باب القول في ميراث الزوجين
إذا مات الرجل وترك زوجة فها الربع، وما بقي فللعصبة فإن لم تكن عصبة كان الفاضل لبيت مال المسلمين، فإن خلف معها ولداً كان لها الثمن؛ وذلك لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}...الآية. ولا خلاف في الفاضل عنها أنَّه يكون لغيرها من الورثة إن كانوا، ولبيت المال إن لم يكنوا أنهما لا يرد عليهما؛ لأن الرد يكون بالرحم ولا رحم بينهما فإن كان بينهما رحم جاز أن يرد عليهما إن لم يكن هناك من هو أولى منهما، قال: فإن تركت المرأة زوجاً فله النصف، فإن خلفت معه ولداً كان له الربع والقول في الفاضل عنه كالقول في الفاضل عن المرأة؛ وذلك لقول الله عز وجل: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجَكُمْ}، الكلام فيما فضل عنه كالكلام الذي مضى فيما فضل عن الزوجة فلا معنى لإعادته.
مسألة
قال: ويدفع إلى الزوج سهمهما مع سائر ذوي السهام فإن أراد المال كان للعصبة وإن نقض جعله المسألة عائلية وتفسيره إدخال النقص على كل ذوي سهم بقدر سهمه، ومثاله: إن تترك المرأة زوجاً وأبين وابنتين فللزوج الربع وللأبوين السدسان وللابنتين الثلثان عالت الفريضة بسهم ونصف وصحتها من خمسة عشر سهماً للزوج ثلاثة أسهم وللأبوين أربعة أسهم وللابنتين ثمانية أسهم، ما ذكرناه من أن الزوجين يدفع إليهما سهمهما مع ذوي السهام لا خلاف فيه وإن فاضل المال يجب أن يكون للعصبة وقد مضى الكلام فيه شافياً في أول هذا الكتاب وإنما يختص هذا الموضع الكلام في العول ونحن نبينه إن شاء الله تعالى.(120/1)
أجمعت الصحابة على القول بالعول غير ابن عباس فإنه أنكره وأدخل النقص على البنات والأخوات إذا كن لأب وأم أو لأب وأخذت الإمامية في ذلك بقول ابن عباس وتابعهم على ذلك الناصر وذهب سائر العلماء إلى القول بالعول كما ذهب إليه علماء الصحابة، وروى القول بالعول زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، وروي أنَّه كان يعيل المسألة الفرائض، وروى عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عنه أنَّه كان لا يشرك وكان يعيل الفرائض، قال: وسأله ابن الكوي وهو يخطب عن ابنتين وأبوين وامرأة، فقال: صار ثمنها تسعاً، وقال في هذا الخبر بعض من خالنا أن علياً قاله على سبيل الإنكار والتعجب؛ كأنه قال: أصال ثمنها تسعاً وهذا من البعيد الذي لا يشتبه على المحصل بطلانه؛ لأنَّه يؤدي إلى بطلان [إبطال] أكثر الشرائع؛ لأنَّه يمكن أن يتناول عليه أكر ألفاظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رأيت في الإمامية من كان سلك هذه الطريقة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: <لا نكاح إلاَّ بولي وشاهدين>، والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه من القول بالعول أن الفرائض قد اجتمعت وزادت على الأصل؛ ولا خلاف أن النقص يدخل على البنات والأخوات فيجب أن يدخل على غيرهن بعلة أن لكل واحد منهم سهماً وزادت جملة السهام على المال يوضح ذلك أن بعضهم ليس بالنقصان بأولى من بعض فيجب أن يستووا فيه على قدر سهامهم، ألا ترى أن المخالف لنا في هذا لا يخالف في أن المال إن زاد إلى السهام رد على كل واحد من ذوي الأرحام على قدر سهمه وكذلك النقصان.(120/2)
وحكي فيه عن ابن عباس أشياء كلها واهية؛ منها ما حكي عنه أنَّه قال: إن الذي أحصى رمل عالج يعلم أن المال لا يكون فيه نصف ونصف وثلث ذهب النصفان بالمال فأين الثلث؛ وهذا الكلام من لم يفهم أغراض القائلين بالعول وسلك طريق المتاعمي ليموه على الجهال الذين لا يفهمون ذلك أن القائلين لا يقولون أن الورثة يأخذون نصفاً ونصفاً وثلثاً كيف يتولون ذلك وقد قال سيد القائلين بالقول أمير المؤمنين صار أن ثمنها تسعاً فصرخ بأن حقها قد رجع إلى التسع وإنما يذكرون النصف والنصف والثلث ليعرفوا أصل السهام ويعرفوا كم يجب أن يكون مقدار النقص الداخل على كل واحد منهم فمن لهم ذلك كيف يقو ما حكي عن ابن عباس.(120/3)
ومثال هذا ما نقول فيه الرد للابنة النصف وللأم السدس والباقي يرد عليهما فتكون الفريضة من أربعة أسهم فذكر النصف والسدس وإن كان ما يعطي كل واحد منهما أكثر من ذلك ليعرف أصل لا سهام ومقدار الزيادة وفي من خفي عليه هذا الغرض من ظن أن ما قلناه من العول شيء يمتنع من جنة العقل وفي كشفنا عن الغرض ما يزيل التوهم والتمويه وقد كان من أصحابنا من ضرب لذلك مثلاً فشبهه بالدين يزيد على المال أو الوصية تزيد على الثلث فيجب إدخال النقص على كل ذي حق فيفرق المخالف بين العول وبين ذلك بأن يكون لقصور المال أو لجهل الموصي؛ وهذا كلام لا معنى له؛ لأن غرض من ضرب المثل به أو يبين أنَّه لا يمتنع أن يدخل النقص على الجماعة على قدر حقوقهم واختلاف السبب لا يؤثر في ذلك فسقط هذا الفرق على أن الموصي قد يجوز أن يوصي به مع العلم بالحكم ويحكون الحكم ما ذكرنا على أنَّه يمكن أن يضرب له مثل سواه فيقال لو أن رجلاً دفع ديناراً إلى آخر وقال: إن حضرك زيد فأعطه النصف أ حضرك عمرو فأعطه النصف أو حضرك بكر فأعطه الثلث أو حضرك خالد فأعطه الثلثين فإن اجتمعوا فأقسم ذلك بينهم على قدر ما سميت لكل واحد منهم لص ذلك ولم يجب فيه شيء مما ظنه المخالف وكذلك العول، وحكي عن ابن عباس أنَّه قال: لو قدمتم من قدم الله عز وجل ما عالت فريضة فليس يخلوا م أن يكون أراد من قدمه الله في اللفظ أو في الحكم فإن أراد التقديم في اللفظ فإن اللفظ قدم فيه الابنة والبنات وهو يدخل النقص عليهم خصوصاً وكان الواجب على هذا أن يكون توفيت حهن؛ لأنهن اللواتي قدمن في اللفظ وإن قال: مرادي من قدم في الحكم فيه تنازعنا، فإن الجميع فيه شرع سواء كما أنهم استووا في الرد نه الزيادة من غير مراعاة التقديم والتأخير، وحكي عنه أنَّه قال إن المقدم هو إذا زال عن فرضه لم يكن له إلاَّ ما بقي يريد به البنات والأخوات وهذا لا معنى له؛ لأنا لا نسلم ذلك إذا لم يكن معهن بنون أو أخوة؛ لأنهن(120/4)
يصرن معهم عصبات يكون لهم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا مما لا يخالف فيه ابن عباس فسقط هذا الإعتبار وهذا الذي ذهبنا إليه مزية الوضوح إلاَّ أن أكثر من يتكلم في هذا الباب لا يفهم ولا يحصل.
واعلم: أن باقي مسائل هذا الباب على ما بيناه فلا غرض في ذكر أعيان تلك المسائل فتجاوزناها وقد ألزم ابن عباس القول بالعول في زوج وأم وأخيون لأم؛ لأن الأم لا يحجبها عنه أقل من ثلاثة أخوة فلا يجد بداً على أصله من إخال النقص على الجميع؛ لأن الأخ من الأم ليس هو كمن يأخذ ما بقي في شيء من المسائل فسقط ما اعتمده هذا يلزم ابن عباس خصوصاً دون الإمامية والناصر؛ لأنهم لا يورثون الأخوة مع الأم.(120/5)