قال: وإذا اشترك جماعة في قتل رجل خطأ لزمت الجميع دية واحدة يشتركون فيها، وهذا ما لا خلاف فيه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في النفس مائة من الإبل، فإاذ كانت الجناية واقعة من الجماعة كان الغرم على الجماعة>.
مسالة
قال: وإذا اشتركوا في قتله عمداً واختار أولياء الدم الدية لزمت كل واحد منهم دية دية، وهذا مما لا أحفظه عن أحد من العلماء سواه، فإن كان خلاف الإجماع فهو فاسد ويجوز أن يكون عرف يحى بن الحسين فيه قولاً لغيره ولم يقع البنا، ووجهه أن ولي الدم عنده بالخيار بين أن يأخذ دية المقتول وبين أن يستقيد، وهذه المسألة تدل على أن له أن يأخذ دية من يلزمه القود، فإن شاء أخذ القود وإن شاء أخذ دية من لزمه القود، فإذا ثبت ذلك ولزم القود جماعة كان له أن يأخذ دية كل واحد منهم لأنها عوض عن دمه.
فإن قيل: فلم جعلتم لولي الدم الخيار الثالث.
قيل له: لأنَّه قد استحق دماؤهم وله العدول عنها إلى الما، فوجب أن يكون له العدول إلى المال الذي هو بدل تلك الدماء..
مسألة
فإذا قتل رجل وصبي عمداً قتل الرجل به ولزم عاقلة الصبي دية جنايته، قال أبو حنيفة: قصاص على العامد وهو أحد قولي الشافعي، ودليلنا قول الله عز وجل: {كُتِبَ عَلِيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقوله عز وجل: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} فأوجب القصاص فيمن اختلفنا فيه، وأيضاً هو قاتلٌ عمدٌ فوجب أن يلزمه القصاص، دليله لو انفرد أو شاركه مثله يبين ذلك أن مسلماً وذمياً لو اشتركا في مال يجب فيه الزكاة لزمت الزكاة المسلم دون الذمي ولم يكن سقوطها عن شريكه الذمي موجباً لسقوطها عنه، فبان أن المشتركين في الشيء لا يغير أحد الشريكين حكم صاحبه فيما له وعليه.
فإن قيل: قتل العامد يبيح نفسه، وقتل الصبي لا يبيح نفسه بل يبقى على الحظر والحظر والإباحة إذا اجتمعا كان الخطر أولى فوجب أن تكون نفس العامد أيضاً محظورة.(110/26)
قيل له: ها هنا الخطر والإباحة لم يجتمعا في شيء واحد وإنما اجتمعا في نفسين فيبقى المحظور على حظره والمباح على إباحته، وإنما يجب التغليب إذا اجتمعا في شيء واحد، قال أيده الله: ادعى أصحاب أبي حنيفة الإجماع على أن المخطئ والعامد إذا اجتمعا في قتل فلا قول على القاتل العامد، ويجب أن ننظر في هذا الإجماع، فإن كان الأمر على ما ادعوا واستقر هذا الاجماع فالمسألة قوية وإن لم يكن ما ادعوه على ما ادعوه، فوجه المسألة على ما ذكرناه أولاً، وفهي نظرٌ، وقلنا نصف الدية على عاقلة الصبي؛ لأن عمد الصبي خطأ، وأحد قولي الشافعي إن عمده عمدٌ وذلك لا معنى له؛ لأنا إنَّما نريد أنَّه في الحكم كذلك لأنا نريد أن الصبي لا قصد له فإن القصد أيضاً قد يكون للجنون، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: <رفع القالم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق والنائم حتى ينتبه>.
مسألة
قال: ولو أن رجلين تواثبا بالسلاح فقتل أحدهما صاحبه وأصابه من المقتول ضربات أذهبت عينه وقطعن أنفسه ويديه، كان ورثة المقتول بالخيار إن شاؤوا قتلوا القاتل وأعطوا دية عينه وأنفه ويديه وإن شاؤوا تركوا القاتل وحاسبوه وهذا يبني على أن لولي الدم الخيار بين القتل وأخذ الدية وسنبين الكلام فيه فيما بعد، فإذا ثبت ذلك فوجب المسألة إن كل واحد منهما قد جنى على صاحبه فيجب أن يقع استيفاء توجب الجناية من الجهين ويجب ما لزم للقاتل المقتول في مال المقتول إن كان له مال وإلا كان هدراً كمن يمون مفلساً وقد قتل قتيلاً عمدا أو شجة آمة أو جرحه جائفة عمداً؛ لان الذي يجب في ماله وقد مات مفلساً لا مال له فيكون هدراً. تم والله أعلم وأحكم بالصواب.
باب القول في تحديد الدية وكيفية أخذها(110/27)
الدية مائة من الإبل في أصحاب الإبل وألفا شاه في أصحاب الشاء ومأتا بقرة في أصحاب البقر وألف دينار في أصحاب الدنانير عشرة آلاف درهم في أصحاب الدراهم، وبه قال أبو يوسف ومحمد وزادا مأتي حلة في أصحاب الحلل، قال أبو حنيفة: ثلاثة في الإبل والدراهم والدنانير والدراهم عندهم جميعاً عشرة آلاف كما قلناه وأحد قولي الشافعي، الأصل الإبل فإن أعوزت الإبل على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الفضة اثنى عشر ألف درهم، وقوله الثاني إذا اعوزت الإبل ففيها قيمتها بالغة ما بلغت،وقال القاسم: الدية في الإبل وما عداها صلح، والصل فيه ما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عهلي السلام أنَّه قال في النفس في قتل الخطأ من الورق عشرة آلاف درهم، من الذهب ألف مثاق ومن الإبل مائة بغير ربع جذاع وربع حقاق وربع بنات لبون وربع بنات مخاض وابن الغنم وألفا شاة ومن البقر مأتا بقرة ومن الحلل مائتا حلة يمانية، وروى أن عمر جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف والبقر في أهل البقر والشافعي أهل الشاء والحلل في اهل الحلل على نحو ما رويناه عن علي عليه السلام وما كان من عمر في هذا الباب كان بمشهد من الصحابة ولم يزو عن أحد منهم أنَّه أنكره فصار ذلك إجماعاً منهم وإذا ثبت ذلك فليس يخلوا ما قاله علي عليه السلام وعمر من ذلك من أحد وجوه ثلاثة، إما أن يكون قالاه على سبيل المراضاة أو على سبيل لتقويم أو من جهة التوقيف ولا يجوز ألأول؛ لأن ذلك لو كان لنقل وجعل شرطاً فيما ذكر؛ لأن خصمين وأن تراضيا به لم يلزم ذلك سائر الخصوم فكان يجب أن يذكر التراي على سبيل الشرط فيه، فإذا لم يذكر ذلك ولم ينقل بطل ذلك ولا يجوز أن يكونا قالاه على سبيل المراضاه أو على سبيل التقويم أو من جهة التوقيف ولا يجوز الأول؛ لأن ذلك لو كان لنقل وجعل شرطاً فيما ذكر؛ لأن خصمين وإن تراضيا به لم يلزم ذلك سائر الخصوم، فكان يجب أن يذكر التراضي(110/28)
على سبيل الشرط فيه، وإذا لم يذكر ذلك ولم ينقل بطل ذلك ولا يجوز أن يكونا قالاه على سبيل التقويم لوجهين أحدهما أن الأشياء لا تقوم بالشاء والبقر والحلل والثاني أن التقويم يختلف بحسب الأزمان والأحوال ولا يجب أن يحمل لناس إلى آخر الدهر على تقويم زمان مخصوص، ألا ترى أن كل من رأى التقويم في الصدقات يجعل التقويم بحسب الأزمان والأحوال فصح بما بيَّناه أنهما لم يتولا ذلك على سبيل التقويم.
فإن قيل: في الوجه الأول لهذه العلة قال أبو حنيفة إن الدية ثلاث الإبل والدراهم والدنانير؛ لأنها لا تقوم إلاَّ بالدراهم والدنانير.
قيل له: النقل ورد ي الجميع على سماء فإن بطل بعض ذلك بطل الباقي، وإذا ثبت ذلك ثبت أنهما قالا على سبيل التوقيفوأيضاً قد ثبت أن مثل هذه المادير لا بد فيها من التوقيف إذا لم تثبت المراضاة فصح ما قلناه.
فإن قيل: روي عن الزهري أنَّه قال: إن الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مائة بعير أوقية فلما كان في زمن عمر غلت الإبل ورخص الورق فجعلها اثنى عشراً ألف ومن العين ألف دينار.(110/29)
قيل له: يجوز أن يكون الزهري بلغة ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول هذه التقديرات وما فعله عمر قبل وقوع التوقيف إليه، ألا ترى أن الأمر استقر إليه في آخره، فلو كان الأمر على ما قال لوجب أن يزداد العين والورق أبداً خصوصاً الورق فإنه أبداً وخص والدينار قد بلغ عشرون درهماً والإبل أيضاً غلاؤها زائدٌ، فأما قوله أنَّه جعلها اثنى عشر ألفاً فيحتمل أن يكون أراد بوزن ستة ليوافق ذلك سائر ما رويعنه على أنَّه لا خلاف أن الورق يجب أن تكون قيمته ألف دينار على تقيوم ذلك الزمان كان أصلاً برأسه، وثبت أن الدناير على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أيام أمير المؤمنين عليه السلام يقوم بعشرة دراهم بدلالة ما روي أنَّه لا قطع إلاَّ في دينار أو عشرة دراهم وأن المجن الذي كان يقطع فيه كان يقوم علىعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدينار أو عشرة.
فإن قيل: فإن يحيى عليه السلام لم يذكر الحلل.
قيل له: لم يذكرها ولم ينكرها وقد ثبت صحة القول بها لما رواه زيد بن علي عليهما السلام عن علي علهيم السلام؛ ولأن ما دل على تقدير الدرهم والدينار والشاء والبقر، دل على تقديرها.
مسألة(110/30)