قيل له: اللفظة الأولى هو القتل ويجوز أن يكون الضمير الثاني أيضاً هو القتل وإن كان القتل الأول قتلاً على صفة والضمير قتلاً على صفة أخرى بعد أن يشتركا في كونهما قتلاً مثال ذلك أنَّه يصح أن يقول الإنسان لا يصح مع كشف العورة صلاة الرجل ولا صلاة المرأة ويكون الضمير فيه مع كشف العورة صلاة المرأة وإن كان ما يريد من العورة بالرجل خلاف ما يريده بالعورة من المرأة؛ لئن عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبتين وجسد المرأة كله عورة خلا الوه، فصح الضمير مع اختلاف المرادين لاشتراك الضمير للمظهر في كونهما عورة كذلك ما اختلفنا فيه لاشتراكهما، أعني الضمير والمنطوق به في كونهما قتلاً وإن كان المنطوق قتلاً على صفة، على أن قوله ذو عهد ينتظم الذمي والمستأمن فهو محظور الدم ما دام في عهده من الذمة والإستيمان وبما اعتمدناه يخص جميع الظاهر التي يتعلقون بها من قوله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلِيْهِمْ فِيْهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وغيرها، على أنا نعارض هذا بأن نجعله ابتدأ دليل وهو ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: <في النفس مائة من الإبل> فأوجب ذلك في كل نفس؛ لأن دخول الألف واللام يوجب التعميم، فإذا ثبت ذلك ثبت في قتل المسلم لكل كافر مائة من الإبل وثبوته يوجب سقوط القصاص بإجماع المسلمين أن الدية التامة والقصاص لا يجتمعان.
فإن قيل: روي عن عبد الرحمن بن السمان أن رسول الله لى الله عليه وآله وسلم أتي برجل من المسلمين قتل معاهداً من أهل الذمة فأمر به فضربت عنقه، وقال: أنا أولى من وفى بذمت، وروي أيضاً عن علي عليه السلام أنَّه قتل مسلماً بذمي ثُمَّ قال: أنا أولى من وفا بذمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.(111/5)


قيل له: يحتمل أن يكون المسلم قتل الذمي على وجه المحاربة والفساد في الأرض فوقع القتل حداً ولم يقع اختياراً ولا حكماً فوجب أن لا يقتل المسلم به قياساً على المستأمن وعلى الراهب والشيخ الفاني أن قتلهم مسلم ولا يعترضه أطفال المسلمين؛ لأن الذي قد ثبت لهم حكماً وإن لم يثبت اختياراً.
فإن قيل: قد أجمعوا على أن ذمياً لو قتل ذمياً ثُمَّ أسلم القاتل أنَّه يقتل به، وهذا قتل المسلم بالكافر.
قيل له: هذا استحق القتل قبل الإسلام فإسلامه لم يزل عنه حقاً لزمه كما أن حربياً لو استرق في دار الحرب ثُمَّ أسلم لم يزل عنه إسلامه رقة المستحق عليه قبل الإسلام وإن كان ابتداء الرق لا يجوز أن يجري عليه في حال الإسلام، فكذلك القتل.
مسألة
قال: ولا قود في شيء من الخطأ ولا قود على المجنون ولا على الصبي فقد قيل أن أحد قولي الشافعي إن عمده عمدٌ وإن كان لا يوجب القود.
مسألة
قال: ولو أن أعور فقأ عين صحيح فقئت عنه، وقال في المنتخب عين الأعور بمنزلة العينين ولا تفقأ عينه بعين الصحيح.
ما ذكرناه أولاً هو رواية الأحكام، وبه قال العلماء أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وما ذكرناه من رواية المنتتخب هو قول مالك والدليل على أن عينه تفقأ بعين الصَّحيح قول الله عز وجل: {الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ} فعم ولم يخص عين الأعور من عين الصَّحيح، فوجب أن يتم القود فيها، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العينين الدية، وروي في العين خمسون من الإبل، وهذا عام في كل عين فبطل قول من قال إن عتق الأعور بمنزلة العينين في القصاص أو في الدية.
فإن قيل: روي عن علي علي وغيره من الصحابة أن عين الأعور بمنزلة العينين.(111/6)


قيل له: يحيى بن الحسين لم يصحح هذه الرواية عن علي عليه السلام في الأحكام بل ضعفها وظاهرُ ما روى عنه زيد بن علي من قوله في العينين الدية في كلواحدةٍ منها نصف الدية يدل على بطلان هذه الرواية، فإن كان قال بذلك بعض الصحابة فلا يجب علينا القول به؛ لأن كثيراً من الصحابة قالوا بأقوايل عندنا وعند مالك باطلة: كما روي في المهر بإبطال القول وما أشبه ذلك.
فإن قيل: إن عين الأعور بمنزلة العينين؛ لأن نور إحداهما ينتقل إلى الأخرى كان هذا كلامٌ لا قوله محصلٌ لوجهين أحدُهما أنَّه ليس في العقل ولا الشرع ولا التجارب ما يدل على ذلك والثاني أن ذلك وإن صح فلا معتبربكثرة شعاع العين، ألا ترى أن الشابالطري يكون شعاع عينه أكثر من شعاع عيني الشيخ الهم بإضعافٍ مضاعفة، وهذا مما نعرفه ضورة ولا خلاف أنَّه لا فصل بين عيني الشاب وعيني الهم في القصاص وفي الدية، فبان أن كثة الشعاع لا معتبر به ولا خلاف أن ..... قطع لا تقوم مقام اليدين في الدية والقصاص، فوجب أن تكون عين الأعور كذلك؛ لأن كل واحدة منهما اثنان في أصل الخلقة السوية فلا يجب ان تكون الواحدة بمنزلة الاثنين، فأما وجه ما في المنتخب فهو ما ذكرناه على طريق السؤال واجبنا عنه.
مسألة(111/7)


قال: وإذا قتل الرجل المرأة عمداً فأولياء المرأة بالخيار إن شاؤوا قتلوا الرجل وأعطوا أولياءه نصف الدية وإن شاؤوا أخذوا من القاتل دية المرأة، والدليل على ذلك قوله عز وجل: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأَنْثَى} فلو لم تكن لصنفٍ من هؤلاء الأصناف تخصيصٌ وكان الحران إذا قتل أحدهما صاحبه بمنزلة حرٌ وعبدٌ، وكذلك الذكران إذا قتل أحدهما صاحبه، وكذلك الأنثيان إذا قتلت إحداهما صاحبتها بمنزلة ذكرٍ قتل أنثى لم يكن الذكر هؤلاء الأصناف وأفراد كل صنفٍ منها عن صاحبة معنى على ما بيناه في قتل الحر بالعبد، وإذا قد ثبت ذلك فلا بد من تخصيص يقع وتمييز يحصل بين قتل الذكر للأنثى وقتل الذكر للذكر والأنثى للأنثى، وإذا وجب التخصيص فلم يقل أحدٌ فيهما بالتخصيص مع استيفاء القود إلاَّ على ما قلناه، وهو قول علي عليه السلام ومروي عنه، وما صح عنه عندنا أنَّه يجب أن يتبع ومن خالف في هذا كان الكلام بيننا وبينه في هذه المسألة دون القرع المبني عليها، وأيضاً قد ثبت أن النكافي بين النفوس والدماء مراعى عندنا على ما بيناه من أن المسلم لا يقتل بالكافر، لأن ذميهما لا يتكافئان للكفر والإسلام وكذلك الحر لا يقتل بالعبد لهذا المعنى، لأن ذميهما لا يتكافئان للحرية والرق فكان الواجب أن لا يتكافئان دم الذكر والأنثى لما بينهما من التفاوت في الدية إلاَّ أن هذا لما أمكن جبره بالدية أوجبنا القصاص فيه مع تكميل دية الذكر لما لما لم يحصل يمكن جبر ما بين الكافر والمسلم ولا بين الحر والعبد أزلنا القصاص على المسلم والحر.
فإن قيل: فهذا أخذ العوض على دمٍ يراق، فذلك مما لا يجوز؛ لأن الدم لو كان مستحقاً فلا وجهَ لأخذ لأخذ نصف الدية وإن كان غير مستحق فلا يجوز سفكه بوجه من الوجوه لعوضٍ يبدل.(111/8)


قيل له: نحن نقول أن الدم مستحق لولي الأنثى إلاَّ أنَّه إذا أراقه استحق عليه ولي الذكر القاتل نصف الدية، وهذا كما نقول في رجلٍ قطع إحدى يدي رجلٍ ثُمَّ عدى المقطوع إليه عليه فقتله، أن ولي المقتول إن شاء قتله وأعطاه نصف الدية وهي دية يده وإن شاء أخذ منه نصف الدية وقاصه بدية يده وهو نصف ديته والله أعلم.
مسألة
قال: وكذلك القول في الرجل إذا فقأ عين المرأة إن شاءت المرأة فقئت عينه وأعطته نصف دية عينه، وإن شاءت أخذت منه دية عينها وهي نصف دية عينه، ووجه هذه المسألة ما مضى من الكلام في المسألة الأولى إذ هي مبنية عليها.
مسألة(111/9)

14 / 122
ع
En
A+
A-