قال: والأخوة والأخوات من الأم يحجبهم أربعة: الولد وولد الابن والأب والجد أب الأب، وهذا مما أجمع عليه الصحابة، ولا خلاف فيه إلاَّ ما كان يذهب إليه الناصر من أن الجد لا يسقط الأخوة من الأم؛ لأنَّه يجري الجد مجرى الأخوة سواء؛ لا يجعل له عليهم مزية، وإجماع الصحابة على ما ذكرنا يحجبه ويبطل قوله، وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه كان لا يورث أخاً لأم مع جد، قال: ولا يفضل ذكر أنهم على إناثهم للواحد منهم السدس والاثنين السدسان، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، وهذا مما لا خلاف فيه لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ}..الآية. تمت والله أعلم وأحكم بالصواب.(116/2)


باب القول في فرائض الجد والجدات
الجد لا يحجبه إلاَّ الأب وهو يقاسم الأخوة والأخوات إذا كانوا لأب وأم أو كانوا لأب ما لم تكن المقاسمة شراً له من السدس، لا خلاف أن الأم تحجبه لأنَّه يدلي بالأب وكل عصبة تدلي بغيره فإنه يحجبه من يكون أولا به، وأما مقاسمة الأخوة فقد اختلفت الصحابة والعلماء بعدهم فيها، فروي عن أبي بكر وابن عباس وابن الزبير وعائشة معاذ بن جبل وغيرهم من الصحابة أنهم جعلوه بمنزلة الأب واسقطوا الأخوة معه، وحكي ذلك عن الحر البصري وغيرهم من الصحابة إلاَّ أن المشهور الذين اعتمده العلماء من قول علي وعبد الله وزيد أنهم كانوا يقاسمون بينه وبين الأخوة ثُمَّ اختلفوا في كيفية المقاسمة على ما نبينه وذهب ابن أبي ليلى والحر بن زياد والحسن بن صالح إلى قول علي عليه السلام المشهور عنه وهو الذي به نأخذ، وذهب أهل المدينة والثوري وزفر وأبو يوسف ومحمد والشافعي إلى قول زيد المشهور وسنبينه من بعد، والذي يدل على أن الأخوة لا يسقطون مع الجد قول الله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}، فأوجب الميراث بشرط عدم الولد فمتى م يكن معه للميت ولد فلا يجب أن يحرم الميراث إلاَّ حيث خصه الدليل؛ وهو إذا كان للميت ولد ولولا دليل الإجماع لكان حكم الظاهر يوجب إلاَّ تسقط مع الأب أيضاً ومما يدل على ذلك أن الأخوة قياس البنين بعلة أنهم يعصبون الإناث إذا كن معهم في درجتهم؛ فوجب أن لا يسقطهم الجد قياساً على البنين وهذا الوصف أقوى أحوال العصبة، وإذا حصل للأخوة أقوى أحال العصبة فلا يجب أن يسقطهم الجد، ومما يدل على ذلك أنا وجدنا الجد وإن كان له أولاد فإن حاله يضعف عن حال الوالد بدلالة أنَّه يسقط معه وليس له شيء من الولالة [الولاية] مع الأب فوجب ألا يسقط الأخوة كالأم؛ لأنها وإن كان لها أولاد فإن حالها لما ضعفت عن حال الأب لم تسقط الأخوة فكذلك الجد.(117/1)


فإن قيل: اسم الجد [الأب] يتناول الجد لقول الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيْكُمْ إِبْرَاهِيْم}، وقد قال الله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث}، فلما تناولة اسم الأب وجب له بالآية الثلثان مع الأم من غير أخوة وإذا كان معه أخوة وجب له خمسة أسداس المال.
قيل له: ليس يخلو هذا الإستدلال من أن يكون بالظاهر أو بالقياس، فإن ادعوا أنَّه بالظاهر فليس في الظاهر أن تلو ما يوجب أن خمسة أسداس المال للأب دون الأخوة، وإنما عرفنا ذلك بالإجماع؛ لأنَّه تعالى نص على سهم الأم ولم ينص على سهم الأب لا مع وجود الأخوة ولامع عدمهم وقد كان جائزاً لولا الإجماع أن تكون الخمسة الأسداس الفاضلة عن الأم بين الأب والأخوة لولا الدليل وليس هاهنا ظاهر سوى الآية توجب إسقاط مع الأب فيدخل الجد بحتة؛ فسقط تعليقهم بالظاهر على أنَّه لو كان ههمنا [فهما] ظاهر يوجب ذلك لكان لا يوجب إدخال الجد تحته إلاَّ بالدليل؛ لأن اسم الأب يتناول الجد على سبيل المجاز؛ لأن الأب يختص الوالد على التحقيق كما أن الجد اسم يختص أبا الأب على التحقيق، على أن مذهب أصحاب أبي حنيفة أن للفظة الواحدة لا يجوز أن يراد بها المجاز والحقيقة فلا يجوز على هذا عندهم أن يدخل الجد تحت سمة الأب لا بالدليل ولا بغير دليل فوضح سقوط التعلق بالظاهر وإن كان التعلق بالقياس بعلة جديان اسم لأب عليه فهو منتقض بالعم؛ لأن الله عز وجل حكى عن أن أولاد يعقوب أنهم قالوا: {نَعْبُدُ إِلاَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِسْمَاعِيْل وَإِسْحَاق}، فسمى إسماعيل أباً وإن كان عم يعقوب صلى الله عليه، وينتقض أيضاً بالأب القائل: أو لأب العبد والأب المشترك لأن اسم الأب يجري على جميعهم.
فإن قيل: الأب له ولاء وتعصيب فأسقط الأخوة فوجب أن يسقطهم الجد؛ لأن له أيضاً ولاء وتعصيب.(117/2)


قيل له: الأب لم يسقطهم .... فيبان أن الإعتبار ليس هو بالولاء وإنما هو بقولة التعصيب على أن الأب إنَّما اسقط الأخوة؛ لأنهم به يدلون كما الجد لأن به يدلي والأخوة لم يدلوا بالجد فلم يجب أن يسقطهم الجد ولهم وجوه يقيسون بها الجد على الأب بمعان يذكرونها كلها لا تثبت عند التحصيل؛ لأن العلة الموجبة لإسقاط الأخوة إنَّما هي قوة تعصيبه وقد بينا أن حال الجد يضعف عن حل الأب أو يسقطهم الأب؛ لأنهم به يدلون وليس يدلون بالجد فهذه جملة الكلام على أكثر ما يوردونه في هذا الباب على أنا ودنا الأخ والجد جميعاً يدليان بالأب فقط فوجب أن لا يسقط أحدهما الآخر كالأخوة من الأب والأم يدلون مع الأب بالأم فصارت لهم مزية على أنهما وإن كانا جميعاًً يدليان بالأقرب فالأخ أقرب إلى الأب من الجد لأن الأخ ابنه والجد أبوه فأقل رتبة الأخ أن لا يسقطه الجد.
فإن قيل: الجد يسقط الأخوة من الأم كالأب والابن.
قيل له: نحن قد بينا أن الموجب لإسقاط إنَّما هو التعصيب في الابن والأب وفي الأب مع ذلك أدلاؤهم به وقد علمنا أن إسقاط الأخوة للأم لا يوجب تلك القوة لأن الابنة أيضاً تسقط الأخوة لأب وأم.
واعلم: أن الصحابة رضي الله عنهم اعتروا في هذا الباب مزايا الجد ومزايا الأخ فوجدوا للجد مزايا لم يجدوها للأخ ورأوا للأخ مزايا لا [لم] يجدوها للجد فلم يروا إسقاط بعضهم ببعض وشركوا بينهما في الميراث.
فمن تلك المزايا: أن الجد يلي كما يلي الأب والأخ لا يلي.
ومنها أن الجد لا يسقط مع الابن والأخ يسقط معه.
ومنها ـ أنَّه أب الأب فله قوة الأب مع عدم الأب كما أن ابن الابن له قوة الابن مع عدم الابن.
ومنها ـ أن له أولاداً وليس للأخ أولاد.
ومنها ـ أن اسم الأب يجري عليه.
ومنها ـ أن الأخوة من الأم يسقطهم الجد.
وأما الأخ فمزاياه من وجوه: منها ـ أن قوته قوة البينين في أنهم يعصبون الإناث وهذا أقوى حال التعصيب لأنها حالة البنين الذين هم أقوى العصبات.(117/3)


ومنها ـ أن ميراثهم مذكور في الكتاب، أعني الأخوة وليس كذلك الجد.
ومنها ـ أنهم جميعاً يدلون بالأب والأخوة أقرب إلى الأب لأنهم بنوه والجد أبوه.
ومنها ـ أنهم أقرب إلى الميت من الجد لأن الأب يجمعهم أو الأب مع الأم وإلى هذا الوجه ذهب أمير المؤمنين عليه السلام وزيد بن ثابت فيما روي أن عليّا شبهه بالمسيل فقال: إن مثله مثل مسيل ينشأ منه نهر ثُمَّ ينشق من ذلك النهر نهران فأح النهرين إلى أنهر الثاني أقرب منه إلى المسيل الذي هو الأصل، وشبهه بالشرة فقال: مثله مثل الشجرة لها غصن ثمر خرج من الغصن غصنان فأحد الغصنين إلى الغصن الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة والله أعلم كيف كانت الحكاية أكانت بهذا اللفظ أو غيره؛ ولكنها ترجع في المعنى إلى نحو ما ذكرنا.
وأعلم أن: قوة التعصيب تراعى من وجهين:
أحدهما ـ أن يعصب الذكر الأنثى وهذا أقوى وجوه التعصيب وهو قوة الابن بين ذلك أن من ضعف العصبة لا يعصب أخيه كالعم وابن العم وابن الأخ.
والثاني ـ أن يعود ذا سهم لئلا يسقط وهذا هو قوة الأب الذي هو دون الابن في التعصيب، ألا ترى أن الذين ضعف تعصيبهم كالعم وابن العم ليس لهما واحدة ن هاتين القوتين ثمر وجدنا قوة تعصيب الأبناء آكد من قوة عودة ذا سهم فوجب أن يكون الأخ أقوى بحصول هذه القوة له.
مسألة(117/4)

33 / 122
ع
En
A+
A-