل أيهما مات أولاً على أنَّه إذا روى ذلك عن علي ولم يرو خلافه عن غيره من الصحابة جرى مجرى الإجماع فلا معنى لما ذهب إليه المخالف.
فإن قيل: كيف نعطيه نصف نصيب الذكر ولا نعلم أنه ذكر ونصف نصيف الأنثى ولا نعلم أنَّه أنثى؟
قيل له: لو علمنا أنَّه ذكر لأعطيناه نصيب الذكر تاماً وكذلك لو علمناه أنثى لأعطيناه نصيب الأنثى تاماً؛ ولكنه لما التبس أعطيناه ما قلناه للوجه الذي بيناه، ويقال: لهم كيف يقتصرون به على نصيب الأنثى ولا يعلمون أنَّه أنثى؟ فلم يثبت للمسألة وجه إلاَّ ما ذكرناه، وقلنا: إلاَّ أن يكون في مسألة يستوي فيها حال الذكر والأنثى فله نصيبه وذلك كان يترك الرجل أخاً لأمه وخنثى فإن للخنثى مثل ما للأخ سواء كان ذكراً أو أنثى ثُمَّ يتغير نصيبه، ألا ترى أن تغير النصف لما كان للذكورة والأنوثة وجب أن يراعى حالهما فإذا سقط ذلك التغيير سقطته مراعاة حالهما في الذكورة والأنوثة وهكذا نقول في ذي الأرحام؛ لأنَّه يستوي ذكورهم وإناثهم عندنا.
مسألة(122/2)

40 / 122
ع
En
A+
A-