بيع السهام الموروثة غير المسماة
مسألة:
قال: ولو أن رجلاً ورث سهاماً من ضيعة أو حوانيت فباعها من غير قسمة ـ تسمية نخ ـ السههام كان البيع جائزاً إذا كانت السهام معلومة، فإن لم تكن معلومة فسد البيع، وذلك أن ذكر السهام ثجب ليكون نصيبه الذي يتناوله البيع معلوماً، فإذا كان ذلك معلوماً صح أن يقول: بعت نصيبي الذي ورثته من فلان، لأنه إذا كان ورث الثلث أو النصف أو ما دونهما أو فوقهما، وكان ذلك معلوماً للبائع والشتري فلا فرق بين أن يذكر في البيع النصيب بالسهام، وبين أن يقول: نسيبي الذي ورثته فلما لم يكن بين العبارتين فرق صح البيع بإحدى العبارتين ويجب أن يصح بالأخرى إذا كانت السهام معلومة.
أما إذا لم تكن السهام معلومة لواحد منهما فوجب أن يفسد لأن البيع يكون مجهولاً لأحدهما أولهما، وذلك مفسد للبيع.
بيع المعاطاة
مسألة:
ولو أن رجلاً أخذ من رجل طعاماً أو غيره بكيل أو وزن أو عدد لم يكن ذلك بيعاً.
فإن أخذه بدراهم معلومة كان ذلك بيعاً، ولا فرق بين أن يأخذ ذلك دفعه أو دفعتين في المسألتين جميعاً.
كان القياس أن لا يكون بيعاً لأنه لم يحصل فيه إيجاب وقبول والعقود من البيوع وغيرها لا تصح إلا بالقبول والإيجاب بألفاظ موضوعة لذلك. إلا أن أصحابنا أجازوا ذلك في انشاء المحقرات كالمأكول ونحوه لما جرت العادة بين المسلمين، وظهر تعاملهم به على السلف والخلف، وهو المحكي عن أصحاب أبي حنيفة، وذلك مما أجمع عليه المسلمون.
على أن الهدايا لا تحتاج إلى لفظ القبول والإيجاب، وكذلك أجمعوا على التسمح في دخول الحمام وإن لم يكن هناك موافقة على مقدار الأجرة لما ظهر من تعامل المسلمين به فكذلك ما ذكرناه للعلة التي بناها.
المخالفة في المأمور به
مسألة:
قال: ولو أن رجلاً قال للبقال: لت لي هذا السويق بأوقية دهن فلته بأوقيتين لم يجب عليه إلا ثمن أوقية، وكان في الثانية متبرعاً.(67/1)
وإن كان قال: لته، ولم يسم الأواقي وجب عليه قيمة ما يلته به إلا أن يتجاوز في ذلك حتى يفسد السويق، فإنه يضمن السويق لصاحبه.
قلنا: إنه في الثانية متبرع لأنه صب عليه من الدهن مالم يأمره به صاحبه فيجري مجرى أن يصب عليه ابتداء في أنه لا يستحق به شيئاً، لأنه متبرع وحكمه في الثانية حكم الإبتداء، لأن صاحب السويق أمره بالأوقية الأولى فقط.
وقلنا: إنه إذا قال: لته، ولم يسم الأواقي فعليه قيمة جميع ما يصب عليه من الدهن لأنه أذن له بلفظ عام فهو يتناول جميع ما يصبه عليه مالم يفرط حتى يفسده، فلذلك أوجبنا قيمة الجميع، لأنه إذا أفسد السويق بكثرة الدهن ضمنه لصاحبه، لأنه أفسد ملك غيره بغير إذنه فيجب أن يضمنه.
الإقالة مع الحط من الثمن
مسألة:
قال: ولو أن رجلاً اشترى من رجل سلعة ثم كرهها واستقال البائع فأبى أن يقيله إلا أن يحط من الثمن شيئاً لم يجز ذلك لأن الإقالة لا تكون إلا بالثمن كله.
فإن ترك المستقيل شيئاً من الثمن من غير أن يشترطه المقيل جاز ذلك.
نص على ذلك في الأحكام والمنتخب جميعاً.
ووجهه أن الإقالة عنده بيع مستأنف، وهي جارية مجرى التولية في أنها عقد بجميع الثمن فإذا قال: أقلتك هذه السلعة على أن تحطني كذا وكذا كان ذلك فاسداً، لأنه يجري مجرى أن تقول بعتك هذه االسلعة بعشرة على أن تحطني درهمين فيفسد االبيع لجهالة الثمن، لأنه لا يجوز أن يكون الثمن عشرة لأن المشتري لم يرض، ولا أن يكون ثمانية لأن العقد لم ينعقد عليها.
وكذلك إذا قال أقلتك والثمن عشرة كأنه قال: اشتريت منك بعشرة على أن تحطني درهمين، فوجب فساد الإقالة لأن ما تقع الإقالة به، وهو الثمن يصير في حكم المجهول.
وقلنا: إن المستقيل إذا ترك شيئاً تبرعاً صح ذلك لأن ذلك لم يعترض العقد فوجب أن تصح الإقالة.
شراء البائع ممن باعه نسأ
مسألة:(67/2)
قال: وإذا باع شيئاً نظرة لم يجز أن يبتاعه من المشتري بأقل من ثمنه إلا أن تكون السلعة قد نقصت قيمتها فإنه لا بأس به نص عليه في الأحكام والمنتخب جميعاً.
والأصل فيه ما روي أن امرأة سألت عائشة فقالت: إني بعت من زيد بن أرقم خادماً بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته بستمائة درهم. فقاالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلقي زيد بن أارقم أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يتب، فدل هذا الخبر من وجهين على أنها قالت ماقالته عن نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أحدهما ـ أن الوعيد لا يلزم الصحابي إذا خالف الصحابي فيما طريقه الإجتهاد، ولم يكن طريقه مخالقة نخ، للنص فلما ألزمته الوعيد دل ذلك على أن زيداً خالف النص.
والثاني ـ أن مقادير أجزاء الثوب والعقاب لا يمكن العلم بها إلا من طريق النص.
وقولها: إن الله عز وجل قد أبطل جهاده ـ يدل على أن أجزاء العقاب على الفعل كانت أكثر من أجزاء ثوبه، وهذا لا بد من أن يكون طريقه النص.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الوعيد منصرفاً إلى البيع إلى العطاء.
قيل له: ظاهر كلامها أن الوعيد منصرف إلى الأمرين لأنها قالت: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت على أن البيع إلى العطاء مما اختلف فيه الصحابة، وظاهر كلام عائشة يدل على أنها إجازته لأنه لو لم يجز لكان البيع الثاني فسخاً له.
فإن قيل: فما السبب الذي من أجله أنكرت البيع الأول؟
قيل له: يحتمل أن تكون علمت أن البيع الأول أوقعاه ليتوصلا به إلى البيع الثاني المحظور.
ومن أصحابنا من قال: أنكرت البيع الأول لأنه انطوى على الزيادة، وهذا عند يحي بن الحسين جنس من الربا على ما مضى القول فيه.
فإن قيل: إنكم أبطلتم فعل زيد لقول عائشة وادعيتم أنها قالت ما قالت على النص فما تنكرون على من قال لكم: نحن نبطل قول عائشة بفعل زيد، وندعي أنه فعل ما فعل عن النص؟(67/3)
قيل له: ليس في فعل زيد ما يدل على النص لأن الفعل قد يقع باجتهاد المجتهد، وقول عائشة: <إن الله قد أبطل جهاده>، لا يجوز أن يكون إلا عن النص، لأن ذلك لا طلايق إلى معرفته إلا من جهة النص.
فإن قيل: القياس سشهد لنا، لأن له أن يبيعه من بائعه بأكثر من ثمنه، وبمثل ثمنه، ويدوز له أن يبيعه من غيره بأقل من ثمنه فوجب أن يجوز بيعه منه بأقل من ثمنه؟
قيل له: لا يمتنح أن القياس ما ذهبتم إليه لكن النص يدل على خلافه على ما بيناه فوجب أن يسقط القياس.
على أنه لاخلاف أن القرض الذي يجر المنفعة لا يحل بل يحرم فكذلك ما اختلفنا في والعلة أنه يثمر الربا.
ويدل على صحة هذا التعليل أن التي سألت عائشة قالت: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فقالت: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف)، فأجرته مجرى الربا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه مثل قولنا، وخالف الشافعي فقال بجوازه.
وقلنا: إلا أن تكون نقصت قيمتها، فإنه لا بأس بذلك ووجهه زوال التهمة، ولأن الخبر ورد في فعل فما يمكن ادعاء العموم فيه، ويجوز أن تكون أنكرت لكون المبيع على ما كان عليه في باب التقويم و إذا احتمل ذلك، رجعنا إلى القياس والظواهر المجيزة للبيع، لأنا كنا عدلنا عن ذلك للنص ولا نعلم ورود النص مع نقصان القيمة.
ذكر اشتمال البيع على شيء لا يصح بيعه
مسألة:
قال: ولو أن رجلاً ااشترى عبدين صفقة فوجد أحدهما حراً، أو مكاتباً و مدبراً كن البيع فاسداً، فإن تميزت الأثمان صح البيع فيمن جاز بيعه دون من لم يجز.(67/4)
وكذلك القول فيمن اشترى شاتين مذبوحتين فوجد أحداهما ذبيحة من لا يجوز أكل ذبيحته أو ميتة. في المسألتين قال أبو حنيفة كقولنا، وللشافعي قولان أحدهما ـ مثل قولنا، والثاني ـ أن البيع يصح فيما يجوز بيعه، وللمشتري الخيار بين أخذه بجميع الثمن، وبين رده، وأجرى ذلك مجرى العيب، وحكي قول ثالث ـ أنه يأخذه بقسطه من الثمن، وذلك لا يصح عندنا في هذه المسألة، وإنما يصح إذا باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره بغير اذن صاحبه.
ووجه قولنا في هذه المسألة أن البيع وقع فاسداً لانطوائه على مالا يصح بيعه من الحر والميتة فأشبه البيع المنطوي على خيار مجهول المدة أو أجل بثمن مجهول في أنه لما انطوى على مالا يصح وجب فساده، فكذلك ما اختلفنا فيه، ولا يلازم على المسألة أن يبيع ملكه وملك غيره، لأن هذا البيع لم ينطوي على فساد لأنه عقد موقوف، ومتى أجازه المالك صح واستقر، ولا يلزم عليه أن يتزوج امرأتين في عقد واحد فوجدت أحدهما ذات رحم محرم، لأن انطواء عقد النكاح على الفساد لا يفسد ما صح منه ألا ترى أن النكاح على الخمر والخنزير يصح وإن فسد المهر وكذلك انطواؤه على الشروط الفاسدة لا يفسد كما يفسد البيع انطواؤه على الشروط الفاسدة.
وأيضاً يجب فساده لوجه آخر، وهو جهالة الثمن لأن تقسيط الثمن على قيمته لا يصح إذا كان ضامه في العقد مما لا يصح بيعه فلا يصح تقويمه كما يصح ذلك في العبدين إذا كان أحدهما ملكا لغيره.
فإن قيل: فهبكم قلتم ذلك في الحر والميتة فلم قلتم في المدبر والمكاتب، وقد قلتم إن من تزوج على مدبر أو مكاتب أو أم ولد قوم وجعل المهر قيمته؟(67/5)