قيل له: ليس بنفي أن يكون الخال وارثاً وإنما تقديره الخال وارث من لا وارث له سواه، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: <الخال وارث، كان يقول في دعائه: يا عماد من لا عماد له>، وتقدير من لا عماد له سواك، على أنَّه روي مطلقاً، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <الخال وارث>، على أن في بعض الحديث: <الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه>، وروي عن واسع بن حتام أن ثابت بن الدجداج توفي وكان ابناً وهو الذي ليس له أصل يعرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعاصم بن عدي: <هل تعرفون له فيكم نسب؟ قال: لا يا رسول الله، فدعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا لبابة بن عبد المقداد ابن أخيه؛ فأعطاه ميراثه>، وهذا صريح في توريث ذوي الأرحام، وفيه أيضاً دليل على الرد؛ لأن ابن الأخت إذا أعطى جميع المال لرحمه كان م له سهم في الكتاب أو السنة أولى بذلك.
فإن قيل: روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الخالة والعمة فوقف ورفع يديه وقال: <اللهم رجلٌ هلك وترك عمته وخالته ـ فعل ذلك ثلاثاً ـ ثُمَّ قال: لا شيء لهما>، وروي: <لا أجد لهما>، وروي: <لا أدري ينزل علي شيء، لا شيء لهما>.(119/3)


قيل له: هذا يحتمل لا شيء لهما مسمى كالأم والأخوات والجدات ونحوهن، ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول حكم ذوي الأرحام وقبل نزول الآيتين اللتين احتججنا بهما على الحديثين إذا تعارضا في النفي والإثبات كان المثبت أولى، ويدل على ما ذهبنا إليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها؛ وهذا الحديث يدل على الرد وعلى توريث ذوي الأرحام من وجهين وذلك أن الأم لا تستحق جميع الإرث إلاَّ على جهة الرد، فإذا ثبت الرد ثبت توريث ذوي الأرحام ذ لا أحد فصل بينما ودل على توريث ذوي الأرحام قوله: <ولورثتها من بعدها>، لأن ورثتها غير أمها وأولادها يكونون ذوي أرحام الميت، وروي عن سعد بن مالك قال: <مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعوني فقلت يا رسول الله: إن لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلاَّ ابنتي فأوصي بمالي كله؟ وفي بعض الروايات بثلثي مالي؟ قال: لا قلت فالشطر، قال: لا قلت فالثلث، قال: لا الثلث والثلث كثير إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس>، فدل ذلك على أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم منع ما زاد على الثلث لحق الوارث ولا وارث هناك سوى الابنة، فدل على أن الابنة تحوز ما زاد على الثلث وذلك لا يكون إلاَّ على جهة الرد ومن طريق النظر أجمعوا أن العصبة يحوون المال دون بيت المال إذا لم يكن ذوو السهام، فكذلك ذوو الأرحام والعلة أن بينهم وبين الميت نسب فكل من كان بينه وبين الميت نسب فيجب أن يكون وارثاً إذا لم يكن هناك ما يخرجه من كونه وارثاً لكونه عبداً وكافراً أو قاتلاً؛ وهذا يستوي العصبة وذووا الأرحام وإن شئت قلت هو ذو رحم للميت فيجب أن يكون أولى بالمال من بيت المال؛ دليله العصبة ويؤكد هذا القياس أن سائر المسلمين يتحقون إرثه للإسلام وذووا الأرحام قد شاركوهم في الإسلام واستبدوا بمزية الرحم فصاروا أولى كالأخ للأب والأم مع الأخ للأب، ألا ترى(119/4)


أنهما لما اشتركا في الأخوة من الأب واستبد أحدهما برحم الأم كان أولى بالميراث، وأيضاً وجدنا الأخوة من الأم والجد أم الأم يدلون بالرحم دون التعصيب وصاروا بذلك من أهل الميراث فوجب ا، يكون ذلك حكم سائر ذوي الأرحام ويؤكد ذلك أجمع قوله عز وجل: {وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، يعترض قول من يقول: لم آخذ لهم ذكراً في الكتاب؛ لأن الآية قد دلت عليه على أنها لا ذكر للجدة في الكتاب لكن إثباتنا ميراثها بالسنة فلو لم يكن لذوي الأرحام ذكر في الكتاب لوجب أن يثبت إرثهم بالسنن الواردة التي بيناها على أنَّه لا خلاف أن للقياس والإجتهاد مسرحاً في المواريث فلا وجه ملا ذكروه.
فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: <ما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر>، يدل على أن ذوي الأرحام لا يرثون وعلى إبطال الرد لأن المسلمين يكونون عصبة.
قيل له: هذا لا يصح؛ لأنَّه لا خلاف أنه إذا صار إلى بيت مال المسلمين صرفة الإمام حيث شاء في النساء والرقاب وليس يختص الرجال.
فإن قيل: روي أن عمر جاءته جد أم أب فتوقف في ميراثها فقال ابن عباس كيف تورث من إذا مات لم يرثها ولا يورث من إذا ماتت ورثها؛ يعني أن ولد البنت لا يرث ولم ينكره منكر فصار ذلك إجماعاً.
قيل له: الخلاف في ذلك ظاهر فلا يصح رفعه بهذا القدر؛ لأنَّه ليس كل من قال قولاً من طريق الإجتهاد ينكره مسمعه على أنَّه يحتمل أن يكون آراء به لا يرث من جهة التسمية أو التعصيب؛ لأن من يرث منهما أقوى حالاً ممن يرث بالرحم فقط.
فإن قيل: لو كان لذوي الأرحام إرث لزمهم العقل؛ لأن العقل مرب على الإرث.
قيل له: هذا غلط؛ لأن البعيد من أهل التعصيب قد يعقل وإن كان لا يرث وذووا السهام قد يرثون ولا يعقلون فلا يمتنع أن يرث ذووا الأرحام وإن لم يعقلوا، فهذا هو الجواب إن سألوا في ولاية النكاح.(119/5)


فإن قيل: في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: <الخال وارث من لا وارث له>، كما يقال: الصبر حيلة من لا حيلة له، والجوع زاد من لا زاد له.
قيل له: الصبر يصح أن يقال فيه ذلك؛ لأنَّه ضرب من الحيلة وقد يتوصل به إلى كثير من الأمور فتقديره الصبر حيلة من لا حيلة له سواه وأما الجوع زاد من لا زاد له فهذيان لا يحفظ عن عاقل، فإن قاله قائل: وحفظ عن ممير فعلى طريق النايرة والتجوز فلا يصح حمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه.
فإن قيل: لو أعطينا الابنة كل المال على سبيل الرد كنا جعلناها بمنزلة الابن وهذا رد على الكتاب.
قيل له: لسنا نجعل جميع المال كما نجعله للابن؛ لأن الابن يجوز جميع المال بالعصيب والابنة تعطيها نصف المال بالقسمة والنصف الباقي نعطيها بالرحم، وهذا كما نقول في ابنة وأب أن للأب السدس بالتسمية والثلث الباقي يحوزه بالتعصيب فلا يجب أن ينكر لهذا قولنا في الرد على أن الذكر والأنثى يستويان في بعض المواضع وإن اختلت علة ما يأخذه كل واحد منهما وذلك في زوج وأخ للزوج النصف وللأخ النصف ولو كان بدله أخت لكان نصيبها أيضاً النصف وللأخ النصف ولو كان بدله أخت لكان نصيبها أيضاً النصف فقد استويا فلا يمتنع ا، يستويا في الحال التي ذكرنا ووجه تخصيصاً في المسألة الزوجين عن سائر ذوي السهام أنَّه لا يرث عليهما إلاَّ أن يكون لهما رحم فإذا لم يكن رحم كان ما فضل عنهما لذوي الأرحام وهذا مالا خلاف فيه.
مسألة(119/6)


قال: وتوريث ذوي الأرحام على التنزيل يجعل لهم من الإرث ما يكن لمن يمتون به لو كانوا أحياء اختلفت العلماء في ذلك فذهب أبو حنيفة وأصحابه غير الحسن بن زياد إلى أن الميراث للأقرب واعتبر ما يعتبر في العصبات وجعل أولاد أولاد الميت أولى بالإرث من أولاد أبي الميت وجعل أولاد أولاد أبي الميت أولى من أولاد أولا جد الميت، وذهب الحسن بن زياد والثوري وأبو نعيم والحسن بن صالح وأبو عيد وإسحاق ويحيى ابن آدم إلى القول بالتنزيل وهو توريث ذي الرحم نصيب من يدلي به إلاَّ أن القائلين بتوريث ذوي الأرحام من الصحابة هو علي وابن وعمر وغيره أجمعوا على أ، من مات وترك عمته وخالته أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث وتابعهم على ذلك جميع العلماء القائلين بتوريثهم الأثي عن بشر بن غياث أنَّه جعل المال للعمة دون الخالة وهو خلاف الإجماع فليس يخلوا من أن يكون الصحابة راعوا في ذلك القرب أو أعطوا كل واحد منهما نصيب من أدلت به على التنزيل وقد علمنا أنهم لم يراعوا القرب؛ لأن قربهما قرب واحد لأن العمة أخت أب والخالة أخت الأم، فلو كانوا اعتبروا القرب لقالوا: إن المال بينهما نصفان، ألا ترى أن الدتين أم الأم وأم الأب لما روعي فيهما جعل السدس بينهما نصفين لاستوائهما في القرب فإذا بطل أن يكونوا راعوا القرب في العمة والخالة ثبت انهم راعوا التنزيل فأعطوا كل واحدة منهما نصيب من أدلت به فثبت أن القول بالتنزيل إجماع القائلين من الصحابة بتوريث ذوي الأرحام، وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه قال: (ابنة الأخ بمنزلة الأخ وابنة الأخت بمنزلة الأخت وهذا هو التنبيه على القول بالتنزيل وإن شلت القياس في العمة والخالة فقلت لما ثبت أن للعمة نصيب الأب وللخالة نصيب الأم بالإجماع وجب ا، يكون لكل ذي رحم نصيب م يمت به إلى الميت قياساً على العمة والخالة بعلة أنه ذوا رحم، وأيضاً وجدنا ذوي الأرحام ليس لهم سهام مذكورة في كتاب(119/7)

37 / 122
ع
En
A+
A-