فإن قاسوه على العضو بعلة أنه لا يجوز إفراده بالبيع لم يصح، وذلك لأن إفراده بالبيع لم يصح لما فيه من الجهالة والغرر، ولا يصح أن يكون المستثنى في هذا الباب كالمبيع المستثنى منه لأن الجهالة والغرر إنما يفسدان البيع ماحصلا فيه فأما حصولهما في المستثنى فلا يوجب فساد المستثنى منه على ما بيناه.
فإن قيل: جاز ما ذكرتم في العتق والوصية لجواز ثبوتهما مع الأخطار والغرر؟
قلناا: لا يلزمنا لأنا لا نجوز بيع الولد في بطن أمه، وإنما جوزنا استثناءه، والإستثناء يثبت فيما لا يثبت فيه البيع.
فإن قيل: أليس عندكم من باع شيئاً واستثنى منه شيئاً مجهولاً يكون بيعه فاسداً فما الفرق بين ذلك وبين بيع الناقة واستثناء ولدها.
قيل له: لسنا نعتبر بكون المستثنى معلوماً أو مجهولاً، إنما اعتبرنا في فساد البيع بالإستثناء، أن لا يكون الإستثناء يوجب جهالة في المعقود عليه.
ألا ترى أن من باع مسلوخة واستثناء أرطالاً معلومة من اللحم يكون بيعه فاسداً، وإن كان المستثنى معلوماً لما كان مؤدياً إلى الجهالة في المبيع فثبت أن اعتبارنا في صحة العقد وفساده مع الإستثناء هو أن يكون المعقود عليه يصبر به مجهولاً، أو لا يصير مجهولاً فإذا كان ذلك كذلك وثبت أن استثناء الولد لا يوجب جهالة في الأم، لم يفسد بيعها على ما بيناه، وسقط الإلزام الذي ذكروه.(66/8)
ووجه قولنا: إن على المشترى للبائع أن يمكن الناقة أن ترضع فصيلها رضعة إلى ثلاثة رضعات قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ضرر وضرار في الإسلام)، ومن المعلوم أن الفصيل إن قطع عليه اللبا ولم يرضع منه شيئاً، فالأغلب أنه يتلف فعلى المشتري أن يمكن من ذلك أيضاً، ولا خلاف أن من خاف على نفسه التلف من الجوع فله أن يتناول من طعام غيره ويضمنه، ويجب على صاحب الطعام تمكينه منه فكذلك حال صحب الفصيل، لأنه إحياء نفس، والضي يجب فيه أن يضمن البائع للمشتري قيمة ذلك اللبن، وإن لم يكن منصوصاً، لأنه لا يصح استباحة ملك الغير بلا عوض عند خشية تلف نفس ابن آدم، فأولى أن لا يجيز ذلك عند خشية تلف الفصيل.
مسألة:
قال: ولا بأس ببيع الصوف على الجلد، وهذا منصوص عليه في الأحكام.
ويجب أن يكون المراد بذلك إذا كان الحيوان غير حي لتنصيصه في الأحكام أنه لا يجوز بيع ما على ظهور الأنعام الصوف والشعر والربر.
ووجه ما قناه فيما ليس بحي أنه إذا لم يكن حياً لم يتعلق حكم بعضه ببعض فيجري مجرى الشيئين المنفصلين في أنه يجوز بيع أحدهما دون الآخر، وإن كان بينهما اتصال.
ألا ترى أن جواز بيع أذرع من الثوب كجواز بيع أحد الثوبين دون الآخر، وليس كذلك إذا كان على الحي لأنه لا يمكن استيفاؤه كاملاً لما يلحق البهيمة من الضرر في ذلك، فإذا لم يكون أعني الجلد والصوف في حكم المنفصلين.
مسألة:
قال: ولا بأس أن يبيع الأرض ويستثني زرعها، والنخل ويستثني ثمرها، والشاة ويستثني لبنها، ولا باس أن يبيع الجارية ويعتق مافي بطنها.
جميع ذلك منصوص عليه في المنتخب.
فأما قول يحي: لا باس ببيع الأرض مع استثناء زرعها فيجب أن يكون محمولاً على أحد وجهين:
أحدهما ـ أن يقال فيه: إنه عبر بالزرع عن الغرس على سبيل التجوز.(66/9)
والثاني ـ أن يكون فيمن باع أرضاً مع مافيها من الزرع، ثم استثنى شيئاً من جملة الزرع، لأن الأرض إذا أطلق بيعه لم يدخل الزرع، ودخلت الأشجار ذكر ذلك أبو العباس الحسني في االنصوص، وهو مما لا أحفظ فيه خلافاً فيه خلافاً فلا معنى لقول من قال: يجوز بيع الأرض واستثناء الزرع إلا على الوجهين الذين ذكرناهما، لأن الإستثناء إنماء يصح فيما لولاه لدخل في جملة المستثنى منه، وهذا مما لا خلاف فيه، وكذلك لا خلاف في جواز بيع النخيل واستثناء ثمرها إذا وقع العقد على وجه يقتضي اشتماله على الثمر.
فأما بيع الجارية واعتاق مافي بطنها من الولد فالكلام فيه هو الكلام في الذي تقدم في بيع الناقة واستثناء مافي بطنها من الولد فلا غرض في اعادته.
وبيع الشاة واستثناء لبنها مبني على هاتين المسألتين أعني بيع الناقة واستثناء مافي بطنها من الولد وبيع الدارية واعتاق مافي بطنها والكلام فيه نحو الكلام في المسألتين.
مسألة:
قال: ولا يجوز بيع الكلب، قاال: وقال القاسم: إلا أن يكون كلباً ينتفع به في زرع أو ضرع أو صيد، قال القاسم عليه السلام لا بأس ببيع الهر.
نص يحي في الأحكام على تحريم ثمن الكلب، ونص القاسم في النيروسي على أن ثمن الكلب يحل إذا كان كلب صيد أو ماشية أو زرع، ورأينا أن نبني قول يحي على قول القاسم عليهما السلام، ثم تأملناه فضل التأمل فلم نجد في كلام يحي ما يقتضي ذلك فالأولى أن تكون المألة خلافاً بينهما.
فوجه ما يذهب إليه يجي عليه السلام من عدم جواز بيعه.
ما أخبرنا به أبو بكر المقري، حدثنا الطحاوي، حدثنا يونس، حدثنا سفينان، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي مسعود (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي، وحلوان الكاهن).(66/10)
وأخبنا ابو بكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا فهد، قال حدثنا أبوغسان، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا عبدالكريم الجزري، عن قيس بن حبيب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ثمن الكلب حرام).
وأخبرنا أبوبكر المقري، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة عن عبيدالله بن أبي جعفر أن صفوان بن سليم أخبره، عن نافع، ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً.
فإن قيل: هذا كان في وقت أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الكلاب، ثم نسخ ذلك بأن أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اقتناء كلب الماشية والزرع والصيد نسخ مارويتموه.
قيل له: الإذن إنما ورد في الإقتناء دون البيع، ولم يرد في شيء من الأخبار الإذن في البيع فكيف يدعى نسخ مارويناه، على أن ابن عمر روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد، أو كلب ماشية، ثم روينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم النهي، عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً، فدل ذلك على أن النهي عن ثمن الكلب قائماً، وإن كان الكلب ضارياً مع إباحة إقتنائه، ودل ذلك على سقوط ما ادعوه من النسخ.
مسألة:
قال: ولا يجوز بيع العذرة بيع العذر ولا الميتة ولا الخمر، وهذا مما لا خلاف فيه.
ويدل على ذلك قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}، وقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}، إلى قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ}، والمنع والتحريم يتعلقان بالتصرف فيها، وهما عامان في جميع التصرف والبيع من جملة التصرف فوجب تحريمه والمنع منه.
وروى زيد بن على، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع العذرة والخمر).
مسألة:
قال القاسم عليه السلام: ولا يستحب بيع العصير والعنب ممن يتخذهما خمراً، فإن باعهما منه جاز البيع.(66/11)
ووجه الكراهة انه عون له على الإثم والفعل الحرام، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
ووجه جواز البيع أنهما مباحان يجوز الإنتفاع بهما فأشبه بيعهما ممن لا يتخذهما خمراً، وقد قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ}، وقال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}، وهذه تجارة عن تراض.
فإن قيل: فهلا أبطلتموه لأنه عون على الإثم والعدوان؟
قيل له: ليس ذلك بعون على التحقيق، لأن المعين لا يكون معيناً إلا إذا قصد الإعانة ولهذا لا نقول: إن الله يعين على المعاصي وإن أقدر عليها، ومعنى قولنا: إنه عون على الأثم على التقريب والتشبيه بالعون من حيث كان تمكيناً منه لولا ذلك كان محرماً ولم يكن مكروهاً.
مسألة:
قال: ولا يجوز بيع ما عقد عليه الإجارة دون انقضاء مدتها، فإن كان البائع مضطراً نقضت الإجارة وجاز البيع.
معنى قولنا: لا يجوز بيع ما عقدت عليه الإجارة أن بيعه لايتم إلا بتسليم المبيع، لأن تسليمه لا يصح لحق المستأجر.
يدل على ذلك أن المبيع لو تلف قبل التسليم تلف من مال البائع، فدل ذلك على أن ابيع لا يتم، وليس المعنى انه لا يصح لأنه إنما قال في المنتخب أن البائع إن كان موسراً كان الكراء على حاله، ولم يقل: إن البيع يبطل.
ووجه قولنا: إنه إن كان البائع مضطراً انتقضت الإجارة، وجاز البيع، ومعناه تم ونفذ وصح التسليم، لأن من مذهبنا أن الإجارة تنتقص للعذر على ما نبينه في كتاب الإجارة فإذا كان البيع للعذر انتقضت الإجارة فصح التسليم، لأن الذي منع من التسليم إنما كان حق المستأجر، فإذا انتقضت الإجارة وبطل حق المستأجر لم يكن هناك مانع من التسليم فصح التسليم، وتم البيع.(66/12)