قال: ثُمَّ الأخ لأب وأم ثُمَّ الأخ لأب ثُمَّ أبو الأخ لأب وأم ثُمَّ ابن الأخ لأب وإن سفل؛ وهذه الجملة مما لا خلاف فيها لأن الأخ لأب وأم اقرب إلى الميت من الأخ لأب لأنَّه ثبت إليه بوجهين وأم التعصيب موضوع على القرب فلا يرث إلاَّ بعد مع الأقرب لا خلاف فيه والأخ لأب أقرب من ابن الأخ لأب وأم؛ لأنَّه يمت إلى الميت بأنه هو الذي هو أخو الميت من أخيه لأبيه وأمه لا خلاف فيه فصار من بدلي به أقرب ممن يدلي بأخيه وأما ابن الأخ لأب وأم فهو أقرب بعد الأخ لأب لأنَّه يمت إليه بالأخ لأب وأخ، بعده ابن الأخ لأب للوجه الذي بيناه وكذلك إن سفلوا كانوا أولى ممن لم يلدهم أبو الميت لأن العصبة من أولاد الأب يحجبون العصبة من أولاد الجد للوجه الذي بيناه، ألا ترى أن العصبة من أولاد البينين يحجبون العصبة من أولاد الأب لما كان الابن أقوى حالاً من الأب، كذلك أولاد الأب أقوى حالاً من الجد.
مسألة
قال: ثُمَّ العم لأب وأم ثُمَّ العم لأب ثُمَّ ابن العم لأب وأم ثُمَّ ابن العم لأب وإن بعد؛ وهذا أيضاً لا خلاف فيه لأن أولاد الجد أقرب إلى الميت من أولاد أبي الجد كما كان أولاد الأب أقرب من أولاد الجد والكلام في ترتيبهم هو ما مضى، قال: ثُمَّ عم الأب لأب وأم ثُمَّ عم الأب لأب ثُمَّ بنوهم على هذا الترتيب؛ وهذا أيضاً لا خلاف فيه لما بيناه من الووه في المسائل إلى تقدمته في أحوال العصبات، ألا ترى أن عم الأب هو ابن أبي الجد وأبوا الجد هو أقرب إلى الميت من جد الجد.
مسألة(118/2)


قال: ثُمَّ مولى العتاقة وهو أبعد العصبات اختلفت الصحابة في المولى فروي عن علي عليه السلام أنَّه جعله بمنزلة العصبة رواه عنه محمد بن منصور وغيره، وروي ذلك عن زي بن ثابت وبه قال أكثر الفقهاء نحو أبي حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والشافعي، وروي عن عمر وابن مسعود أنهما ورثا ذوي الأرحام دون المولى من الميت، وروي هذا القول عن علي عليه السلام إلاَّ أن الصَّحيح عنه ما رويناه أولاً وهذا محمول على أنه يجوز أن يكون أراد به مولى الموالاة لما نذكره، وروى محمد بن منصور بإسناده عن أبي خالد، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: (مات مولى لعلي عليه السلام وترك ابنة له فأعطاها النصف وأخذ النصف)، ذكر ذلك لأبي جعفر فقال: هذا القول، وروى أيضاً محمد بن منصور بإسناده عن محمد بن عبد الله بن الحسن في مولى وابنه للابنة النصف وما بقي فللمولى، ورواه أيضاً عن جعفر بن محمد من طرق شتى وحكاه عن أحمد بن عيسى، والأصل فيه ما رواه شداد بن أطاد؛ أن ابنة حمزة اعتقدت مولى لها فمات وترك ابنة فورث ابنته النصف وورث ابنة حمزة النصف من تركته، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <الولاء لحمه كلحمة النسب لا تباع ولا توهب>، فجعله في حكم النسف فوجب أن يرث به على أنه لا خلاف في أنَّه يرث إذا لم يكن للميت نسب فلا يخلو إرثه من أن يكون من جهة التسمية أو الرحم أو التعصيب؛ لأن شيئاً من المواريث بالنصب لا يستحق إلاَّ من هذه الوجوه الثلاثة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: < الولاء لحمة كلحمة النسب>، لا خلاف أنَّه لا تسمية له وأنه لا رحم له فثبت أن من يرث من جهة التعصيب فإذا ثبت ذلك وجب أن يعطي ما فضل عن ذوي السهام لقوله ألحقوا المال بالفرائض فما أبقت السهام فلأولي عصبة ذكر على أنه لا خلاف أنَّه يجري مجرى العصبات في التزويج وعقل الجنات وأن ذوي الأرحام لاحظ لهم في واحد منها فثبت أن له التعصيب وأن شئت حددت القياس فيه فقلت(118/3)


لما كان له التزويج والعقل وجب أن يكون عصبة في الإرث كالعم ويمكن أن يحترز زم مولى الموالاة بأن يقال سبب جعله الشرع نسباً على أني لا أحفظ خلافاً في أن المعتق إذا مات وخلف ابن مولاه وابنته لا وارث له غيرهما أن الميراث لابن مولاه دون ابنته فثبت أنَّه يرث من جهة التعصيب؛ لأن الأنثى إذا كان في منزلة الذكر لمردود [يسقط] الذكر إلاَّ في التعصيب فثبت أنه عصبة وإذا ثبت أنَّه عصبة صار أولى من ذوي الأرحام ومن ذوي السهام بعد السهام كسائر العصبات.
فإن قيل: قد قال الله تعالى: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، فدَل ذلك أنَّهم أولى من الموالي.
قيل له: الشرع قد جعل الولي بمنزلة الرحم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: <الولاء لحمة كلحمة النسب>، وروي أن الآية نزلت حين كان لا يورث من لم يهاجر ممن هاجر فنسخ ذلك ويحتمل أن يكون المراد بذلك إذا لم يكن للميت عصبة ولا ذو سهم فيكون ذوو الأرحام أولى من سائر المسلمين خلافاً لما ذهب إليه زيد وتابعه عليه مالك والشافعي وهو الأولى أن تحمل الآية عليه ويحتمل أن يكون المراد به النصرة.
فإن قيل: روي عن عائشة أن مولى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مات وترك مالاً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <هاهنا أحد من قرابته؟ قالوا: نعم، فأعطاه ميراثه>.
قيل له: الحديث يحتمل وجهين:
أحدهما ـ أن القريب جائز أن يكون عصبة.
والثاني ـ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجوز أثره لما كان هو حقه من المال إحساناً منه وتفضلاً بت.
مسألة
قال: ومولى الموالاة لا يرث ما وجد وأحد من ذوي الأنساب؛ فهذا ما لا أحفظ فيه خلافاً إلاَّ شيئاً يحكى عن ابن بشر بن غياث أنَّه كان يجعله بمنزلة العصبة ويقدمه على ذوي الأرحام والإجماع يحجه ولا سائر ما دل على أن موالي العتاق أولى من ذوي الأرحام، لا يدل على ذلك ولأنه غير محفوظ عن أحد م الصحابة.(118/4)


باب القول في ميراث ذوي الأرحام
إذا مات الرجل وخلف ذوي الأرحام ولم يخلف أحداً من العصبة ولا ذوي السهام خلا الزوجين كان الإري لذوي الأرحام، اختلفت الصحابة والعلماء بعدهم في توريث ذوي الأرحام إذا لم يكن عصبة ولا ذو سهام؛ فذهب علي وعبد الله بن مسعود وأبو الدرد إلى توريثهم، وذهب زيد بن ثابت إلى أنهم لا يرثون، وأن المال لبيت المال، واختلفت الراوية عن عمر في ذلك؛ فذهب عامة علماء أهل البيت إلى توريثهم وإلى القول بالرد غير القاسم بن إبراهيم عليه السلام فإنه لم يورثهم ولا رد وجعل المال لبيت المال، وأكثر علماء التابعين قالوا: بتوريثهم والرد كالشعبي ومسروق ومحمد بن الحنيفة وإبراهيم وغيرهم، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح وأبو نعيم ضرار بن صرد ويحيى بن آدم وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه والحسن بن زباد، وقال مالك والشافعي وأبو ثور بقول زيد بن ثابت، وبه قال الزهري ومكحول.(119/1)


واعلم: أن الخلاف في توريث ذوي الأرحام والرد على ذوي السهام على وجه واحد؛ لأن واحداً من العلماء لم يفصل بينهما؛ لأن كل م قال بتوريث ذوي الأرحام قال بالرد وكل من منع توريث ذوي الأرحام منع الرد فأيهما ثبت ثبت الآخر وأيهما بطل بطل الآخر؛ لإجماع الأمة على أن حكما حكم واحد والحجة لتوريث ذوي الأرحام قول الله عز وجل: {وَأُلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}، فوجب بظاهر الآية أن يكون بعضهم أولى ببعض في أفاضل المال من سائر المسلمين وليس لهم أن يخصوا فيجعلوه في غير الإرث؛ لأنَّه تخصيص لا دليل معه ويعل على ذلك قول الله تعالى: {لِلْرِّجَالِ نَصِيْبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ}...الآية، فدل ذلك على توريث ذوي الأرحام، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة من الصحابة منهم عمر وعائشة والمقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: <الخال وارث من لا وارث له>، فصرح بأن الخال وارث.
فإن قيل: قوله: لا وارث له؛ نفي أن يكون وارثاً.(119/2)

36 / 122
ع
En
A+
A-