الكتاب : شرح التجريد

قال: ولو أن رجلاً لطم رجلاً فابيضت عينه وذهب البصر ثُمَّ انجلت وعادت إلى حالها ففيها قصاص ولا دية، وكانت فيها حكومة على حسب ما مر به من الصعوبة، وذلك أن ما لحقه كان عارضاً لا حكم له أو استبان ذلك بعود بصره كما كان، وهذا ما لا خلاف فيه يبين ذلك أنَّه لو جناه على العبد لم ينقص من قيمته شيئاص، فكذلك إذا جناه على الحر لم يوجب من ديته شيئاً وتجب فيه الحكومة لما لحقه من الألم كما نقول في غيره، قال: وإن كان الملطوم أخذ من اللاطم دية العين، ثُمَّ برئت رجع اللاطم عليه بالدية والتزم الأرش وذلك أن عودة إلى حال الصحة، كشف أنَّه لم يلزم اللاطم الدية فجاز أن يرجع فيها وهذا ما لا خلاف فيه، وأما الأرش فقد حكى أنَّه أحد قولي الشافعي، وعندنا أنَّه واجب واختلف في مثل هذا إذا لم يبن له أثر، قال أبو حنيفة: لا شيء فيه، وحكى مثل قولنا عن أبي يوسف ومحمد وأنه أحد قولي الشافعي، والدليل على هذا أن رجلاً لو شج ثُمَّ يرى وذهب الأثر، وذكلك لو شج موضحة وكذلك لو جرح جائفة فدية من جميع ا ذلك وذهب الأثر كان ذلك لا يسقط أثر شيء من ذلك وقد علمنا أنَّه يكون واجباً لما مر من الألم ولزمه من العلاج والتعب؛ لانه لو وجب للأثر لكان يجب أن يسقط إذا لم يبن أثر، فإذا ثبت ذلك في المقدر الذي، ورد فيه النص وجب مثله في الحكومة لاشتراكها في الألم والاحتياج إلى المعالجة.
مسألة(110/16)


قال: ودية المرأة نصف دية الرجل، والدية في أعضاء النساء وجرحائهن، أما في النفس وفيما زاد على الثلث من الدية فقد أجمع المسلمون على أن دية المرأة على النصف ن دية لرجل، وأما الثلث فما دونه فقد ذهب مالك وسعيد بن المسيب إلى أن المرأة تعاقل الرجل فيه وحكى أن الشافعي به كان يقول ثُمَّ رجع عنه إلى ما ذهب إليه سائر العلماء من أنهم ذهبوا إلى أن دية المرأة على النصف من دية الرجل في جميع الجراحات قل أو كثر، والحجة في ذلك ما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: جراحة المرأة على النصف من جراحات الرجل لا يستوي بينهما في شيء من الجراحات، ولا الخدش وإذا قد أجمعوا على أن ما زاد على الثلث من جراحات النساء فهي على النصف من جراحات الرجال وجب في الثلث وما دونه أن يكون كذلك لأنها أيضاً جراحات مقدرات أو غير مقدارت على أن الأصول تشهد لنا؛ لأن قيم المتلفات لا تنفصل بين الثلث وبين ما يكون أكثر من الثلث، وروى أن ربيعة الرأي قال لسعيد بن المسيب: ما تقول فيمن قطع إصبع امرأة قال فيها عشر من الإبلن، قال: فإن قطع اصبعين، قال عشرون، قال: فإن قطع ثلاثاً، قال: ثلاثون، قال: فإن قطع أربعاً، قال: عشرون، قال: كلما كثير جرحها وعظمت مصيبتها، نقص أرشها، قال: يقر أي أنت هكذا أنت السنة.
فإن قيل: فقوله: هكذا أنت السنة يدل على أنَّه قال توقيفاً.
قيل له: يحتمل أن يكون أراد دلالة السنة وهي غرة الجنين؛ لأنَّه يستوي فيه الذكر والأنثى.
فإن قيل: فما تنكرون من هذه العبرة.(110/17)


قيل له: اعتبارنا أولى؛ لأنا قسنا جراحاتها وهي حية بعضها على بعض وهم قاسوا جراحاتها على الجنين فكان فرعنا أشبه بأصولنا وهو قول علي عليه السلام مخالف في الصحابة ويشهد لنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <لايحل مال امرء مسلم إلاَّ بطيبة من نفسه> فلا نأخذ مالا توقيف فيه وما لا دليل عليه من مالها وما نأخذه من إصبع المرأة اتفقا وما نجاوره لا إتفاق فيه ولا توقيف فيه، فوجب ألا يؤخذ دليله ما زاد على ذلك.
مسألة
قال: وفي جنين المرأة إذا طرحته ميتاً بجناية عليها غرة، أما عبدٌ أو أومة وقيمة الغرة خمسمائة درهم، وبه قال العلماء ولم يذكر فيه خلافٌ إلاَّ القيمة، فقد حكي عن بعضهم أن القيمة بالغة ما بلغت والأصل في هذا ما روي أن امرأتين اختصمتا فرمت إحداهما فألقت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغرة عبد أو أمة وألزم ذلك العاقلة فقال من ألزم ذلك وقيل أنَّه حمل بن مالك بن النابغة كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <اسجع كسجع الأعراب فيه غرة عبدٌ أو أمة> فدل ذلك على أنَّه دية الجنين دون الجناية على المرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر السجع ولم ينكر أن يكون ذلك دية الجنين ولم يقل: إنَّه أرش الجناية على المرأة فثبت أنها موروثة إبطالاً لقول من يقول إنَّه اللمرأة؛ لأن الجناية كانت عليها.
فإن قيل: فما معنى إنكاره السجع.(110/18)


قيل له: أراد أن يبين أن الأحكام لم تبن على أن ينسق فيها الأسجاع، وروى زيد عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنَّه قضى في جنين الحرة بغرة عبدٌ أو أمة، وأما تقديرها بخمس مائةفوجهه أنَّه لا قول إلاَّ قول من قال: إن القيمة بالغة ما بلغت أو قال: إن القيمة مقدرة ولا يجوز القول أن قيمتها بالغة ما بلغت؛ لأنَّه يؤدي إلى أن تكون دية الجنين عشرين ألفاً أو أكثر فتكون دية الجنين أكثر من دية الحر، وهذا خلاف موضوع الشرع، فإذا بطل ذلك فلا بد من التقدير، وكل من قدر قال إنها خمسمائة درهم أو نصف عشر الدية، قال فإن طرحته حياً ثُمَّ مات وجبت فيه الدية كاملة، وذلك أن دية الصغير والكبير واحدة، وهذا ما لا خلاف فيه، قال: وإن قتلت المرأة وفي بطنها ولدٌ ولم ينفصل، فلا شيء سوى ديتها، وهذا أيضاً وجبت فهي الغرة، مما لا خلاف فيه؛ لأنَّه لا حكم للجين ما لم ينفصل عن الأم، قال: وإن انفصل ميتاً وجبت فيه الغرة مع دية الأم، قال أبو حنيفة إن انفصل بعد موت الأم فلا شيء فيه، وأظن الشافعي يوجب فيه الغرة كما قلنا، والدليل على صحة ذلك قوله وقد قال له حمل بن مالك ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك بطل، فقال: <اسجع كسجع الأعراب فيه غرة عبد أو أمة> فخرج الجواب على ذلك، فقال فيه غرة عبدٌ أو أمة، فوجب ما قلناه وأيضاً لم يرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن حال الجنين أخرج والأم حية أم لا فدل ذلك على أنَّه لا فرق بينهما وهو قياس على ما انفصل قبل موت أمه بعلة أنَّه جنين أسقط بجناية، فكذلك إذا انفصل بعد موتها وأيضاً لو كان حياً كان يستوي حكمه بين أن ينفصل قبل موتها أو بعد موتها، كذلك إذا كان ميتاً، والعلة أنَّه جنين أسقطته الجناية.
فإن قلي: إذا خرج بعد موتها جوزنا أنيكون مات لموت الأم لا للضربة.(110/19)


قيل له: هذا التجويز لا يغني؛ لأن التجويز على الأحوال كلها قائم؛ لأنَّه معتبر بجناية الجاني؛ لأنَّه لو سقط قبل جريان الروح فيه لزمت فيه الغر، قال: وكذلك إن طرحت جنينين أو أكثر حيين أو ميتين كان في كل ميت غرة، وفي كلحي إذا مات دية لما تقدم بيانه وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: <فيه غرة عبد أو أمة> فصار ذلك حكم كل جنين سقط ميتاً قل أو كثر، وكذلك إذا سقط حياً ثُمَّ مات.
مسألة
قال: وإذا شربت المرأة دواءاً أو فعلت فعلاً أسقطت به الجنين لزمها من الدية والغرماء ما لزم غيرها كما إذا جني عليها بذلك، والوجه فيه أنها جناية على الجنين بفعلها فوجب أن يلمها من الغرة ما يلزم في الجنين كما يلزم ذلك غيرها، وذلك أنَّه موجب الجناية على الجنين إذا جني على الجنين مثل جنايتها لا سيما والغرة موروثة عندنا والم إذا فعلت ذلك لم ترث ويرثه سائر الورثة، وقد دللنا على هذا فيما تقدم، فأما قول يحيى في المنتخب إن طرحته وقد جاوز أربعة أشهر ففيه الدية وإن طرحته وله دون أربعة أشهر ففيه الغرة، فإن المراد به على ما ذكره الأخوان دفنها على ما دللنا عليه، فإذا كانت هي الجانية لزمها ما لزم سائر الجناة.
مسألة
قال في المنتخب: إن طرحته وقد جاوز أربعة أشهر ففيه الدية وإن طرحته وله دون أربعة أشهر ففيه الغرة.
والعم أن تأويل هذا الكلام إن طرحته وله أربعة أشهر حياً ففيه الدةي؛ لأنها إذا طرحته ميتاً فالواجب فيه الغرة والله أعلم.
فإن قيل: فما معنى فصله بين أربعة أشهر وبين ما دونها إذا كان الاعتبار بالحياة والموت.
قيل له: مراده ما روي أن الروح تجري فيه بعد أربعة أشهر، فإذا سقطبعد أربعة أشهر جاز أن يكون حياص وجاز أن يكون ميتاً فلم يمتنع أن تجب الدية، وإذا كان قبل أربعة أشهر فمعلوم أنَّه لا يسقط إلاَّ ميتاً، فلذلك قال فيه غرة يعني لا محالة.
مسألة(110/20)

1 / 122
ع
En
A+
A-