قال: وهو للأقرب فالأقرب منهن، والمراد بالمسألة الأولى إذا استوين في القرب؛ فأما إذا اختلفن فهو للأقرب، وهذا قول علي عليه السلام، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وروي عن عبدالله أنَّه كان يشرك بينهما، وروي أيضاً عن زيد بن ثابت التشريك بينهما، وروي عنه أن أم الأم إن كانت هي أقرب فهي أولى بالسدس، وإن كانت أم الأب أقرب من أم الأم فإنهما يشتركان فيه، ووجه ما ذهبنا إليه أنا وجدنا الأم تحجب أمها وأم الأب لا خلاف فيه؛ لأنها أقرب إلى الميت وهي ذات سهم فكذلك القرباء تحجب البعداء؛ لأنها أقرب إلى الميت وهي ذات سهم، وهكذا لا خلاف أن بنات الصلب يحجبن بنات الابن لقربهن فصرن أولى بالسهم، فكذلك الجدات؛ والعلة قربهن من الميت، وحكي عن مالك وعدة أنَّه لا يرث من الجدات إلاَّ الأم وأم الأب وإنهن لا يرثن إذا بعدن، وروي عن سعد بن أبي وقاص أنَّه بلغه أن عبد الله ورث ثلاث جدات فقال: هلاّ ورثت حوّى؟ وهذه غفلة من سعد عظيمة؛ كيف يورث من مات قبل الموروث! وهذا فاسد للأثر الذي مضى؛ ولأن بنات الابن يقمن مقام البنات.
مسألة
قال: ولا يحجبهن إلاَّ الأمهات؛ وهذا مالا خلاف فيه على ما مضى، قال: وتحجب الأب الجد أم الأم وقد أختلف فيه؛ فذهب علي عليه السلام إلى أن الأب يحجب أمه، وروي عن عمر و عبد الله وعمران بن حصين أنهم ورثوا الجدة مع ابنها، وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام ما حكيناه عنه وجه قولنا: أن الأب لا خلاف أنَّه يحجب أباه وكذلك يجب أن تحجب الأم أمها، والعلة أنها أحد أبويه ويكشف ذلك أن الجدة ليست أقوى حالاً من الجد؛ لأن الجد يجوز المال بالتعصيب ويسقط الأخوة ن الأم ويقاسم سائر الأخوة ولا يقاسم سدسه غيره وليس شيء من ذلك للجدة فلما لم تكن الجدة أقوى حالاً من الجد بل كان الجد أقوى حالاً منها وجب أن يكون الأب يحجبها كما يحجب الجد.
فإن قيل: الجدة تأخذ سهم الأم والأم لا تسقط مع الأب.(117/10)
قيل له: لسنا نسلم أنا نأخذ سهم الأم، ألا ترى أنَّه لو ترك أبياه وجدته لم يكن للجدة الثلث كما أن للأم معه الثلث وإنما تصير محجوبة بالأم وليس من صار محجوباً بغيره يكون سهمه سهم ذلك الغير؛ ويدل على ذلك أنا وجدنا الابن يحجب ابنته كما يحجب ابنه لما كان أدلاء وهم به أدلاء واحداً ولم تفصل بينهما الذكور والأنوثة فكذلك الجد؛ لأن أدلاءها بالأب كإدلاء الجد حتى أنَّه لا فاصل بينهما إلاَّ الذكور والأنوثة، ويمكن أن يقال أن الابن لما حجب ابنته وجب أن يحجب الأب أمه؛ والعلة أنها أدلت إلى الميت بعصبة فمن كان أدلاؤه إلى الميت بعصبة فيجب أن يحجبه م كان أدلاؤه به، وروي عن ابن عباس؛ أن الجدة بمنزلة الأم إذا لم تكن أم كما أن الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن أب وهذا فاسد؛ لأن الجد قد ثبت أنَّه لا يقوم مقام الأب فكيف بما هو فرع عليه.
مسألة(117/11)
قال: وكل جدة أدرجت إما بين أمين فهي ساقطة؛ إلاَّ في ذوي الأرحام الأولى هي أم أبي الأب أم أبي الميت، ألا ترى أن بينها وبين أبي الميت أنثى والثانية أم أبي الميت، ألا ترى أن بينهما وبين أم الميت ذكر وهذا مما لا أحفظ فيه خلافاً بين الفقهاء كأبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك وغيرهم، إنَّما ذكر فيه الخلاف بين الصحابة فروي عن عبدالله بن مسعود؛ أنَّه كان يورث أم أبي الأم مع سائر الجدات، وروي عنه أنَّه كان لا يورثها فاختلفت عنه الرواية، وروي عن ابن عباس أنَّه كان يورثها، وكذلك روي عن جابر بن زيد وقول علي: لا يرث وبه قال زيد بن ثابت، وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه قال: (لا ترث الجدة أم أبي الأم شيئاً)، والمراد بذلك إلاَّ في ذوي الأرحام؛ لأنها لا شك فيهم والوجه في ذلك أن الذين يدلون بهم لا يرثون بالسهم ولا بالتعصب إنَّما يرثونه بالرحم عند من يرى ذلك فوجب أن يكون من يدلي بهم لا يرث إلاَّ في ذوي الأرحام يؤكد ذلك أنا وجدنا أصول الفرائض مبنية على م يدل إلى الميت تقريب لا يجوز أن يكون أؤكد حالاً ممن يدلي به، فإذا كان أبو الأم لا تعصيب له ولا ميراث إلاَّ بالرحم فيحب أن لا يكون حال أمه أؤكد من حاله وليس كذلك حال الجدات الثلاث لأنهن يدلين بن له التعصيب أو السهم فلا يمتنع السهم.
فإن قيل: أليس الأخوة من الأم يحجبون الأم عن الثلث وإن كان أدلاؤهم بها فدل ذلك على أنهم أؤكد حالاً منها؟(117/12)
قيل له: هذا غلط وذلك أن الأم أؤكد حالاً نهم، ألا ترى أن الأم لا تسقط في حال وأنه يسقطهم من لا يحط الأم عن الثلث إلى السدس كالأب والجد وحطهم لها عن الثلث إلى السدس لا يدل على تأكد حالهم، ألا ترى أنَّه لا يحطها الأب والجد عن الثلث ولا الأخ من الأب والأم ولا أحد من الأخوة نفرداً فصح، قلنا: أن من أدلى بقريب لا يجوز أن يكون أؤكد حالاً ممن أدلى به والحجب قد يكون لا لقوة إذا لم ينتفع الحاجب بحجبه.(117/13)
باب القول في العصبة
أقرب العصبة الابن ثُمَّ ابن الابن وإن سفل؛ وهذا مما لا خلاف فيه؛ لأن الأب يزول معهم بعصبة ويعود ذا سهم كالجد لقوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُس}.
مسألة
قال: ثُمَّ الأب ثُمَّ الجد أب الأب وإن علا، وأما الجد والأخ فقد الأب فلا خلاف أنَّه أقرب العصبات تعد الابن؛ لأنَّه يسقط سائر العصبات ولأنهم جميعاً يدلون به فصار أولاهم جميعاً بعد البنين وبني البنين. وأما الجد والأخ فقد اختلف فيهما فمن جعل الجد بمنزلة الأب وأسقط به الأخوة فإنه يجعله أقرب العصبات، وأما نحن فنقول أنهما يشتركان يعني الأخ والجد وإنما نريد بقولنا أنَّه أقرب أنَّه لا يسقط بحال إلاَّ مع الأب وتحصل له مزية على الأخوة إذا صارت المقاسمة شراً له من السدس فيأخذ السدس فلهاتين المزيتين، قلنا أنَّه أقرب العصبات بعد الأب.
فإن قيل: عودة ذا سهم لا يدل على القوة ألا ترى أن الأب يعود ذا سهم مع الابن ولا يدلك ذلك على قوته على الابن.
قيل له: له الوارث يعود ذا سهم لقوته تارة ويعود ذا سهم لضعفه تارة والجد مع الأخوة عاد ذا سهم لقوته، ألا ترى أنَّه قائم حين كانت المقاسمة خيراً له من السدس دليل ذلك الأب؛ لأنَّه لم يقاسم البنين بتة، وفي الجملة قد دللنا على صحة ما ذهبنا في هذا الباب وإنما نحن في تأويل أطلقها أصحابنا، قلنا: إن تناولها على أي وجه وليس فيه مشاحنة إذ ليس في العبارة مشاحنة بعد الإبانة عن الغر والغر ما بيناه.
مسألة(118/1)