وأخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثني محمد بن الحسين بن اليمان، حدثنا محمد بن شجاع، حدثنا روح، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها)، فكل هذه الأخبار نصوص في صحة ما ذهبنا إليه.
فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد به بيع الثمار قبل حدوثها، حتى يكون بائعاً ماليس عنده، فقد روي عن سمرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع السنين.
قيل له: الظاهر أنه نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيعها حتى يبدو صلاحها، ولا يجوز حمله على ما ذهبتم إليه لأنه يبطل بتحديد البيع إلى حين يبدو الصلاح، لأنه يرتفع على قولكم.
قيل له: الظاهر أنه نهى صلى الله عن بيعها حتى يبدو صلاح، لأنه يرتفع على قولكم.
وقيل له: ذلك حين حدوث الثمرة فالواجب إذا حمل النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها على ظاهرها، والنهي عن بيع السنين على ظاهره، من غير أن يعترض بأحدهما على الآخر.
فإن قيل: ما تنكرون أن يكون خبركم مخصوص بخبرنا؟
قيل له: التخصيص إذا لم يكن استعمالنا الخبرين على ظاهرهما، فأما إذا أمكن ذلك فلا وجه للتخصيص، على أن خبركم لو اعترض به على خبرنا لم يكن ذلك تخصيصاً بل كان نسخاً، لأن خبرنا اقتضى تحديد المنع من بيعها إلى حين يبدوا صلاحها، وخبركم متى اعترض به عليه ناقتضى ابطال هذا التحديد، وهذا هو النسخ فبطل ما اعتمدوه.
فإن قيل: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أرأيتم إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه)، يدل على أنه قصد النهي عن بيع مالم يوجد.(66/3)
قيل له: يحتمل أن يكون المراد ما ذهبنا إليه، ويكون ذلك تنبيهاً على فساد بيعها في تلك الحال لكون المقصود به التبقية، وإذا احتمل ذلك لم يجز حمله على ما ذهبوا إليه، ولا وجه لقياسهم في هذا الباب، لأنه يؤدي إلى إبطال التحديد الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ألا ترى أنهم يسوون بين حاله قبل بدو صلاحه، وبعده، وذلك يبطل التحديد به.
فأما الشافعي فيوافقنا على فساد بيعها مالم يشترط القطع، فكذلك إذا اشترط والعلة أنه بيع ثمره لم يبن صلاحها، وهذه العلة يعضدها لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأصول تشهد لنا، لأنا لم نجد في الأصول بيعاً فسد بترك اشتراط تسليم المبيع، إلا واشتراط تسليمه غير مؤثر في صحته.
فإن قيل: العلة في فساده أن العرف يقتضي تركه متى اطلق البيع، وإذا اشترط القطع زال ذلك.
قيل له: لو سلمنا لكم علتكم لم تقدح في علتنا، لأنا نقول: بهما فيما أطلق بيعه من ذلك، ونقول بعلتنا فيما اشترط فيه القطع.
وأما ما ذكرناه من إبطال سنين فمما لا خلاف فيه، لأنه بيع الغرر، وبيع ماليس عندك، وبيع مالم يوجد، ولا وجه لأن نستقصي فيه، لأنه وفاق.
وقلنا: إن ورق التوت حكمه حكم الثمرة، لأنه في معناها، وطلب الأنتفاع فيها على وجه واحد، فلا غرض في إعادة القول فيه.
بيع اللبن في الضرع
مسألة:
قال: ولا يجوز بيع اللبن في الضرع، ولا بيع ما في بطون الأنعام، ولا ما على ظهورها من الجلد والصوف والشعلا والوبر، ولا بيع الحيتان في الآجام والأنهار كل ذلك بيع الغرر، جميعه منصوص عليه في الأحكام، غير الجلد فإنه منصوص عليه في المنتخب، وإن كان قد نبه عليه في الأحكام، وبه قال أبو حنيفة.(66/4)
وإنما قلنا: إن بيع اللبن في الضروع لا يجوز لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النهي عن بيع المضامين، وهو اللبن مضموناً في غيره، وذكر أبو عبدالله البصري أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن بيع اللبن في الضرع، ولآن سبيله سبيل الولد في بطن أمه، لأنه مضمون خلقة.
وقلنا: إن بيع الولد في بطن أمه لا يجوز لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المضامين، ولما روي من نهيه عن بيع الملاقيح، وعن بيع حبل الحبلة، فأما ما على ظهور الأنعام من الجلد والصوف والشعر والوبر فقلنا: لا يجوز بيعه لأنه لا يمكن استيفاؤه وتسليمه، فأشبه العضو من أعضائها.
فأما الحيتان في الآجام والأنهار فلا يجوز بيعها لوجهين:
أحدهما ـ أنها مباحة غير مملوكة لا يجوز بيعها مالم تملك.
والثاني ـ تعذر تسليمها فإن كانت اصطيدت وملكت، ثم أرسلت في ماء يمكن أن تؤخذ منه على غير وجه الصيد كأن يرسل في ماء يسير، فإن بيعها جائز نص عليه زيد بن علي. وقوله يحي لم يتناوله، لأنه ذكر ما كان منها في الآجام والأنهار.
وما روي من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر يتناول جميع ما ذكرناه.
بيع الناقة واستثناء مافي بطنها
مسألة:
قال: وإن باع ناقة واستثنى مافي بكنها، أو استثنى جلدها أو غير ذلك إذا كان عضواً معلوماً كان ذلك جائزاً، كل ذلك إذا كان المبيع قد ذبح قبل البيع تخريجاً، وهذا منصوص عليه في المنتخب.
وقلنا: تخريجاً لأن جواز ذلك إذا كان مذبوحاً لتنصيصه فيه على أنه لا يجوز بيع الجلد على الثور وهو قائم، فإذا لم يجز ذلك كان الأولى أن لا يجوز بيع اللحم، وهو قائم، والبائع إذا استثنى الجلد فكأنه باع ماسواه، فإذا لم يجز البيع في الأقل فالأولى أن لا يجوز في الأكثر.(66/5)
والمراد بقولنا في هذه المسألة إن باع واستثنى مافي بطنها مقصور على ماسوى الولد من الرية والكرش ونحوهماا لتنصيصه في المنتخب على جواز بيع الناقة، وااستثناء ولدها، وهذه الجملة لا أحفظ فيها خلافاً لافي إجازة البيع في المذبوح، ولافي منعه في الحي.
أما وجه إجازة في المذبوح فهو أنه إذا ذبح لم يتعلق حكم بعض أعضائه ببعض فيجري مجرىشيئين منفصلين في أنه يجوز بيع أحدهما دون صاحبه، ويجري مجرى أشياء منفصلة في أنه يجوز بيعها مع استثناء بعضها.
وأما وجه منعه في الحي فهو أن أعضاء الحي لا يجوز أن تفرد بشيء من الأحكام لأن جملته في حكم الشيء الواحد، فلم يحز أن يستثني منه، لأن ذلك يقتضي افراده بالحكم، وذلك يتعذر.
على أن ماروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم من نهيه عن بيع الغرر يتناول ذلك لأنه لا سبيل إلى تسليم المبيع دون المتثنى على وجه من الوجوه، ولا يلزم عليه الجزء الشائع في الجميع، لأن ذلك صحيح افراده بالبيع والهبة والإرث والإيجاز فكذلك التسليم.
مسألة:
فإن باعها واستثنى منها رطالاً معلومة كان البيع فاسداً، وإن باع واستثنى ربعاً وثلثاً، أو جزءاً معلوماً منه جاز البيع في الحي والمذبوح.
جميعه منصوص عليه في المنتخب، وهو أيضاً مما لا أحفظ فيه خلافاً.
وأما إذا باعها وااستثنى أرطالاً معلومة لم يدر مقدار البقي والبيع إنما تناوله دون المستثنى فلما اقتضى ذلك جهالة المبيع وجب أن يقتضي فساد البيع.
وأما ترى أن الوارث قد يرثه دون ما عداه، فكذلك يتأتى فيه الهبة والبيع والإجازة فوجب أن يصح استثناه.
ألا ترى أنه لو باع المستثنى منه منفرداً عن المستثنى لصح البيع فكذلك إذا باعها واستثنى جزأً شائعاً في جميعه.
مسألة:
قال: ولو باع ناقة حية واستثنى مافي بطنها من الولد كان البيع جائزاً، ووجب على المشتري للبائع رضعه إلى ثلاثة رضعات ترضعها الناقة فصيلها إذا نتجت.
وجميعه منصوص عليه في المنتخب.(66/6)
أما ما ذهبنا إليه من إجازة بيع الناقة مع استثناء مافي بطنها من الولد فأكثر العلماء على خلافه أن البيع فيها يفسد.
ووجه قولنا: قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ}، وعمومه يقتضي صحة البيوع أجمع إلا مامنع منه االدليل.
فإن قيل: لينا نسلم أنه بيع حتى يجب دخوله دخوله تحت العموم.
قيل له: لالتباس أن اسم البيع منطلق عليه من جهة اللغة، وإذا كان ذلك كذلك وجب أن يتناوله العموم ولم يجب أن يراعى تسليم من يسلم أنه بيع أو امتناع من يمتنع منه وإنما يراعى ذلك في الأسماء الشرعية دون الأسماء اللغوية والبيع هو من أسماء اللغة فوجب بما بيناه صحة ما ذكرناه.
ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}، وهذه تجارة عن تراض فوجب أن يكون صحيحاً.
فإن قيل: نهيه عن بيع الغرر يقتضي فساد هذا البيع، وتخصيص ما اعتمدوه من العموم؟
قيل له: ذلك لا يتناول ما اختلفنا فيه، لأن الغرر إذا كان إنما يكون المستثنى فأما في المستثنى منه، وهو الذي تناوله البيع فلا يجوز فيه فوجب أن يكون صحيحاً، وألا يعترض هذا الخبر. ومما يدل على ذلك ما أجمعنا من ان الولد في بطن أمه يصح أن يفرد ببعض من الأحكام كالوصية والعتق لأنه لا خلاف أنه يجوز الوصية بمافي بطن الجارية دون الأم، فلما كان ذلك كذلك وجب أن يصح استثناؤه عن الأم دليله الأرض تباع وفيها الأشجار، لأن الأشجار كما يصح افرادها بالحكم صح استثناؤها عن بيع الأرض، ولم يجب به فساد العقد، وكذلك ما اختلفنا فيه.
يدل على صحة علتنا أن مالا يصح افرده بشيء من الأحكام كالعضو لم يصح استثناءه في البيع.(66/7)