قال: وكذلك إن باع شيئاً يكون بكذا وكذا دينار على ان يدفع بالدنانير كذا وكذا قفيزاً من االطعام كان البيع فاسدااً.
وهو أيضاً لا خلاف في فساده لأن الثمن يكون في حكم المجهول، لأن العقد وقع على الدنانير، وااشترط غيرها فلم يستقر واحد منهما.
وأيضاً نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيعتين في بيع، وعن شرطين في بيع، وهذا من تلك الجملة.
ويجري مجرى هذا أأن يقول: بعتك نقداً بكذا، وإلى الفطر بكذا والأضحى بكذا.
مسألة:
قال القاسم عليه السلام، وإذا ااشترى شيئاً بكذا واشترط أنه يرجحه كان ذلك أيضاً فاسدااً، لأنه يكون الثمن مجهولاً لا يدري معه مقدار الرجحان، وقد اشترى بكذا وكذا مع الرجحان، وإن كان ااشتراط الرجحان في السلعة صار المبيع مجهولاً.
قال: وإن لم يشترط ثم استرجحه وطابت به نفس البائع كان ذلك جائزاً، وذلك أن العقد وقع صحيحاً، ولا يؤثر فيه الرجحان الواقع بعد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى سراويل فقال لواازن الثمنك زن وأرجح.
مسألة:
قال: والشرط الذي يثبت مع العقد هو ماكان صفة للمبيع، أو البيع من غير أن يقتضي جهالة فيه، أو كان مما يصح عقده على العوض منفرداً.
وذلك أنه لا خلاف أن البيع يصح مع اشتراط صفة المبيع والمبيع، كأن يشتري جارية على أنها طباخة، والعبد على أنه حجام أو خباز، الدابة على أنها هملاج، وكذلك البيع على خيار الثلاث، وذلك صفة البيع.
وكذلك أن يكون اثمن نقدااً بعينه، أو إلى أجل مسمى فصار ذلك أصلاً ف جواز البيع على اشتراط صفة المبيع أو صفة الثمن أو البيع إذا لم يؤد ذلك إلى الجهالة فلذلك قلنا بهز
وأما ماا يصح افراده بالعقد فيجوز أن نضم إلى العقد كمنا أن أن الشيئين لما صح أن نفرد كل واحد منهما بالعقد جاز أن يجمع بينهما في عقد واحد، وسنوضح هذا بأكثر من هذا عند ذكر المسائل.
فإن قيل: فقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شرطين في بيع، وعن بيعتين في بيع.(74/2)
قيل له: معناه ما ذكرناه من البيع على أنه بكذا نقداً، أو بكذا نسية، وما يجري مجاه إذ لا خلاف أن المبيع يجوز أن يشرط فيه شروط بعد أن لا يؤدي إلى الجهالات كأن يبيع العبد على أنه خياط، وخباز، ويشترط مع ذلك خيار الثلاثة للبائع، وأن يكون الثمن مؤجلاً، وكذلك شروط سواها، ولا خلاف في أن البيع يصح معها، وتصح هي وإن اجتمت فبان أن المراد بالنهي عن شرطين في بيع ما قلناه ويمكن أن يجعل ذلك أصلاً يقاس عليه سائر ما اختلفنا فيه.
مسألة:
قال: وكذلك إن اشترى الرجل من الإبل والبقر والغنم ما يحلب على أنها تحلب قدراً من اللبن أو على انها حامل فإن يثبت البيع، ويجب الشرط يفسد البيع عند أبي حنيفة.
ووجه صحته أن كونها مما تحلب قدراً من اللبن، وكونها حاملاً صفة لها لا يقتضي الجهالة فوجب أن يصح البيع ويجب الشرط.
دليله إذا اشترى الجارية على أنها طباخة، والعبد على أنه خباز، والدابة على أنها هملاج، بعلة أنه اشتراها واشترط من صفاتها مالا يؤدي إلى الجهالة.
فإن قيل: فقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المضامين والملاقيح؟
قيل له: معناه بيع اللبن في الضرع دون الناقة وشراء الحمل دون الحامل، وذلك مما لا نجيزه، ولا خلاف أنه يجوز أن يشتري شاة حلوباً وناقة حاملاً فجاز أن يشترط ذلك.
فإن قيل: فاللبن مجهول القدر، وكذلك الحمل ممالا يصح أن يعلم؟
قيل له: هذا وإن كان كذلك فإنه لا يقتضي جهالة في المعقود عليه لأنه إن وجد على الصفة التي ذكر تم البيع، وإن لم يوجد كان للمشتري الخيار في الرد.
على أن اللبن قدره مما يضبط ويعرف من طريق العادة حتى لا يتعترض الجهالة إلا في اليسير الذي لا معتبر به منه، وذلك القدر من الجهالة قد يعرض في الطبخ والخياطة إذا ابتعت جارية على أنها طباخه والعبد على أنه خياط لأن الصبخ يتفاوت وكذلك بخياطة ولا يمنكن أن يضبط ذلك حتى لا يكون فيه جهالة يسيرة، لأنها لا معتبر بها فكذلك ما قلناه.(74/3)
والحبل مثل الصحة لأنه يعلم بغاالب الظن، الا ترى أنه يصح بيع العبد على أنه صحيح والجارية على أنها صحيحة، وإن جاز أن يكون في باطنها علة أو داء يسير لا معتبر بمثله فكما صح البيع على شرط الصحة صح على شرط الحمل لما بيناه.
والعلة أن كل واحد منهما يصح كل واحد منهما يصح أن يعلم بغلب الظن.
وإذا صح بما بيناه أن البيع على ذلك يصح ولم يجده ما شرط جاز له ان يرده لأنه لا خلاف أن من اشترى سبأ على صفه يصح البيع عليها فوجده على خلاف تلك الصفة فله رده إذا كان ما عليه السلعة أنقص مما شرط له.
وقلنا: إذا رده وقد حلب اللبن واستهلكه رد معه عوضاً من لبنه لأنا قد قدمنا أن الرد بالخيار يوجب فسخ المبيع فتصير في الحكم كأن المبيع لم يكن وقع، وكأن الشيء لم يزل عن ملك البايع فيجب أن تكون منافعه له.
وروى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثاً فإن رضيها وإلا رد معها صاعاً من حنطة).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في من اشترى مصراة أنه بخير النظرين بين أنه يختارها، وبين أن يردها وأناء من طعام).
وفي بعض الأخبار صاعاً من تمر، وفي بعضها صاعاً من لبن.
وروى الجصاص عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيامن فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً.,
فدلت هذه الأخبار كلها على أن اللبن يجب أن يكون للبائع، وأن المشتري إذا كان قد استهلكه فعليه عوضه.
ويدل على ذلك أنا لو جعلنا اللبن للمشتري، وقد انفسخ البيع كنا قد جعلناه بغير عوض، ولا يجوز أن يجعله بغير عوض دخلاً في العقد على سبيل المعاوضة.(74/4)
وقول أبي حنيفة: إن من اشترى شيئاً من ذلك، وبقي عنده وحلبه، وأراد رده بعيب فليس له ردهن وإنم يرجع على البائع بأرش النقصان، وهو قول محمد، وروي عن أبي يوسف يرده، ويرد معه صاعاً من تمر على مافي الأخبار التي قدمناها، وبه قال الشافعي.
فأما أبو حنيفة فالأخبار التي قدمناها تحجه، وقد اضطرب فيها أصحابه فروى الطحاوي في شرح الآثار عن محمد بن شجاع أنه قال: إنها منسوخة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيعان بالخيار مالم يفترقا، قالك فقطع الخيار بالتفرق فيجب أن لا يكون له خيار الرد بالعيبن ولا خلاف بين المسلمين أن التفرق لا يقطعه، ولا ما يجري مجراه من خيار الرد إذا لم يجده على الصفة التي شرطت للمشتريز
وحكي عن عيسى بن أبان أنه كان حين كانت العقوبة بالأموال، ولما نسخه للوجه أوجبه عوضاً عن اللبن الذي استهلكه، لا على سبيل العقوبة فكيف نسخه للوجه الذي ذكره.
على أنه جعل وجه العقوبة فيه أن جعل اللبن المحلوب ثلاثة أيام عوضه صاع من تمر، ولعلة يساوي أضعاف ذلك فيقال له، ولعل اللبن لا يساوي ربع صاع من تمر، وهو لا ذنب له، الذنب للبائع الغار فبان بذلك بطلان هذا الوجه.
وقال أبو جعفر الطحاويك يجب نسخه بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدين بالدين، وذلك مما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن بيع الكالي بالكالي.
قال: وذلك أن اللبن كان في الضرع يوم العقد وتناوله العقد فجعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمشري وهو مستهلك بصاع من تمر يرده مع الشاة والصاع أيضاً دين.
قيل له: الصاع ليس بدين، لأنه يرده مع الشاة فكيف يكون ديناً، وهذا أبعد مما تقعدم.
وقال أبو بكر الجصاص: يحتمل أن يكون المراد بذلك بيع فاسد، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برد عوض اللبن.
قيل له: كيف يصح هذا التأويل، وفي الخبر أنه بخير النظرين إن شاء رضيها، وفي بعض الأخبار: (وإن شاء أمسكها).(74/5)
فأما ما ذهب إليه أبو يوسف والشافعي أنه يردهااا ويرد صاعااً من تمر فالأخبار الواردة تدل على خلاف ذلك، بل تدل أن قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رد العوض لأنهم كانوا بذلك يتعاملون ويتبايعون لعوز الدراهم وقلتها، فكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى ماهو عوض للبن ألا ترى في بعض الاخبار( إنا من طعام)، وفي بعضها: (صاع من تمر)، وفي بعضها: (صاع من بر)، وفي بعضها: (مثلي لبنها من قمح)، وهذه الأخبار متى حملت على ما قلناه كانت محمولة على موافقة الأصول لأن الأصول توجب أن لا يضمن الإنسان إلا مقدار ما يستهلك من مال الغير.
ومتى حملت على ما قالوه كانت محمولة على أن اللبن الذي يساوي صيعاناً عدة من التمر إذا استهلكه ضمن عنه صاعاً من تمر وإلى أن يكون الذي لا يساوي مع الشاة التي حلب منها صاعاً من تمر يضمن المشتري عنه صاعاً من تمر فوضح أن الصحيح ما ذهبنا إليه.
وليس لأصحاب أبي حنيفة أن يستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الخراج بالضمان)، لإبطال ضمان المشتري لأن أخبار المصراة قد أوجبت ذلك كما لا خلاف في أن الغاصب وإن كان ضامناً فإن اللبن لا يكون له، وكذلك من أخذ الشاة ببيع فاسد فحلبها.
مسألة:
قال: وكذا من اشترط في البيع الخيار مدة معلومة ثبت الشرط مع البيع، وهذا لأنه صفة للعقد، ولم يقتض فيه جهالة، وقد مضى الكلام في باب خيار البائع فلا طائل في إعادته.
مسألة:
قال: وكذا إن اشترى طعاماً على أن يحمله البائع إلى منزله، أو حنطة على أن يطحنها أو ثوباً على أن يخيطه، أو ناقة على أن ترضع فصيلاً للبائع مدة معلومة ثبت الشرط في جميع ذلك مع البيع، لأن ذلك مما يصح عقده على العوض منفرداً فصح أن يضم إلى عقد البيع.(74/6)