مسائل في أنواع من البيوع
مسألة:
قال: ولا بأس أن يشتري حيوان بحيوان مثله أو خلافه مع نقد.
قد بينا فيما تقدم أنه لا بأس أن يشتري الحيوان بالحيوان سواء كانا جنسين أو مختلفين يداً بيد فإذا ثبت ذلك فدخول النقد إن لم يزد البيع تأكيداً لم يكسبه ضعفاً فوجب أن يكون ذلك على ما قال.
قال: ولا بأس أن يشتري ثوباً ودرهماً بدينار، وهذا صحيح على ما بيناه.
قال: ولو قال: اشتريت منك هذا الثوب بدينار إلا درهماً كان ذلك والأول سواء.
أعلم أنه أجرى قوله: اشتريت منك هذا الثوب بدينار إلا درهما مجرى قوله اشتريت الثوب والدرهم بدينار.
ووجه أن من أصلنا حمل عقود المسلمين على الصحة منى أمكن ذلك واحتمل اللفظ معنى يصح، أو احتمل صرفه إلى معنى صحيح.
فإذا ثبت ذلك وأردنا حمل هذا اللفظ على معنى صحيح لم يخل من أن يقول قد بعتك هذا الثوب بدينار قد حط منه ما قيمته الدرهم، أو يقول: إن معناه بيع الثوب ودرهم بدينار، ولم يجز حمله على أنه ثوب بدينار قد حط منه ما يكون قمية لدرهم لما فيه من الجهالة، ولأنه يحتاج إلى ضرب من الإجتهاد فلم يبق إلا ما قلناه فكان حمل اللفظ عليه أولى.
قال: ولا بأس على هذا أن يشتري ثوباً بدينار إلا مكوك طعام.
ووجهه ما بيناه في المسألة التي قبلها.
مسألة:
قال: ولا بأس بالشتراء أرض بالحنطة أو الدراهم والحونطة إذا لم يكن فيها حنطة قائمة.
وهذا لا اشكال فيه إذ ليس مع المبيع شيء من جنس الثمن.
قال: فإن كان فيها حنطة قائمة لم يجز أن يشترى بالحنطة وحدها ولامع غيرها، فإن كانت الحنطة التي اشتري بها الأرض أكثر من الحنطة القائمة في الأرض جاز ذلك تخريجاً.(71/8)


وهذا محمول على أنه لا يعلم أن الحنطة المشترى بها أكثر من الحنطة القائمة القائمة في الأرض إن اشتري بالحنطة وحدها، وإن كانت اشتريت بها مع غيرها من العين أو الورق كان محمولاً على أن تكون الأرض اشتريتوحدها بالعين أو الورق، والحنطة بالحنطة من غير أن يعلم التساوي فيهما فيكون الفساد راجعاً إلى الشراء بالحنطة، ويصح بيع الأرض بالعين أو الورق.
فأما إن شريت الأرض وفيها حنطة بالحنطة فيجب ان لا يصح البيع إلا أن تكون الحنطة مثلاً بمثل، وما فضل من الحنطة كان ثمناً للأرض على ما بيناه في مسالة الزبد باللبن والزبد.
قال: ولا بأس أن يشترى بغير الحنطة مما يكال يداً بيدٍ ولا يجوز نسأ، وذلك لأن ما يكال لا يجوز أن يباع بما يكال نسأ على ما مضى القول فيه.
وإن باع أرضاً فيها حنطة بأرز نسأ كان قد باع حنطة بأرز نسأ وذلك لا يجوز، وإنما يجوز ذلك يداً بيد.
قال: وأما ما يوزن فلا بأس أن يشترى به يداً بيد ونسأ.
وذلك أنه لم يحصل بينهما شيء مما يوجب الربا لا الجنس ولا الكيل، لأن أحدهما إذا كان مكيلاً، والآخر موزوناً لم يشتركا في شيء من أوصاف علة الربا.
قال: وكذلك القول في سائر الزروع القائمة في الأرض، وقد مضى بيانه فلا حاجة بنا إلى إعادته.
قال: فإن بيعت الأرض واستثنى زرعها فلا بأس بجميع ذلك، وذلك أن الزرع إذا استثني، ولم يعقد البيع عله كان الألاض هي المبيعة على الإنفراد فصح بيعها بجميع ما تقدم يداً بيد ونسأ إذ لم يحصل هناك شيء من أوصاف علة الربا.
إعادة الكيل والوزن للبيع والشراء
مسألة:
قال: ولو أن رجلاً اشترى مكيلاً أو موزوناً بكيل معلوم أو وزن معلوم لم يكن له أن يبيعه حتى يستوفيه بكيله أو وزنه، وإذا باعه وجب إعادة كيله أو وزنه.
وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري).(71/9)


ومن طريق الإعتبار أنه لا يتعين حقه إلا بأن يكتاله لجواز أن يزداد أو ينقص إذا كيل، فصار قبل الكيل وإن قبض في حكم مالم يقبض إذ الإستيفاء يجب أن يقع بالكيل فما لم يكتل فكأنه لم يقبض في الحكم.
وكذلك الموزون يجوز أن يزداد أو ينقص إذا وزن، فإذا اشتراه وزناً ولم يزنه لم يكن في الحكم قابضاً.
وهكذا المشتري الثاني إذا اشترى منه مكيلاً أو موزوناً لا يتم بيعه إلا أن يكيل المكيل، أو يزن الموزون، لأن القبض لا يتم إلا بهما على ما بيناه، ولا يتم البليع إلا بالقبض، ألا ترى أن المكيل إذا كيل مرة أخرىلم يمتنع أن يزيد أو ينقص فلذلك قلنا: إن المشتري الثاني أيضاً لابد له من كيل أو وزن.
على أنه إذا ثبت انه قبل الكيل أو الوزن لا يكون قابضاً حقه على التحقيق أبطلنا البيع قبلهما لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أنه نهى عن البيع قبل القبض)، وما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى عن بيع الطعام قبل القبض).
ورى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أنه قال: ( إذا اشتريت شيئاً مما يكال أو يوزن فقبضته فلا تبعه حتى تكتاله أو تزنه)، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
قال: والبيع والإقالة والتولية فيه سواء.
أما التولية فهي بيع لا خلاف فيه فوجب أن تكون هي والبيع في ذلك لاتختلف.
وأما الإقالة فهي عندنا بيع على الوجوه كلها.
قال زيد بن علي عليهم السلام: الإقالة بمنزلة البيع والتولية بمنزلة البيع.
وحكي عن مالك أنه يقول به.
وقال أبو حنيفة: الإقالة فسخ في حق المتعاقدين قبل القبض وبعده، وعن أبي يوسف بعد القبض بيع مستقل، وكذلك إذا وقعت قبل القبض.(71/10)


ويدل على أنها بيع قول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}، فاقتضى الظاهر تحريم أكل مال الغير إلا أن تكون تجارة عن تراض والتجارة اسم للبيع والشراء. فلما ثبت أن البائع يحل له ما باع بالإقالة عن تراض ثبت أنها بيع عن تراض. وأيضاً لما عاد إلى صاحبه الأول بتراضيهما على عوض معلوم وجب أن يكون ذلك بيعاً مستأنفاً.
دليله لو عاد بثمن من غير جنس الثمن الأول، أو عاد إليه بلفظ البيع.
وأيضاً قد ثبت أنها بيع في حق الشفيع يثبت بها وجوب الشفعة فوجب أن يكون بيعاً في حقهما دليله البيع لما كان بيعاً في حق غير المتعاقدين كان بيعاً في حق المتعاقدين.
دليله أيضاً الهبة على العوض كما كان بيعاً في حق الغير كان بيعاً في حقهما.
فإن قيل: الإقالة رفع لذلك كما قيل: أقال الله عثرته فوجب أن يكون ذلك رفع البيع وهو الفسخ؟
قيل له: ليس الأمر على ما ذكرت، لأن إقالة العثرة ليست رفع العثرة، لأن العثرة قد حصلت فلا يصح رفعها وإنما المراد بها اسقاط العقاب المستحق فكذلك الإقالة في البيع تتضمن اسقاط الثمن المستحق فكذلك الإقالة في البيع تتضمن اسقاط الثمن المستحق بالبيع سواء كان على وجه المقاصة بأن يستحق المشتري عليه بمثل ثمنه، أو بغير ذلك، وإذا كان هذا هكذا لم يكن في لفظ الإقالة دليل على أنها فسخ، وإنما يدل على ما قلنا.
فإن قيل: إنها تصح بغير تسمية الثمن ولو كان بيعاً لم يصح بغير تسمية الثمن؟
قيل له: الإقالة تتضمن التسمية وإن لم يتلفط بها على ما بينا من أن معناها اسقاط المستحق من الثمن، وإذا كان ذلك كذلك لم يمتنع أن تكون بيعاً.
ألا ترى أن التولية تصح من غير تسمية مقدار الثمن وإن كان ذلك لا يصح في سائر البياعات لما ان معنى التولية يتضمنه حتى يكون في حكم المنطوق، فكذلك الإقالة يتضمنها معنى تسمية الثمن.
فإن قيل: لو كانت الإقالة بيعاً مستأنفااً لما صحت قبل القبض؟(71/11)


قيل ل: الأظهر على مذهب أصحابنا أنها لا تجوز قبل القبض لتنصيص يحي عليه السلام في المسألة التي نحن فيها أن الإقالة لا تصح فيما يكال حتى يكال فيسقط عنا هذا الإلزام.
على أن الأقرب أنه قول زيد بن علي، لأنه قال عليه السلام يصححها ما يصحح البيع، وفسدها ما يفسد البيع، على أن جميع ما ألزمونا يلزمهم في حق الغير، لأنها عندهم في حق الغير بيع مستأنف.
فإن قيل: لو كان بيعاً لم يجز في السلم قبل القبض.
قيل له: لا يمتنع أن نقول: إنه في السلم قبل القبض فسخ، لأنه لا يتعلق عليه شيء من أحكام البيع المستأنف، ولأنه لا يعود إلى ملك صاحبه شيء عن من خرج من ملكه أعني المسلم إليه وإنما يسقط عن ذمته ما كان ثابتاً فيها فلم يصحل فيها إذا كانت في المسلم شيء مما دللنا على أنها بيع فلم يجب أن يكون بيعاً فيه.
مسألة:
قال: والمستحب لمن باع مكيلاً أن لا يشتري بثمنه مكيلاً سواه قبل الثمن ومعناه مكيلاً من جنسه.
ووجه الإستحباب فيما ذكر أنه يكون أبعد من تهمة الربا ومشابهته، لأنه إذا أعطاه صاعين تمراً ردياً، وعقد عليه البيع بثمن معلوم ثم اشترى بذلك الثمن صاعاً من تمر جيد قبل قبض الثمن يكون كأنه توصل إلى معنى الربا بذكر الثمن، لأنه لا يبطل البيع بذلك، لكن استحب ما ذكرناه للوجه الذي بيناه.
قال: فإن اشترى بثمنه قبل قبضه موزوناً أو شيئاً مما لا يكال ولا يوزن لم يكن به بأس.
وكذلك القول في من باع موزناً، وذلك أنه إذا اشترى بثمن المكيل الموزون لم يكن فيه تهيمة الربا، إذا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً، فأولى أن يجوز ولا يكره لدخولا الثمن بينهما.
وأما الموزون في هذا الباب في أنه لا يشترى به موزوناً من جنسه من قبل قبض الثمن استحباباً فهو كالمكيل للوجه الذي بيناه.
بيع اللحم بالحيوان
مسألة:
قال: ولا يجوز بيع اللحم من أي جنس كان بحيوان يؤكل لحمه.(71/12)

37 / 149
ع
En
A+
A-