قال: ومن لزمته الدية لم يؤخذ إلاَّ ماله ولم يكلف سواه إن كان ماله الدراهم لم يكلف الدنانير وإن كان ماله الدنانير لم يكلف الدنانير، وإن كان ماله والدنانير لم يكلف الإبل، وكذلك لقول فيما سوى ذلك والمراد بذلك أن القوم إذا كان الغالب على أموالهم وتعاملهم الدراهم لم يكلفوا غيرها وهم أهل خراسان وما قرابها من البلدان وإن كان الغال بعلى أموالهم وتعاملهم الدنانير لم يكلفوا غيرها وهم على ما حكى أهل مصر والمغرب، وهكذا القول في غيرهم والأكراد من نحا نحوهم أموالهم الشاء فلا يكلفون غيرها، والوجه في ذلك التخفيف؛ لأن الدية صنفت هذه الأصناف للتخفيف فلا وجه لتكليف أخذ ما هو على خلاف أموالهم، وروي عن عمر: لا يكلف العرب غير الإبل ولا القري غير الدنانير، أراد فيما ظن والله أعلم تلك القرى المقاربة للشام ومصر التي تعاملهم بالدنانير.
مسألة(110/31)
قال: وتؤخذ الدية أرباعاً في النفس وما دوها ربع جذاع وربع حقاق وربع بنات لبون وربع بنات مخاض، وكذلك دية المرأة تؤخذ أرباعاً على ما بيناه، وقال في المنتخب: في الموضحة والسن خمس من الإبل جذعة وحقة وبنت لبون وبنت مخاض وابن مخاض، وقال فيه: وفيالأصبع عشر من الإبل جذعتان وحقتان وبنتا لبون وبنتا مخاض وابنا مخاض، وقال في الأحكام تؤخذ دية الموضحة فصاعداً أرباعاً، قال أبو حنيفة: الدية أخماس عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض، قال الشافعي: كذلك إلاَّ أنَّه قال: وعشرون ابن لبون حكي عن عمر وابن مسعود مثل قول أبي حنيفة حكاه أبو بكر الجصاص، وذكر ابن أبي هريرة عن عم مثل قول الشافعي، فأما ما ذهبنا إليه فهو قول أمير المؤمنين علي علهي السلام، روى ذلك زيد بن علي، عن ابيه، عن جده، عنه وروى غيره أيضاً عنه وهو مشهور عنه لم يخلف فيه ووجهه أن الدية وجوبها توقيف، فكما أن عدد الإبل يجب أن يثبت بالاتفاق أو بالتوقيف كذلك أسنانها وكما لا يجب أن يثبت من عددها مالا توقيف فيه ولا إتفاق عليه، كذلك لا يجب أن يثبت من سنها إلاَّ ما اتفق عليه أو ورد فيه التوقيف والاسنان التي قلنا بها مما اتفق عليها، فإن الكل قد قالوا بها فيثبت الاتفاق وما عماه لم يثبت إذ لم يتفق عليه، فوجب أن يكون الصَّحيح ما قلناه.
فإن قيل: فقد روي نحو قول أبي حنيفة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(110/32)
قيل له: الصَّحيح أنَّه موقوف على عبد الله ومرفوعه لم يثبت عندنا، فإن ثبت فلعله صلى الله عله وآله وسلم أمر به في موضع مخصوص على وجه مراضاة أو لعوذ الواجب على أولياء الدم، وأيضاً قد ثبت أن العوذ والحوار لا يدخلان في أسنان الدية، فكذلك بنو مخاض وبنوا لبون، والعلة أنها لا تدخل في أسنان الزكاة إلاَّ علىة جهة التقويم وللضرورة ووجه ما ذكره في المنتخب أنها إذا كانت أخماساً لم يحج في دية الموضحةوالأصبع أن يشترط المعطي والمعطى في شيء منه، ويجب الإشتراك إذا كانت أرباعاً؛ لأن الخمس والعشر ليس لهما ربع صحيح، فكان ذلك أسلم من أداء المشاكرة، والصحيح رواية الأحكام لما بيناه.
مسألة
والقتل عمد وخطأ ولا معنى لشبه العمد وحكى نحو قولنا عن مالك وأثبت أبو حنيفة والشافعي وأكثر العلماء شبه العمد وغلظوا الدية فيه، والخلاف في هذا الباب يتعلق بموضعين، أحدهما موضع القصاص، فإن أبا حنيفة يسقط القصاص في مواضع، نحن نوجبه ويوجبه الشافعي ويغلظ فيه الدية، والكلام ي هذا نوضحه في باب القصاص، والثاني في تغليظ الدية في مواضع مما لا قصاص فيه، فأما التغليظ فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يجب أن تؤخذ الدية من الإبل رباعاً، وذلك هو الدية عندنا في جميع المواضع على ما مضى القول فيه، فيصير تحقيق الخلاف بيننا وبينه فيما نسميه خطأ محضاً، فإنه يوجب الدية فيه أخماساً ونحن نوجبها فيه أرباعاً، وقد مضى الكلام في هذا ولم يبق بيننا وبينه كلام لا في التغليظ ولا في غير التغليظ لما مضى، وأما محمد والشافعي فغنهما ذهبنا في التغليظ إلى أنَّه ثلاثون جدعة وثلاثون حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، ووجه منعنا من التغليظ ما بيناه من أن أسنان إبل الدية لا يمكن إثباتها إلاَّ بالتوقيف أو الاتفاق، ولا ورد فيه توقيف فوجب ترك القول به.(110/33)
فإن قيل: المقدور وردالتوقيف به؛ وذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إلاَّ أن في قتل العمد الخطأ بالسوط والعصا والحجر الدية مغلظة أربعون خلفة في بطنها أولادها.
قيل له: هذا الخر لم يقبله كثير من العلماء، وذلك أن مالكاً أنكر سنة العمد مثل قولنا، أو قال: ليس إلاَّ عمداً وخطأ وأبو حنيفة وأبو يوسف أيضاً لم يعملا به؛ لأنهما قالا في التغليظ بغير ما في هذا الخبر، والشافعي قد يوجب القود بالحجر الكبير والعصى الذي مثله تقتل، ثُمَّ اختلفت الصحابة في التغليظ، فروى عبد الله بن مسعود أرباعاً مثل قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وروي عن علي عليه السلام وابي موسى والمغيرة مثل قول محمد والشافعي، وروي عن علي رواية أخرى وهي ثلاث وثلاثون جذعة، وثلاث وثلاثون حقة وأربعٌ وثلاثون ما بين بنية إلى بازل عامها في بطونها أولادها، فلو كان الخبر مضبوطاً في مثل ذلك المشهد الظيم لم يختلف العلماء في موجبه، هذا الاختلاف، وفي وقوع هذا الخلاف دليل على ضعف الخبر، وقد قيل: إن سنده مضطرب، ذكره أبو بكر الجصاص فإذا بت ذلك ثبت أنَّه لا يجوز الاعتماد عليه، فلم يثبت في التوقيف ولا أجمع في، فوجب العدول عنه، ومما يدل على أن لا تغليظ أن فقهاء الأمصار الذي قالوا بالتغليظ أجمعوا على أن لا تغليظ إلاَّ في الإبل، فلوكان التغليظ صحيحاً وكان حكماً مقطوعاً لزم في جميع أصناف الدية، ويجوز القياس فيه بأن يقال: لا تغليظ في الذهب والفضة، فوجب أن لا يكون في الإبل؛ والعلة أن كل واحد منهما من أصناف الدية على أن التغليظ لو وجب لوجب بحال يرجع إلى القتل ولم يجب بحال يرجع إلى أصناف الدية؛ لأن الأصناف لا تؤثر في هذا الباب وإنما المؤثر في ذلك حال القتل وفي علمنا بأن جميع أحوال القتل إذا كانت من العين أو الورق أو الشاء أو البقر لا تغليظ فيه، دلالة على أن أحوال القتل لا توجبه، وإذا ثبت ذلك سقطوجوب التغليظ أن كون الدية من الإبل لا(110/34)
توجب ذلك؛ لأنَّه لو أوجبه لأوجب في كل خطأ بعد أن تكون الدية إبلاً، وهذاخطأ بالإجماع.
فإن قيل: روى زيد بن علي يرفعه إلى علي عليه السلام التغليظ في جميع أصناف الدية.
قيل له: يحتمل أن يكون ذلك زيد أدرجه في روايته عن علي عليه السلام، فلم يثبت عنه ما ادعيته، على أن الرواية في هذا عن علي لو ثبتت لم يخالفه، إلاَّ أن الروايات قد اختلفت واضطرب على ما بيناه، والله أعلم.
فإن قيل: فما تقولون في الخبر إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قيل له: يحتمل أن يكون أراد أن يعرفنا جوامز العدول عن القود إلى الدية وأن تغليظ الدية والزيادة على الأصل المقرر منها جائز على سبيل الصلح، وأن يكون أراد بقوله: الخطأ العمد تطييباً لنفوس أولياء الدم وتنبيههم على أن الإنسان قد يقصد الضرب بهذه الآلات وإن لم يقصد القتل، وإن كان الغالب أن من ضرب بالسيف فإن قصده يكون القتل، وإن كان الحكم في باب القود في الجميع سواء.
فإن قيل: فما تقولون فيما روي عن الصحابة في هذا الباب.
قيل له: يحتمل أن يكونوا قالوا من ذلك ما قالوا على طريق الصلح عن العمد، فلهذا اختلفت عنهم الروايات بحسب اختلاف أولياء الدم والقاتلين؛ إذ جائز أن يكن بعض أولياء الدم رضي بالسن كما روي عن عبد الله في الأرباع، وبعض رضي بما روي عن علي وعمر وبعض رضي بما روي عن علي من الرواية الأخير، فكل ذلك جرى على طريق الصلح فيما استحق به القود، والله أعلم.
مسألة
قال: والدية الكاملة تؤخذ في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها، وما كان نصف الدية مثل دية العين أو اليد أو نحوهما أخذ في سنتين، وكذلك ثلثا الدية تؤخذ ي سنتين، وكذلك ثلاثة أرباعها وثلث الدية يؤخذ في سنة واحدة.(110/35)