قال أيده الله: وإذا أوصى لرجلين بثلث ماله فمات أحدهما قبل موت الموصي بطلت الوصية بنصف الثلث ورجع إلى ورثة الموصي به، قال أبو حينفة وأصحابه؛ لأن الوصية لا تستقر إلاَّ بعد موت الموصي، وتكون إلى حين موته موقوفة، فإذا مات الموصي له قبل موته بطلت الوصية وفيه بيان أن اليبع الموقوف إذا مات أحد المتبايعين قبل تنفيذ البيع يجب أن يبطل.
انتهى الجزء الخامس من كتاب شرح التجريد بداية الجزء السادس كتاب الفرائض(112/37)
كتاب الفرائض
كل وارث ينتسب لا بعد وأن يكون عصبة أو ذا سهم أو ذا رحم وهذه الجملة لا خلاف فيها وأن اختلف في تفاصيلها على ما يجيء القول فيه لأن الوارث بالنسب إما أن يأخذ المال أجمع أو فاضل المال فيكون عصبة أو يأخذ السهم المسمى له فيكون ذا سهم أو يأخذ بغيره والذي يدل به إلى الميت فيكون ذا رحم.
مسألة
قال: في العصبة كل ذكر نسب إلى الميت بنفسه أو بذكر خلا الأخوات مع الأخوة أو الأخوات مع البنات ا, البنات مع البنين وبنات الابن مع بني الابن إذا كانوا في درجة واحدة فإنهن عصبات ولا خلاف في هذه الجملة إلاَّ في الأخوات مع البنات والأخوة والأخوات في هذه المسألة هم الذين هم ن الأب والأم أو من الأب؛ لأن الأخوة والأخوات من الأم لا حظ لهم في التعصيب وإنما لهم السهم المذكور والأصل فيه قول الله تعالى: {يُوصِيْكُمُ اللَّهُ فِيْ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}، وقوله تعالى في ذلك الأخوة والأخوات وإن كانوا اخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين بعد ما بين سهام البنات من الصحابة والأخوات إذا انفردت، وأما بنات الابن فأجمعوا أنهن في حكم البنات إذا لم يكن بنات ولا بنون، وأما الأخوات مع البنات فإنهن عصبات في قولنا وقول عامة الفقهاء من الصحابة وخر بعدهم ولم يحك الخلاف فيه في الصحابة إلاَّ عن ابن عباس وابن الزبير وحكى عنه الرجوع عن ذلك إلى قول ستئر تلصجتبو زجطة أمخ طتم يستذل على ذلك بقوله عز وجل أن أمر هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، قال: فلم يجعل لها النصف إلاَّ بشرط أن لا يكون له ولد والبنت ولد فيجب أن لا يكون معها للأخت شيء فيقال إن له النصف الذي في الآية هو المسمى وليس لها عنا مسمى مع الابنة وإنما لها ما بقي بحكم التعصيب وليس حكمه مستقراً من الآية على أن الدلالة إذا دلت على أنهن مع البنات عصبات على ما نبينه لم يمتنع أن يكون المراد بقوله ليس له ولد الذكر المذكور من(113/1)
الأولاد كما يقول ذلك ابن عباس في قوله عز وجل وهو يؤتها إن لم يكن لها ولد على أن الآية اقتضت أن لها النصف إذا لم يكن له ولد وليس فيها حكمها إذا كان له ولد فلا دليل فيه عليه سما إذا لم يقل بدليل الخطاب، والأصل فيه حديث هذيل بن شهرحبيل، عن ابن مسعود حين سئل عن ابنته وابنه ابن وأخت فقال: (قضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملت الثلثين وما بقي فللأخت)، وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه قال: (الأخوات مع البنات عصبة وروى الشعبي عن عمر وعبد الله ومعاذ نحوه.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: <ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي عصبة ذكر>.
قيل له: ما اختلفنا فيه مخصوص من هذا الحديث بدلالة الحديث الذي ذكرنا يبين ذلك أنَّه عند مخالفنا لو كان معها أخ كان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولم يكن للذكر خاصاً، وكذلك لو ترك أبويه وابناً وابنة كان الباقي عن السهام بين الابن والابنة؛ للذكر مثل حض الأنثيين، ولم يختص به الابن والأقرب أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الفرق بين العمد والعم وبين بنات الأخوة وبني الأخوة وبنات العم وبني العم، وممن يخالف في هذا الناصر والإمامية إلاَّ أن الكلام بيننا وبينهم ليس يختص هذا الموضع؛ لأنهم يخالفون في العصبات جملة ويجرونهم مجرى ذوي الأرحام ولا يرون لبعضهم على بعض مزية إلاَّ أن يكون أقرب نحن نبين الكلام في ذلك إذا انتهينا إليه بياناً شافياً بعون الله.
مسألة(113/2)
قال: وذو الرحم كل ذكر انتسب بأنثى إلى الميت أو أنثى انتسبت إليه بذكر أو أنثى خلا بنات الابن والأخوة والأخوات من الأم والجدات وهذا الذي ذكرناه في وصف ذي الأرحام؛ لأنَّه لا خلاف فيه وإنما الخلاف في تواريثهم وكيفية توريثهم ولا خلاف أيضاً أن صفة ذوي الأرحام بنات الابن والأخوة والأخوات من الأموال جدات صفة ذوي الأرحام إلاَّ أنهم لما نبت لهم السهام لم يكونوا من جملة ذوي الأرحام.
مسألة
قال: وذو السهم كل من له سهم مسمى من سدس أو ثلث أو نصف أو ثلثين ولم يذكر سهام الزوجين؛ لأنهما ليسا ممن يرث بالأنساب، وغرضنا في هذا الفصل بيان أحوال الذي يرثون بالنسب وهؤلاء الذين هم ذو السهام قد نص في الكتاب على سهام أكثرهم، ومنهم من دل الكتاب على سهمه، ومنهم من ثبتت سهامهم بالسنة ومنهم من ثبتت سهامهم بالإجماع، ومنهم من أختلف فيه فكان طريقه الإجتهاد، فأما الذين نص الكتاب على سهامهم فهم: الابنة لها النصف، وما فوق اثنتين من البنات لهن الثلثان لقوله عز وجل: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}...الآية، والأم إذا لم يكن معها ولد ولا اثنان ن الأخوة والأخوات فصاعداً لها الثلث؛ فإن كان معها ولد أو من ذكرنا من الأخوة والأخوات فلها السدس، والأب له مع الولد السدس وذلك لقوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُس مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قوله: {فَلأُمِّهِ السُّدُس}، والأخ أو الأخت إذا كان كل واحد منهما من الأم السدس، فإن اجتمعا لهما الثلث لكل واحد منهما السدس وكذلك إن زادوا كان الثلث بينهم بالتسوية لقوله عز وجل: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}، وللأخت من الأب والأم النصف إذا لم يكن له ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، فهذه هي السهام المنصوص عليها في الكتاب، أعني سهام ذوي الأنساب وقد نص الله تعالى على أربعين سهام للزوجين بقوله(113/3)
ولكم نصف ما ترك أزواجكم إلى آخر ذكر الزوجين والسهم الذي دل عليه الكتاب هو سهم الابنتين؛ لأن النص ورد فيما فوق ابنتين، وسنبين وجه دلالته بعيد هذا في موضعه، والسهام الثانية بالسنة سهم ابنة الابن مع الابنة الواحدة وهو السدس فكملة الثلثين رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسهم الجد وهو السدس وقد رواه غيره واحد من الصحابة كالمغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلم، وريرة، وقيل ابن عباس، أيضاً روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه جعل للجد هو السدس ثُمَّ جعل له سدساً آخر ثُمَّ قال له السدس الثاني طعمة مني لك.
والسهام المجمع عليها: ابنة الابن النصف، وابنتي الابن وما فوقها الثلثان إذا لم يكن للميت بنات؛ أجمعوا لهن في هذه الحالة يقمن مقام البنات، وسهم الأخت من الأب والأختين فما فوقهما من الأب إذا لم يكن أخوة ولا أخوات من الأب، والأم السدس تكملة الثلثين، وأجمعوا أن للجد السدس مع الولد؛ إلاَّ قولاً شاذاً ذهب إليه الناصر فإنه يجعله بمنزلة الأخ ويشفطه مع الولد وسنبين فساده وما عداه من السهام طريقة الإجهاد، وكسهم الجد مع الأخوة وسهم الأم مع الأب وأحد الزوجين وما أشبه ذلك مما اختلف فيه.
مسألة
قال: وكل وارث بسبب لا يعد وهو أن يكون سببه عقد نكاح أو ولاء وهذا مما لا خلاف فيه، والولاء على وجهين ولاء العتق وولاء الموالاة وهو أن يسلم الخربي على يدي رجل مسلم فإن أسلم الذمي على يديه لم يرثه ويرث الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل إلاَّ على في المسألتين وهذا قد مضى بيانه في كتاب العتق شافياً فلا وجب لا عادته والله أعلم وأحكم بالصواب.(113/4)