قيل له: هذا التقويم ليس بصحيح بل هو على التقدير لأن مالا يصح بيعه لا يصح تقويمه لكنا لما وجدناه أقرب من مهر المثل عدلنا إليه، والنكاح يحتمل من الحهالة مالا يحتمل البيع، فلذلك فلنا ذلك في النكاح، ومنعناه في البيع، وهذا يبطل ماقاله الشافعي من تقسيط الثمن إذاا كان ما ضامه ممالا يصح بيعه. فأما إذا كان مما يصح بيعه بإجازة مالكه فبه نقول.
وقول الشافعي: إنه يخير بين أخذه بجميع الثمن لا يصح للوجهين الذين بيناهما، لأن التخيير يكون في العقد الصحيح أو الموقوف، فأما العقد الفاسد فلا يصح التخيير فيه، لأنه لا يصح التخيير في العقود المنطوية على الشروط المجهولة والغرر، وقد بينا فساد العقد بالوجهين اللذين قدمناهما فلا معنى للتخيير.
فإن قيل: ألستم تجوزن البيع برأس المال، وإن لم يكن الثمن معلوماً في الحال للمشتري، وكذلك تجوزون بيع الشيء عدداً كل قدر من بكذا، وإن تكن جملة الثمن معلومة فما أنكرتم أن تكون جهالة الثمن لا يوجب فساد هذا العقد.
قيل له: ما أجزنا أجزناه لأن الثمن يصير في الثاني معلوماً، ونظيره ما نجيزه إذا باع ملكه مع ملك غيره، لأن ثمن ملكه يصير معلوماً في الحالة الثانية وإذا باع ما يجوز بيعه ومالا يجوز بيعه فلا سبيل إلى أن يصير الثمن معلوماً، لأنه يصير معلوماً بتقسيط الثمن على قيمته، وقيمة ما ضامه فإذا كاان ما ضامه لا قيمة له لم يصح التقسيط، ولم يصر الثمن معلوماً على وجه من الوجوه.(67/6)


وقلنا: إن الأثمان إذا تميزت صح البيع فيما يجوز بيعه، وذلك أنه يكون بمنزلة الصفقتين المتميزتين فلا يكون منططوياً على الفساد أعنى صفقة ما يملكه، لأنه إنما قال بعتك هذين العبدين هذا بألف وهذا بخمسمائة، على أنه إذا احتمل أن يحمل على وجه يصح بأن يجعل في حكم الصفقتين، وأمكن أن يجعل في حكم صفقة فيفسده فالأولى أن يحمل على وجه الصحة كسائر ما مضى في نظائره، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: و فاسد بمنزلة لو لم تميز االأثمان.
ولا يكون الثمن أيضاً مجهولاً لأن ثمن ما جاز بيعه معلوم فلم يكن فيه واحد من الوجهين الذين أبطلنا ما أبطلناه بهما فوجب صحته.
فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون الصفقة واحدة وإن تميزت الأثمان؟
قيل له: معنى قولنا: هما صفقتان أن كل واحد منهما منفرد بحكمه فأما ما يعرض في أحدهما من الفساد أو الصحة لا يشاركه فيه صاحبه، وهذا حاصل فيما قلناه؟
فإن قيل: ألستم تبطلون عقد من تزوج خمساً في عقدة، وإن تميزت المهور فما أنكرتم من فساد ما أجزتم في البيع؟
قيل له: لأن الخمس مشتركات في الفساد لأن نكاح الخمس لا يصح، وليست واحدة منهن إلا وهي كصاحبتها في أنها من جملة الخمس فوجب فساد نكاحهن، وليس كذلك البيع لأن أحد المبيعين لم يشارك المبيع الثاني فيما أوجب بطلان بيعه بل نظيره أن يتزوج امرأتين في عقد فيجد أحداهماا ذات رحم محرم.
ذكر بيع المشترك من الشريك وغيره
مسألة:
قال: وإذا اشترك حماعة في حمل أَدَمٍ، أو بيت طعام لم يجز لبعضهم أن يبيع حصته من غير شركائه من قبل التقليب ولارؤية، ويكره بيعها من شركائه، فإن كاان قد رآها لم يكن بأس ببيعها من غير شركائه قبل القسمة.
فأما بعد القسمة فالشريك وغيره فيها سواء.(67/7)


هذه المسألة مبنية على أن الشركاء لا يعلم كل واحد منهم نصيبه من الأدم أو الطعاام، وذلك بأن يكون لك واحد منهم دفع دراهم معلومة إلى رجل يشتري له بها أدماً أو طعاماً على سبيل التوكيل، ولم يعلم كل واحد مقدار ما دفع صاحبه، وأذنواا للوكيل في الخلط فاشترى لهم بيت طعام، أو حمل أدم، أو يكونوا قد نسوا مالكل واحد منهم فعلى هذا لا يجوز بيعه نصيبه من الأجنبي، ولا من شركائه، لأنه لا يعلم ما الذي يبيعه، ولا يعلم المشتري ما الذي يشتريه.
وقوله: ويكره بيعه من شركائه هو على المنع لا على أن غيرهم أولى منهم، وعلى هذا لا فضل بين الأجنبي وبين الشركاء، وإن ذكر في الأجنبي بطلان البيع، وفي الشراكاء كراهة البيع لأنهما من طريق المعنى واحد.
قإن عرفوا حصصهم وهو الذي أراده بالتقليب والرؤية فله أن يبيع من شركائه، وهذا مالا اشكال فيه.
وقوله: يكره بيعها من غير شركائه، فالمراد به الكراهة التي هي ضد الإستحباب.
ووجهه أنه يوجب الشفعة في العروض، وما جرى مجراها فيكره ذلك لحق الشفعة.
ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يصلح للشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه)، يعني لحق الشفعة.
وأما الحال بعد القسمة فلا إشكال فيه.
بيع الحاضر للباد
مسألة:
قال: ولا بأس أن يبيع الحاضر للباد.
ووجهه أن توكيل البدوي للحضري يجوز في النكاح والطلاق والخصومة، وفي كل ما صح توكيله فيه من ليس بحضري، ويجوز للحضري قبول وكالته فيها والتصرف عنه فوجب أن يكون البيع كذلك سواء كان المبيع طعاماً أو غيره.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا يبيعن حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)؟(67/8)


قيل له: المراد بذلك حيث فيه ضرر على المسلمين، فقد روي أن أهل البادية كانوا يردون المدينة فيبيعون الطعام على ضرب من التساهل كان فيه رفق للمسلمين والضعفاء، وكان الحضري إذا تولى ذلك يتشدد فيه فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، ومتى كان الحال هذه فنحن نكرهه ونمنع منه للضرر فيه على المسلمين فقد قال في الأحكام: إن كان كذلك نظر فيه الإمام، وهذا كالإحتكار الذي منع منه مع الضرر، ولا يمنع إذا لم يكن ضرر، ونخص الحال التي لا ضرر فيها بالقياس الذي قدمناه.(67/9)


استقبال الجلوبة خارج المصر
مسألة:
قال: ويكره استقبال الجلوبة خارج المصر.
ووجهه ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن استقبال الجلوبة خارج المصر رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي الركبان).
وعن عكرمه، عن ابن عباس قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تستقبلوا السوق).
وعن ابن عمر قال: (نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي السلع حتى تدخل الأسواق).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تستقبلوا الجلب ولا يبيعن حاضر لباد).
وأيضاً قد علمنا أن ذلك يضر المسلمين لأن العدة جارية أنه متى فعل ذلك عز الطعام وغلا وارتفع سعره، وأدى إلى الإضرار بالمسلمين، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)، فجرى ذلك خجرى الإحتكار الذي منع منه لما فيه من الضرر على المسلمين.
فإن علم أنه يسلم من الضرر فالقياس فيه أنه يجوز كالإحتكار وبيع الحاضر للباد إلا أن الأغلب أ،ه لا يكاد يسلم من الضرر.
الحلف في البيع والشراء
مسألة:
ويكره اليمين على البيع والشراء وإن كانت صادقة.
وذلك لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة)، لأن ذلك خلاف التعظيم لأسماء الله، لأنه إذا حلف الإنسان من غير حاجة إليه فكأنه لم يوف أسماءه عز وجل حق تعظيمها، ولأنه إذا استكثر منها لم يأمن أن يقع فها الحنث، وهو مما يعظم الإثم فيه.
القول في الإحتكار
مسألة:
قال: ولا يجوز االإحتكار إذا كان على المسلمين فيه إضرار، فإن لم يكن جاز.
اعتبر يحي عليه السرم في الأحكام المنع من الإحتكار بأن يكون فيه ضرر على المسلمين، وروي نحوه عن جده، وري غيره أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه ضرر.(68/1)

32 / 149
ع
En
A+
A-