قيل له: لسنا نقول: إنه يبطل لواحد منهما بل نقول: إنه يبطل لاجتماع علم أحدهما وجهل الآخر إذ الخداع بذلك يتم وإياه تناول قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا خلابة.
مسألة:
قال: ولا بأس بمبايعة المشرككين إذا لم يباعوا سلاحاً ولا ركاعاً ولا بأس باشتراء بعض المشركين من بعض، وهذا منصوص عليه في الأحكام.
قلنا: إنه لا بأس بمبايعة المشركين لأنه لا خلاف في ذلك، ولقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَى}، فلم يستثن بيعاً من بيع، ولأن كلك مال جاز أن يملككه على الغير بوجه من الوجوه جاز أن يمله عليه بالشراء واستثنينا السلاح والكراع، لأن في ذلك تقوية على المسلمين، وتكثيراً لعدتهم، وذلكك ممالا يجوز لأنه يكون كالمعاونة لهم على ذلك، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ولا يجب أن يكون سبيل سائر الأشياء سبيل السلاح الوكراع في هذا الباب وإن ككان في بيع سائر الأشياء ضرب من التقوية، لأن موضوع سائر الأشياء ليس هو موضوع الإستعانة ب وموضوع السلاح والكراع موضوع الإستعانة به على الأعداء.
ألا ترى أن الله تعالى لما قال: (واعدو الهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)، كان ذلك أمراً بما يكون موضوعه موضوع الإستعانة به عليهم من الأسلحة وما جرى مجراها.
وقلنا: إنه لا بأس بشراء بعضهم من بعض لأنا قد بينا فيما تقدم أن الملك في دار الحرب يكون بالغلبة فكل من غلب من المشركون ممن يصح تملكهم فمن غلب منهم على نفسه في دار الحرب صار مملوكاً للغالب فصح أ، يشترى منه.
مسألة:
قال: ويكره مبايعة الظالمين، هذا منصوص عليه في الأحكام.(64/8)


ووجهه أ، أحسن أحوال مافي أيديهم من الأموال أن تكون من المشبهات، لأنا وإن لم نحكم بأنها حرام على القطع، فإنما كره لكثرة أمارات التحريم فيه، فإن من المعلوم من أحوالهم أن عامة ما يتصرفون فيه من الغصوب التي لا شك في تحريمها، قال: حدثنا الناصر، قال: حدثني أخي الحسين بن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، عن علي بن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي رفعه، قال: (الوقوف عند الشبهة خير من الإقتحام في الهلكة).
وروى أبو داود في السنن بإسناده عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبيهما أمور متشابهات، لا يعلمهاا كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ دينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).(64/9)


معاملة المماليك بيعاً وشراء
مسألة:
قال: ولا يجوز بيع العبد ولا شراؤه إلا بإذن سيده، وهذا منصوص علي في الأحكام.
والأصل فيه ما قد ثبت أن العبد لا يملك شيئاً فإن سيده مالك له، ولما في يده، وقد نص الهادي عليه السلام على ذلك في كتاب الهبات وكتاب المكاتبة من الأحكام، وإذا ثبت ذلك ثبت أن تصرفه لا يجوز إلا بإذن سيده لأنه يكون في حكم من تصرف في ملك غيره في أنه لا يصح إلا بإذن المالك، وماذهبنا إليه من أن العبد لا يملك، به قال أبو حنيفة والمشهور من قول الشافعي، وحكي عنه في القديم أنه قد يملك، وهو قول مالك.
والأصل فيه قول الله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ..} الآية. ففيه وجهان من الدلالة:
أحدهما ـ أنه قال مملوكاً لا يقدر على شيء فمنع أن يقدر على شيء فهو على عمومه إلا حيث يخصه الدليل فوجب أن لا يقدر على شيء من التصرف، وفيه أنه لا يملك.
فإن قيل: القدرة لا تنبي على جواز التصرف في حقوقة، فإن جاز أن يستعمل ذلك اتساعاً فالإتساع لا يعرف منه المراد إلا بالدلالة.
قيل له: ليس حال اللغة فيما ذكرت على ما قدرت لأن أهل اللغة لا يرجعون في معنى القادر والقدرة إلى ما يرجع إليه المتكلمون، وإنما يرجعون فيه إلى التأتي فلا يمتنعون من القول: إن فلاناً لا يقدر على كذا إذا كان لا يتأتى منه، سواء كان ذلك وهو مستطيع له، وتعذره الآلة أو لفقد الدواعي، أو لمنع سوى ذلك على وجه من الوجوه، أو كان غير مستطيع له، فإذا ثبت ذلك صح الإستدلال بما ذكرناه، وصح تعذر التصرف منهم من جميع الوجوه، إلا ما خصه الدليل.(65/1)


ولاوجه الثاني من الإسدلال بالآية ـ أنه فصل بالواو بين العبد وبين من رزقه رزقاً حسناً فهو ينفق منه، فاقتضى الظاهر إن العبد لا يرزق رزقاً حسناً يوجب ينفق منه، وآخر عاقلاً كان الظاهر أن الذي ذكره أولاً لا يوصف بأنه عاقل، وأن الإختلال المذكور من حاله عبارة عن اختلال العقل، وإن كان الإختلال يصح تصرفه إلى غير العقل.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُمْ مِنْ شُرَكَاءٍ}، فنبه أنه ليس فيهم من يشاركنا فيما رزقناه، وهذا ينفي أن يكون لهم ملك، لأنه لو جاز أن يكون لهم ملك جاز أ، يكونوا شركاءنا في كثير من الأملاك.
فإن قيل: فإ،ه قال: (فيما رزقناكم)، والشيء إذا كان ملكاً لإنسان لم يصح أن يكون له فيه شريك حر ولا عبد، لأن اشركة تقتضي أن ذلك التصرف بكماله ليس ملكاً له.
قيل له: هذا يخرج الآية من أن تكون لها فائدة، لأن ذلك يستوي فيه الحر والعبد والله تعالى إنما قال: {هَلْ لَّكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُمْ مِنْ شُرَكَاءٍ}، فخص نفي الشركة بيننا، وبين ما ملكت أيماننا.
فدل ذلك على أمر يختص ملك اليمين، وليس ذلك إلا ما ذهبنا إليه.
على أن الآية تدل على ما ذكرناه من وجه آخر، وهو أنه تعالى أراد أن يبين أن الملك كله له، وأنه ليس لنا ملك نستبد به دونه ألا ترى أنه تعالى قال: {وَلَهُ مَنْ فِيْ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، إلى قوله: {فِيْمَا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُمْ مِنْ شُرَكَاءٍ}، فلولا أن ما ملكت أيماننا لا يجوز أن يستبدوا بالملك دوننا لم يصح ضرب هذا المثل.(65/2)


ويدل على ذلك ما أخبرنا به أبو الحسين البروجردي قال: حدثنا يوسف بن هارون القاضي، قال: حدثني علي بن شعيب، وأحمد بن يحي، قال: حدثنا سفيان، عن الزهيري، عن سالم عن أبيه يبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع).
وحدثنا محمد بن عثمان الناقاش، حدثنا الناصر، عن محمد بن منصور، عن عباد بن يعقوب، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال علي عليه السلام: [من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع]، فدل الخبر على أن مافي يد العبد يكون لمالكه ألا ترى أنه جعل المال للبائع دون في الوقت الذي أضافه إلى العبد يبين ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما جعل مال العبد في حال زوال تملك مولاه عنه لمولاه كان الأولى أن يكون ذلك لمولاه في حال تملكه إياه.
فإن قيل: فكيف يصح لكم الإستدلال به، وفيه إضافة المال إلى العبد.
قيل له: الشيء قد يضاف إلى من هو في يده كما يضاف إلى مالكه، ألا ترى أن الله تعالى أضاف البيوت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تارة، وإلى أزواجه تارة، فإذا احتمل ذلك ما ذكرناه وجب أن يحمل ذلك على انه أضافه إليه لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم ملكاً لبائعه.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِيْنَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:32]، والغني يكون بالملك، فدل ذلك على أنهم يملكون؟
قيل له: يجوز أن يكون المراد به الغني بالنكاح، كما قال الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِيْنَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:33]، وهو أولى، لآنه خبر، وهو لا يقع بخلاف المخبر. وفي الفقراء من يتزوج فلا يستغني بالمال.(65/3)

26 / 149
ع
En
A+
A-