قال: وجنين الأمة إذا لم يكن من سيدها ففيه نصف عشر قيمته حياً واعتبر أبو حنيفة فيه الذكر والأنثى فجعل فيه إذا كان ذكراص نصف عشر قيمته، وإن كان أنثى فعشر قيمتها، وعن أبييوسف أن فيه مانقص من قيمة الأم، وقال الشافعي: عشر قيمة الأم، واعتبر الأم والدليل على ما قلنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجب فيه الغرة، ولم يفصل فيه الذكر والأنثى، وقدر القيمة بنصف عشر الدية المطلقة؛ لأن الدية المطلقة مائة من الإبل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: <في النفس مائة من الإبل> ثُمَّ جعل دية المراةنصف الدية المطلقة فأوجبنا نحن في جنين الأمة نصف عشر قيمته؛ لأن قيمته هي القيمة المطلقة، لم يعتبر الذكور والأنثى؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتبر ذلك على ن قولهم هذا يؤدي إ‘لى أن تكون النثى أحسن حالاً من الذكر فيما ه جارٍ مجرى الدية وذلك عكس الشريعة، ألا ترى أن الجنين ي باب القيمة يتقارب فيه الذكر والأنثى أو ربما كانت الأنثى أكثر قيمة من الذكور، فإذا أوجبنا في الأنثى عشر قيمتها وفي الذكر نصف عشر قيمته جعلنا الذكر فيه على النصف أو أقل من الأنثى فوجب بطلان هذا القول، فأما ما ذهب إليه الشافعي من الاعتبار بالأم فهو فاسد؛ لأنَّه لوكان من مولاها لم يعتبر بالأم، كذلك إذا كان من غير مولاها بعلة أن الجناية عليه لا على الأم والأصول تشهد لنا؛ لأن كل ما يجيء عليه يعتبر حالة بنفسه دون أبويه وأيضاً لا خلاف أنَّه لا يعتبر بأبيه، فوجب أن لا يعتبر بأمه، والعلة أن كل واحد منهما غير المجني عليه فإذا سقط ذلك بطل ما قاله الشافعي، وأما ما قاله أبو يوسف فإنما بناه على أصله في الجناية على العبد، فوجب ما نقص قسطاً من قيمته ونحن نبين فساد ذلك ونبين أن الجنايات على العبد توجب قسطاً من قيمته كما أن الجنايات على الحر توجب له قسطاً من ديته، فسقط قوله على أن هذه الجناية قد ثبت شرعاً أنَّه جناية على الولد فلا وجه(110/21)
لاعتبار حال الأم كما قلنا للشافعي، وقال القاسم عليه السلام في جنين الأمة: أن الواجب على مقدار قيمته كما في جنين الحرة على مقدار ديته، والأظهر من هذا أنَّه أراد قول أبي حنيفة وإن كان يحتمل أن يكون المراد ما قال يحيى عليه السلام، قال: وفي جنين البهيمة إذا ألقته ميتاً نصف عشر قيمته، وقال أصحاب أبي حنيفة: ما نقص من الأم ووجه ما ذهبنا إليه أنَّه قاسه على جنين الأمة كما قاس جنين الأمة على جنين الحرة بعلى أنَّه جنين أسقطته الجناية.
فإن قيل: ألستم تقولون أن البهيمة إذا فقئت عينها أو قطع أنفها يوجبون ما نقص منها ولا يوجبون قيمتها فما أنكرتم من أن يكون حكم الجنين كذلك.
قيل له: لأن هذه جناية على البيهمة؛ لأن عينها عضوٌ منها وليس كذلك الجنين؛ لأنَّه غيرها فلم نعتبر في الجنين حالها كام أعتبرنا في عينها، قال: وإن طرحه حياً ثُمَّ مات ففيه قيمة مثله، وهذا يجب أن يكون في الأمة والبهيمة سواء؛ لأن القيمة جارية مجرى الدية على أن كل من أتلف أمة أو بهيمة فعليه قيمة ما أتلف، كذلك إذا أتلف ولدها.
مسألة(110/22)
قال: وفي العبد قيمته بالغة ما بلغت، وكذلك إن زادت قيمته لصناعة بحسنا إلاَّ أن تكون الصناعة مما لا يحل كالغناء وضرب المعازف ونحو ذلك، وقال في المنتخب: لا ترزاد قيمته على دية الحر، قال الشافعي وأبو يوسف: قيمته بالغة ما بلغت، وقال أبو حنيفة ومحمد: فيه القيمة ما لم تبلغ الدية، فإن بلغت أو جاوزت فقيمته دون الدية بعشرة دراهم، قال يحيى في الأحكام عند قوله في العبد إذا قتل فقيمته بالغة ما بلغت، قلت أو كثرت وهو قول أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهذا الذي حكاه عن علي لا نعرفه عنه، ويجوز أن تكون رواية وقعت إليه، والذي نعرفه عن علي مثل ما ذكره في المنتخب، وذلك ما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: لا نبلغ بدية العبد دية الحر، وروى محمد بن منصور بإسناده عن عبد خير، عن علي عليه السلام، قال العبد مال يؤدي ثمنه ولا تكون قيمة العبد أكثر من دية الحر، قال أيده الله: والأصح عندي رواية المنتخب لاشتهارها عن علي عليه السلام ولما يذكره من بعد وبه كان يقول أبو العباس الحسني رضي الله عنه، إلاَّ أنَّه كان يحمل رواية الأحكام على رواية المنتخب ويقول: ما ذكره في الأحكام تقديره أن الواجب قيمته بالغة ما بلغت ما لم يتجاوز دية الحر والظاهر من رواية الأحكام خلاف ما كان يقوله ووجه ما ذكره في المنتخب أنَّه آدمي قتل فيجب أن لا يزاد عوضه على الدية الكاملة قياساً على الحر وأيضاً قد ثبت في يده إذا قطعت أو رجله أو عينه إذا فئت أنها يجب فيها النصف من عوضه عند يحيى عليه السلام والشافعي ويستدل عليه فيما بعد أن الذي يجب النصف من ديته، فوجب أن لا تزاد ديته على دية الحر قياساً على الحر وأيضاً هو محقون الدم على التأبيد، فوجب أن لا تزاد ديته على الدية الكاملة دليله الحر؛ ولأنا وجدنا العبد يتجاذبه أصلان أحدهما البهيمة، والثاني الحر فكان قياسه على الحر أولى من قياسه على البهيمة؛ لانه أشبه من حيث(110/23)
يجمعهما التكليف وحقن الدم على التأبيد ولزوم الكفارة في قتله؛ ولأن الحرية يجوز أن تطرأ عليه دون البهيمة؛ ولأنا وجدنا العبد يوازي الحر في بعض الأحوال ونقص عن الحر في بعضها ولم نجد في شيء من الأصول له حالة يريد فيها على الأحرار، فكانت الأصول شاهدة لما قلنا وناقضةٌ لما قالواه من جواز أن تزاد قيمته إذا قتل على دية الحر وأيضاً هذا القول يؤدي إلى أن تكون الحرية سبباً للنقص في شخص واحد وهو عكس الشرع، وذلك أن عبداً قيمته عشرون ألفاً وهو عبدٌ فعندهم إن الواجبات عشرون ألفاً ولو أعتق ثُمَّ قتل كان الواجب فيه عشرة آلاف فتكون الحرية سبباً للنقص في شخص واحد ووجه ما في الأحكام أنَّه مالٌ يباع ويشترى فأشبه البهيمة في أنَّ قتله قيمته بالغة ما بلغت ؛ ولأن ضمان الغصب وضمان القتل يستوي في الحر وفي البهيمة فلا وجه لأن نقول أن ضمان العبد يختلف في الغصب والقتل، وهذا غير صحيح؛ لأن الحر والعبد قد يخالف ضمان قتلهما ضمان غصبنهما بالاتفاق؛ ولأن ضمان الغصب فيهما لا يتعلق به القصاص وضمان قتلهما قد يتعلق به القصاص وليس كذلك البهيمة، وهذا وجه قوي يصح الاعماد عليه لنصرة الرواية التي اخترناها وهي رواية المنتخب ويجوز أن يعتمد ذكر القصاص من غير ذكر الغصب فيقال لما جاز أن يتعلق بذكره القصاص لم يتجاوز بديته الدية الكاملة كالحر، وكذلك يختلف الحال بين ضمان الغصب وضمان القتل فيها من وجه آخر وهو أن الكفارة تتعلق بضمان القتل دون ضمان الغصب وايضاً قد ثبت أن النفوس في الجنايات لا تزاد دية وأخذ منهم على الدية الكاملة فوجب أن يكون كذلك العبد.
فإن قيل: فقد تنقص قيمته إذا تقل عن الدية كان يكون عبدٌ يساوي ألفاً فما تنكرون من الزيادة عليها.(110/24)
قيل له: لأن النقصان قد يكون في الديات، ألا ترى أن المرأة ينقص ديتها عن دية الحر، وكذلك دية الجنين، مع ذلك لا يجوز أن يزاد على الدية شيء، فلم يجب أن يكون النقصان كالزيادة ويبين أن ضمانه في القتل ضمان النفوس في الجنايات أنَّه قد يتعلق به القصاص تتعلق الكفارة وليس كذلك ضمان المغصوب وضمان العتق؛ لأن ضمان الأموال ومما يبين ذلك أيضاً أن العاقلة تعقله ولا تعقل ضمان الأموال.
مسألة
قال: وجراحات العبيد عل قدر قيمتهم في عين العبد نصف قيمته وفي جائفته ثلث قيمته وفي ذكره قيمته وفي انثييه قيمته، وبهذه الجملة يقول أبو حنيفة والشافعي: وإن كان في بعض التفاصيل خلاف قال أبو يوسف ومحمد: يلزمه ما نقص منه، والأصل في هذا ما قدمناه من أن ضمان الجنايات عهليم مثل ضمان الجنايات على الأحرار، وقد روى ذلك عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام أنَّه قال: تجري جراحات العبيد على نحو من جراحات الأحرار في عينه ونصف ثمنه وفي يده نصف ثمنه، وإذا ثبت أن الجناية عليه مما تحمله العاقلة وتتعلق به الكفارة والقصاص وجب وأن تجري جراحاته من قيمته مجرى جراحات الحر من ديته، ولما بيناه من قبل أن أحواله بأحوال الحر أشبه منه بأحوال البهائم، فوجب أن يجري مجرى الحر وعامة ما تقدم ذكره يمكن أن يعتمد عليه في هذه المسألة.
فإن قيل: كيف يجوز أن يجتمع عينه وبدله أو أكثر منه، وذلك كان يقطع قاطعق يديه ويفقأ عينيه.
قيل له: ذلك ليس ببدل له وإن كان مقدار البدل وإنما هو بدل ما استهلك من أعضائه بحكم الشرع فلا يمتنع أن يحصل لمالكه مع عينه، ألا ترى أنَّه غير ممتنع أن يؤاجره صاحبه مدة طويلة ويجيء عليه جانٍ جناية توجب أخذ النقصان فيجتمع من أجرته وأرش نقصانه ما يوفي على قيمته فيكون قد حصل لصاحبه عينة مع أزيد من بدلها، فإذا جاز ذلك لم يمتنع ما قلناه.
مسألة(110/25)