قيل: ذلك غير مسلم لأنه ضمن بشرط انقطاع خيار البائع، ولو صح ذلك أيضاً لم يجب ضمانه، لأنهليس كل مقبوض على الضمان يجب ضمانه كما أن المضارب لو قبض مال المضاربة على الضمان لم يجب الضمان، وكذلك المودع لو قبض على الضمان لم يجب الضمان.
فإن قيل: روي أن عمر أجرى فرسااً أراد أن يشتريه فتلف فحكم عليه شريح بالقيمة، فإذا لزمته القيمة لأنه تلف في يده، وقد أراد أن يشتريه فأولى أن يلزم المشتري، المشتري، وإن كان للبائع فيه خيار لأنه أوكد حالاً ممن أراد الشراء.
قيل له: يحتمل إيجابه أن يكون عمر كان منه في إجراء الفرس جناية، وإن تلفه كان لتلك الجناية فلذلك ضمنه شريح.
مسألة:
قال: فإن زادت السلعة والخيار للبائع كان على خياره ولو نقصت كان للمشتري فيها الخيار.
وذلك أنا قد بينا أن السلعة على ملك البائع فإذا كانت على ملكه لم يوجب زيادتهاا ولا نقصانها خروجها عن ملكه، ولو أبطلنا خياره أوجبنا خروجه عن ملكه.
وقلنأ: إنها إن نقصت صار للمشتري فيها الخيار؛ لأن العيب حدث فيها وهي في ملك البائع فوجب أن يكون للمشتري خيار رد العيب كما أنه لو اشترى معيباً كان له ذلك لأنه يملك بانقطاع خيار البائع والعيب حدث قبل ذلك.
مسأألة:
قال: ولو كان الخيار للبائع والمشتري جميعاً فماتا أو مات أحدهما بطل الخيار وثبت البيع.
تحصيله أن من مات منهما بطل خياره. فإن ماتا جميعاً بطل خياراهما ومن بقي بقي خياره منهم وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: الخيار يورث.
ووجهه أنه حق يسقطه مرور االازمان مع السكوت فوجب أأن لا يورث.
دليله خيار القبول، ويقاس عليه، وعلى خيار الوصي بفسخ الوصية في أنه لا يورث بعلة أنه خيار لا يجوز أن يتحول مالاً كخيار الرد بالعيب، أألا ترى أن العبد المعيب لو مات في يد المشتري رجع على البائع بأرش العيب فيتحول خياره مالاً ويجوز أيضاً أن يصالح عنه على مال فيتحول مالاً.(73/11)
فإن قيل: الخيار إنما جعل لتدارك ندامة إن لحقت، أو عيب إن ظهر، والوارث والموروث في هذا سواء؟
قيل له: وكذلك خيار القبول جعل ليقبل المشتري إن رأى حظاً، أو يترك إن رأى عيباً، ويستوي في هذا الوارث والموروث، ولا يجب أن يورث فكذلك خيار الشرط.
فإن قيل: هو حق ثبت إلى أن مات من هو له فيجب أن يورث كسائر الحقوق؟
قيل له: هذا منتقض بخيار القبول وخيار الوصية.
قال: وكذلك إن جاز الوقت الذي هو أمد الخيار وسكت بطل الخيار، وهذا مما لا لاف فيه، ولا اشكال، لأن العقد وقف على الخيار إلى تلك المدة فإذا مضت المدة والخيار لم يحصل بطل الخيار، وإذا بطل االخيار ثبت العقد واستقر كما أنهما لو أبطلا الخيار قبل المدة ثبت البيع.
ويقال في الخيار لا يورث إذا مات من له الخيار سقط حقه من الفسخ فوجب أن يستقر البيع دليله إذا سقط بمضي مدة الخيار.
فإن قيل: لسنا نسلم أن حقه سقط لكنا نقول: إنه تحول إلى الوراث؟
قيل له: معنى قولنا: سقط أنه لا يصح منه استيفاؤه على وجه من الوجوه، وهذا الواجب في جميع حقوق الميت.
ألا ترى أنه لو وكل وكيلاً يقوم مقامه في استيفاء حقه بطلت وكالته بموته، ولم يجز أن يستوفيه فبان أن حقه قد سقط.
يوضح ذلك أنه لا فصل بين أن يعقدا على أن له خيار كذا، وبين أن يعقدا على أه إن اختار الفسخ إلى كذا فسخ، لأن كل واحد من اللفظي يقوم مقام صاحبه، وقد علمنا أنه عقد على أنه يفسخ إن اختار وإذا مات بطل الشرط؛ لأنه لا يصح منه الإختيار إذاً بعد الموت، وإذا بطل الخيار بموت البائع ثبت البيع، كما أنه يثبت مبضي المدة لبطرن الخيار.
مسألة:
قال: وإن كان الخيار اللمشتري ومات قبل انقضاء مدته بطل الخيار، لأن الخيار لا يورث، فإن كانت المسألة بحالها ومات البائع كان المشتري على خياره، وإن كان الخيار للبائع ومات قبل مدة الخيار بطل الخيار، وإن مات المشتري والخيار للبائع فهو على خياره، وإن مات البائع والمشتري بطل خيارهما.(73/12)
وهذه المسائل كلها مبنية على أن الخيار لا يورثن وقد مضى الكلام فيه فلا معنى لإعادته.
مسألة:
قال: وإذا زال عقل من له الخيار ثم ثاب إليه قبل مدة الخيار كان على خياره، وإن لم يثب إليه عقله كان الخيار لورثته.
قلنا: من كان منهم ولياً وبه قال الشافعي.
ووجهه أن حقوقه أجمع باقية، وزوال عقله لا يبطل منها شيئاً، وهو بمنزلة الطقل في أن حقوقه ثابتة، فإذا عجز عن استيفاء حقه وليه فيه مقامه، كالطفل لما لم يصح منه استيفاء حقه قام وليه فيه مقامه، والولي هو الأب أو الجد، أو من نصبه الحاكم له.
مسألة:
قال: ولو أنه ارتد عن الإسلام، ولحق بدار الحرب صار الخيار لورثته، فإن رجع إلى الإسلام قبل مدة الخيار كان على خياره، وإن رجع بعدها بطل خياره، وذلك أن لحوقه بدار الحرب وإن كاان بمنزلة الموت في كثير من الأحكام فليس هو موتاً بالحقيقة، ولا خلاف أن ماله لو اقتسم وهو باق بعينه فرجع إلى الإسلام أنه أولى بمله فبان أن حقوقه لم تنقطع كما تنقطع بالموت لأنه ممن يصح له الرجوع إلى حقوقه على بعض الوجوه فجاز أن يقوم وليه مقامه في مدة الخيار مادام حياً وإن عاد في مدة الخيار فهو أولى بحقه إن كان باقياً. كما أنه ألوى بما كان باقياً من سائر أملاكه وحقوقه.
فإن جاز بعد مدة الخيار فلا خيار له، لأن خياره يكون قد بطل بمضي المدة لأن الخيار لا يبقى بعد مضي المدة.
واالذي يوجبه القياس أن من زال عقله أو اارتد إن كان وليهما أبطل ما كان لهما من الخيار ثم رجع إلى المجنون عقله، وعاد المرتد إلى الإسلام أنهما لا خيار لهما لأن فعله عليهما يجوز في تلك الحال.
مسألة:
قال: وإذا اشترى رجل حيواناً، واشترطا أو اشترط أحدهما الخيار فاختار من له الخيار الرد كان علفه على البائع في أيام الخيار، وإن كان له لبن كان أيضاً للبائع.
وكذلك القول إذا كان المبيع مما يستغل حيواناً كان أو غيره.(73/13)
ووجهه أن العقد ينفسخ إذا حصل خيار الرد كانه لم يقع يوم وقع فيجب أن تكون السلعة كأنها كانت على ملك صاحبها كما كانت فيجب أن تكون منافعها له ومؤنها عليه كسائر االأملاك لهن ولا يجب أن يكون المشتري متبرعاً بما أنفق، لأنه هو والبائع دخلا فيه على سبيل المعاوضة فيجب أن يستحق العوض بما أنفق.(73/14)
باب القول في شروط البيع
الشروط التي ينعقد عليها البيع ثلاثة: فشرط يفسد البيع، وشرط مع البيع، وشرط يثبت البيع دونه.
وهذه قسمة لا يخرج عنها شيء من الشروط، ولا خلاف في هذه الجملة، وإنما الخلاف في تفاصيلها، ونحن نبين ما نذهب إليه في كل واااحد من هذه الوجوه.
مسألة:
فالشرط الذي يفسد به البيع هو ما اقتضى جهالة في المبيع نحو أن يبيع الرجل غنماً أو ثياباً أو غير ذلك، واستثنى واحداً لا بعينه، وهذا ممالا خلاف فيه إذ لا خلاف أن الجهالة في البيع يفسده، والجهالة في البيع يفسده، والجهالة في الثمن، وإما أن يكون جهالة في المبيع.
ولا خلاف أن كل واحد من هذه الجهالات تفسد البيع لأنه من الغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر، وإذا باع غنماً أو ثياباً واستثنى وااحداً لا بعينه صار المبيع مجهولاً؛ لأنه لا يدري واحد منهما ما الذي تناوله العقد فلا يتميز الذي تناوله العقد من الذي لا يتناوله، وليس هذا مثل ما قلناه في من باع عدلاً على أن فيه مائة ثوب فوجده مائة ثوب، وثوباً فيكون المردود واحداً وسطاً لأن كون االمردود وسطاً يزيل التفاوت فيشبه المكيل والموزون، وها هنا يستثني ما يختاره البائع فيبقى التفاوت الموجب للجهالة.
على أنا ذكرنا هناك وجهاً آخر، وهو أنا قلنا: إنه يحمل على أنه باع مائة جزء وجزء، هذا لا يتأتى في هذه المسألة لأنه اشترط أن يستثني ما يختاره.
مسألة:
قال: وكذلك إن باع وااشترط لنفسه أو للمشتري خياراً إلى أمد غير معلوم، ويكون أيضاً ذلك فاسداً، وهذا أيضاً لا خلاف في فساده، وذلك أن العقد يكون مجهولاً لأنه لا يستقر ولا يدري غاية وقت تأتي الفسخ، ولا وقت تمام البيع.
مسألة:
قال: وكذلك إن باع تمراً في ظرف على أرطال معلومة وااشترط المشتري أن يطرح للظرف مقداراً معلوماً من غير أن يعرفا وزن الظرف كان البيع فاسداً، وذلك أن االتمر المبيع يكون مجهولاً لأنه لا يدري كم قدره.
مسألة:(74/1)