أحدهما ـ أن يكون الرقم غير معلوم لهما بأن يكون ثوباً مطوياً، أو يكون لا يتفقان على الرقم فالبيع على هذا باطل نص عليه في الأحكام، وذلك أن الثمن مجهول لهما، أو يجري مجرى المخاطرة والقمار، وهذا مما لا أحفظ فيه خلافاً.
والوجه الثاني ـ أن يكون يفرفان الرقم ومقداره، ولا يعفان هل هو صحيح أم لا كأن يكون الرقم مائة، ولا يدرى أن الثوب اشترى بمائة أو أقل أو أكثر، فهذا يجوز البيع عليه مساومة، لأنه لا فرق بين أن يقول: بعتك هذا الثوب بمائة، وبين أن يقول بهذا الرقم، وهما يعلمان أن الرقم مائة فيجب صحة االبيع لأن الثمن معلوم بينهما على ما بيناه فلا وجه لإفساد االبيع.
االثالث ـ أن يكون عارفين بالرقم، ويكون الرقم صحيحاً على ما ذكره في الكتاب فيجوز البيع على ذلك مرابحة، لأن رأس المال يكون معلوماً فيصح بيع المرابحة عليه، ويبين ذلك للمشتري، أو يقول: قام علي بكذا، ولم يقل اشتريت فإنه كذب.
ومعنى قوله: الثمن والقصارة وغير ذلك ما جرت عادة التجار أن يضم إلى التجارة نحو الصبغ وأجرة الصباغ والسمسار والمضارب أيضاً تضم ما انفقه على التجارة مما لا بد منه إذا كان ذلك قسطاً، ولم يكن اسرافاً.
مسألة:
قال: ولو أن رجلاً اشترى ناقة فعلفها وحلبهاا مثل قيمتها جاز له أن يبيعها مرابحة إذا علم المشتري أن مثلها تحلب.
وذلك أن المشتري إذا عرف أن مثلها تحلب ورضي أن يرابحه على الثمن صح ذلك بينهما، لأنه ليس فيه ما يجري مجرى الخيانة.
ويجيء على هذا من اشترى ثوباً بعشرة، ثم باعه باثني عشر، ثم اشتراه بعشرة، جاز أن يبيعه مرابحة على العشرة، وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: يبيعه بثمانية يحط من الثمن قدر ماربح وهو درهمان.
ووجهه ـ أنه وإن انتفع به من وجه، فالثمن الذي اشتري به عشرة، وتقع المرابحة عليه والمشتري يعلم أن الإنسان قد يتصرف في الشيء يبيعه مراراً، وقد يربح ويخسر.
(فصل)(75/2)


لا نص ليحي بن الحسين عليه السلام في بيع المرابحة إذا كان فيه خيانة لكنه ذكر في الأحكام في رد المعيب أنا جعلنا للمشتري الخيار، لأنه دلس عليه، وخيانة ضرب من التدليس على المشتري فوجب أن يكون له الخيار على تعليل يحي بن الحسين بين أن يرضى بجميع الثمن، أو يرده ويفسخ البيع.
وبه قال أبو حنيفة ومحمد، وهو أاحد قولي الشافعي مادامت السلعة قائمة بعينها.
قال زيد بن علي عليهما لاسلام يحط االخيانة عن المشتري، وبه قال أبو يوسف في الأاصل والربح.
ووجه ما ذهبناا إليه أن ظاهر العقد خير للمشتري من باطنه في بيع صحيح فوجب أن يكون للمشتري الخياار في فسخ البيع.
دليله الرد بالعيب أو اشترى مؤجلاً، وباع مرابحة معجلاً، ولا خلاف أن للمشتري فيه الخيار دون الحط فكذلك ما اتلفنا فيه، فأما إذا كانت السلعة تالفة فلا شيء للمشتري فيه على البائع.
والذي يجيء على قول يحي بن الحسين عليه السلام أنه يحط عنه الخيانة لتنصيصه على أن المبيع إذا تلف في يد المشتري وبه عيب، يرجع بنقصان العيب، وبه قال الشافعي.
ووجه المسألة ما نقوله في الرد بالعيب.(75/3)


باب القول في الرد بالعيب
من اشترى معيباً، وهو عالم بعيبه لم يكن له رده بذلك العيب.
وكذلك إن علمه بعد البيع فرضيه لم يكن له أن يرده بعد ذلك، وهذا مماا لا خلاف فيه.
ووجهه أن شراء المعيب يصح كالصحيح، وثبوت الخيار للمشتري في فسخ المبيع إنما كان للتدليس، فإذا اشتراه وهو عالم بالعيب لم يكن فيه تدليس فودب أن لا يكون له الخيار، وكذلك إن علم بالعيب بعد البيع ورضي به بطل خياره، لأنه كان مخيراً بين الرضاء والفسخ، فإذا اختار الرضاء ورضي به بطل حكم الفسخ، كما لو اختار فسخه بطل حكم الرضاء.
قال: وكذلك إن استعمله بعد علمه بعيب نحو أن يكون مملوكاً فيستخدمه، أو مركوباً فيركبه، أو ملبوساً فيلبسه، أو أرضاً فيستغلها، كان ذلك رضى وبطل خياره في الرد، وهذا مما لا خلاف فيه وذلك أن استعماله يدل على رضاه بالعيب فهو جار مجرى أن يقول: رضيت بالعيب.
مسألة:
قال القاسم عليه السلام: إن عرضه للبيع بعد علمه بالعيب لم يكن ذلك رضاً، وكان له رده بعد ذلك، وبه قال زيد بن علي عليهما السلام، وعند أبي حنيفة يكون ذلك رضاً، وعند الشافعي خيار الرد على الفور، وسكوت المشتري بعد العلم بالعيب يكون رضاء.
والأصل في أن خيار الرد ليس على الفور، وأن السكوت لا يدل على الرضاء ماروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردهاا ورد معها صاعاً من تمر).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار إلى ثلاثة أيام)، فجعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخيار هذه المدة، ولم يجعل خياره في الرد على الفور، ولم يجعل السكوت رضاء فوجب أن يكون ذلك حكم الرد بالعيب لأنهما جميعاً خيار الرد بالعيب.
فإن قيل: خيار المصراة مدة مضروبة فلذلك وجب ألا يكون خيار على الفور.(76/1)


قيل له: لا يكون السكوت في المدة رضاء كذلك لايكون رضاء أبداً مع الإطرق لأن خيار الرد هو الإطلاق، ونعني به أنه ليس له مدة مضروبة كما لخيار الشرط.
فإن قيل: إذا عرف العيب فليس يخلو من أن يرضى به أو يسخطه، فإن رضي به أمسكه، وأن سخطه لم يكن له اسماكه.
قيل له: هذا يفسد من وجهين:
أحدهما ـ أنه لا يمتنع أن يسخط ولا يلزمه الرد في الحال كالمصراة، وخيار الشرط.
والثاني ـ أنه لا يمتنع أن يحصل له حال ثالثة، وهو أن يرى او ينظر هل له حظ في الإجازة والرضاء، او في الرد كما في المصراة ومن له خيار الشرط على أنا لسنا نسلم أن السكوت في كل حين دلالة الرضاء، لأن الساكت قد يسكت لترو، وقد يسكت مع السخط لأغراض له، وإن كان قد يسكت للرضاء، فلم يجب أن يجعل السكوت في كل حاال رضاء، فإذا ثبت ذلك وجدنا العرض للبيع مثل السكوت، لأن الإنسان قد يعرض الشيء للبيع، وهو لايريد البيع بل يريد أن يعرف حال الشيء فيما يساوي، ولأن العيب هو الذي ينقص من القيمة فلا يمتنع أن يعرض المبيع ليعرف مقدار ما ينقصه ذلك العيب لينظر هل يصلح له فيرضى أولا يصلح فيرد فوجب أن لا يكون ذلك رضاء، وأن لا يبطل به خيار الرد.
وتحرير العلة أن يقال: إن العرض للبيع قد يكون عن رضاء، وعن غير رضاء فلم يجب أن يجعل في كل حال رضاء كما في السكوت، وهذا الكلام إنما هو مع أبي حنيفة لأن السكوت ليس يكون على كل حال رضاء على ما تقدم بيانه.
مسألة:(76/2)


قال: وللمشتري الخيار بين أان يرضى البيع، وبين أن يرده، وبين أن يمسكه ويأخذ من البائع نقصان العيب فإن أبا البائع ذلك حكم عليه برد الثمن وااسترجاع المعيب، وإما الرضى بالعيب فلا خلاف أنه للمشتري وكما يصح أن يشتري المعيب مع علمه بالعيب كذلك له الرضى بالعيب، وقوله: أو يأخذ من البائع نقصان العيب فإنه أراد على المصالحة وكان غرضه أن يبين أن هذا الصلح جائز متى تراضياه عليه، إذ من الصلح مالا يجوز وإن تراضيا به، يبين هذا قوله في آخر هذه المسألة في الأحكام فإن أبى البائع ذلك حكم عليه برد المبيع ـ الثمن ـ وأسترجاع الثمن ـ المبيع ـ وقد غلط في هذا بعض أصحابنا فظنوا أن للمشتري أن يجبر البائع على رد نقصان المعيب وهذا فاسد لما بيناه من قوله في آخر المسائل أن البائع إن أبى ذلك حكم عليه برد المبيع ـ الثمن ـ واسترجاع الثمن ـ المبيع، فبان أن قوله يأخذ نقصان العيب: المراد إن تراضيا به وتصالحا عليه على أن أخذ النقصان إنما يكون على وجهين أحدهما الحط من الثمن من أجد العيب إن كان المأخوذ من جنس الثمن وكان الثمن نقداً أو على وجه إلحاق الزيادة في المبيع بأصل العقد إن كان المأخوذ من غير جنس الثمن وكل واحد من الوجهين لا يصح إلا مع رضى البائع فبان أنه لا يجوز أن يحكم عليه بذلك وأنه إن أبى ذلك فلا يحكم عليه إلا برد الثمن واسترجاع المبيع على أن هذه الجملة أعنى أنه لا يحكم إلا بما قلنا ون ذلك جائز على طريق الصلح لا أحفظ فيه خلافاً بين العلماء.
فإن قيل: ألستم تقولون فيمن اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيباً أنه يحكم على البائع بنقصان العيب.
قيل له: لأنه إذاثبت أنه لا سبيل إلى الحكم بردها ولم يجز أن يقر المشتري على الرضى بالعيب مع أنه اشترى على أنه صحيح لم يبق فيه إلا إجباره على الحط بمقدر نقصان العيب.
مسألة:(76/3)

44 / 149
ع
En
A+
A-