قال: وإذا(1) ماتت الأم، كانت الجدة أم الأم أولى به، فإن لم يكن جدة، فالأب، فإن لم يكن أب، فالخالة أخت الأم، فإن لم يكن خالة، كان الأولى به الأقرب فالأقرب من قبل الأب، والجدات من قبل الأم أولى به تخريجاً. قال في (المنتخب) (2): والخالة أولى بالصبي بعد الجدة من الأب، ثم الأب أولى به بعد الخالة من غيرها. ما ذكرنا من أن الجدة أولى به من بعد الأم منصوص عليه في (الأحكام) (3) و(المنتخب) (4) وما ذكرناه من أن الأب أولى به من الخالة منصوص عليه في (الأحكام) (5)، ومروي فيه عن القاسم عليه السلام، وذكره أيضاً في (المنتخب) (6) في باب تخيير الغلام، وقال في (الأحكام) (7): ثم بعد الخالة الأقرب، وقاله أيضاً في (المنتخب)، وزاد من قبل الأب.
وقلنا: إن الجدات من قِبَل الأم أولى به تخريجاً؛ لأنه نص في (الأحكام) و(المنتخب) أن الحدة أم الأم أولى بعد الأم، وكل واحدة(8) منهن يجري عليها اسم الجدة، واسم الأم، نص علي ذلك في كتاب النكاح من (الأحكام) (9) عند ذكر تحريم الأمهات.
وأما ما ذهبنا إليه من أن الجدة هي أولى بعد الأم، فمما لا خلاف فيه، وما قلناه من أن الأب أولى بعد الجدات من الخالة، فإن الأب قد جمع الولاية والولادة، فهو أحق من الخالة التي لا ولادة لها ولا ولاية؛ لأن الإتفاق حاصل أن الجدة أم الأم أولى من الخالة، وهي إنما تتقرب بالأم، فالأب أحرى أن يكون أولى به من الخالة، ولأن حنو الآباء على الأولاد بعد الأمهات أتم، واشفاقهم عليهم أعظم، فوجب أن يكونوا أولى.
__________
(1) في (ب): إن.
(2) انظر المنتخب 186.
(3) انظر الأحكام 1/468.
(4) انظر المنتخب 186.
(5) انظر الأحكام 1/468.
(6) انظر المنتخب 186 ، 376.
(7) انظر الأحكام 1/468.
(8) في (أ): جدة.
(9) انظر الأحكام 1/343.(61/33)
ووجه ما ذكر في (المنتخب) من أن الخالة أولى من الأب ماروي أن علياً، وجعفراً عليهما السلام، وزيد بن حارثه رضي الله عنه لما اختصموا في ابنة حمزة، فقال علي: عندي ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي أحق بها، وقال جعفر عليه السلام: عندي خالتها وهي أحق بها، [وقال زيد: هي ابنة أخي] (1)، فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تكون مع جعفر عليه السلام عند خالتها، وهي أحق بها، [فإن الخالة أم] (2)، فلما جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما، وثبت أن الأم أولى من الأب قلنا: إن الخالة أولى منه. فأما اطلاقه في (الأحكام) أن الأولى بعد الخالة الأقرب فالأقرب، فالمراد به إذا كن نسوة من قبل الآباء ومن قبل الأمهات، فإن الحضانة للأقرب فالأقرب من غير مراعاة بين(3) أن، تكون من قِبَل الأب، أو من قِبَل الأم.
وأما قوله في (المنتخب): الأقرب فالأقرب من قبل الأب، فإن أبا العباس الحسني رضي الله عنه حمله على أن المراد به إذا انقطعت حضانة النساء بأن لا توجد واحدة منهن، وصارت إلى الرجال، فيكون الأولى بها العصبات، وهو صحيح؛ لأنه إذا لم يبقَ من النساء أحد، فالعصبة أولى بالحضانة من سائر رجال ذوي الأرحام لِما لهم من مزية الولاية، ولأن الولد منهم، ومنسوب إليهم، وهم الذين يعقلون عنه.
قال ابو العباس الحسني رحمه الله: هذا في الذكور، فأما في الإناث فيراعى في العصبة أن يكون مَحرَماً كالأخ والعم، فأما ابن العم، فلا حق له في حضانة الجارية، والخال وأبو الأم أولى منه، والأخ من الأم أولى منهما على ما رتبه في (النصوص).
مسألة: [في حضانة من أطاق الأدب]
قال: وإذا أطاق الصبي الأدب، فالأب أولى به، فإن لم يكن أب، فالأم مالم تزوج، أحب الصبي أم كرهه، فإن تزوجت الأم، خيِّر الصبي بين أمه وعصبته.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): مراعاة أن.(61/34)
/213/ جميعه منصوص عليه في (الأحكام)(1) و(المنتخب)(2)، قال الشافعي: إذا بلغ الصبي هذا المبلغ خير بين أمه وأبيه، وعندنا أن الأب أولى من غير تخيير، وبه قال أبو حنيفة في الولد الذكر.
ووجه ذلك أن حق الأم من الحضانة قد انقطع لما بيناه، ولأن الشافعي أيضاً لا يجعل الحضانة لها إلا مع خيار الولد، فلو كان حقها باقياً، لم يخير الولد، كما لم يخير قبل ذلك، وإذا ثبت انقطاع حقها، كان الأب أولى، لأن ولايته عليه باقية حتى يبلغ، فيستحق الولد لما له من مزية الولاية، ألا ترى أن حقها لما انقطع بالتزويج، صار الوالد أولى منها، وإن كان الولد طفلاً، فكذلك إذا استغنى بنغسه، والعلة أن استحقاقها الحضانة على الإطلاق زائل.
فإن قيل: فقد روي عن أبي هريرة أنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يارسول الله إن زوجي يريد يذهب بابني، وقد سقاني من بير أبي عنبه، وقد نفعني، فقال رسول الله: استَهِمَا عليه فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخد بيد أمه، فانطلقت به فقد خيره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أمه وأبيه، وهذا خلاف مذهبكم؟
قيل له: يجوز أن يكون خيره؛ لأنه كان قد بلغ وملك أمره، ويدل على ذلك قول أمه: إنه قد سقاني من بئر كذا، والأغلب فيمن يرد الآبار ويستقي أن يكون بالغاً.
فإن قيل: لو كان قد بلغ لم يكن للتخيير معنى؟
قيل له: ليس الأمر كذلك، فإن أكثر التخيير يكون مع البلوغ وحين يملك المخير أمره، ألا ترى أنا نُخيِّر الصغيرة إذا زوجها أخوها، أو عمها، إذا بلغت وملكت أمرها، ولا خلاف بيننا وبينكم في الأمة البالغة إذا اعتقت(3) تحت العبد أنها تخير.
__________
(1) انظر الأحكام 1/411 ـ 412 ولكنه لم يذكر أن الصبي إذا طاق فالأب أولى به، وذكره في الأحكام 1/405 في أولاد الحرة من العبد إذا أعتق.
(2) انظر المنتخب 371.
(3) في (ب): عتقت.(61/35)
فإن قيل: فقد روي عن عمارة بن ربيعة قال: قتل أبي، فخاصم عمي أمي فيَّ إلى علي عليه السلام، ومعي أخ لي صغير، فخيرني علي عليه السلام فأخترت أمي، وقال: لو بلغ هذا لخيرته.
قيل له: يجوز عندنا أن التخيير بين الأم والعصبة على ما نذكره من بعد هذا الفصل، فلا يعترض(1) علينا فيه، لأنه(2) يحتمل أن يكون قد بلغ، على أنه قد ذكر في بعض الأخبار عن عمارة أنه قال: كنت ابن سبع أو ثمان، فإن صح ذلك، حمل على ما نذكر من بعد، وقلنا: إنه إن لم يكن له أب، فالأم أولى به، مالم تتزوج حتى يبلغ؛ لأن حق الحضانة وإن كان منقطعاً، فإنها تكون أولى بإمساكها، للمزية التي لها وهي(3) فضل حنوها، وشفقتها عليه، ولأن كون الولد عندها أرفق به، فتكون(4) بالمزية لها أولى بالولد من عصبته.
وقلنا: إنها إن تزوجت خير بينها وبين عصبته؛ لأن المزية التي كانت للأم تكون(5) قد زالت على ما تقدم بيانه، لأن تزوجها يدل على قلة فكرها فيه، وضعف اشفاقها عليه، ولأنه لا رفق له في أن يكون مع زوج أمه، فإذا ثبت زوال تلك المزية، استوى حالها وحال العصبة، فلم يكن أحدهما أولى به من صاحبه، فوجب التخيير كما يخير بين الأبوين إذا بلغ لاستواء حالهما في حق الإمساك، وعلى هذا يحمل تخيير أمير المؤمنين عليه السلام عمارة بين أمه وعمه، ونقول إنه يجوز أن تكون أمه كانت قد تزوجت.
مسألة: [في حضانة ولد العبد من الحرة]
قال: وإذا كانت الحرة تحت العبد، فأولدها، كانت الأم أولى بالولد، وإن عقل، وأطاق الأدب، ما دام الأب عبداً، فإن عتق، صار أولى به من الأم. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (6).
__________
(1) في (ب): معترض.
(2) في (ب): على أنه.
(3) في (أ): هذا.
(4) في (أ): فتكون هي.
(5) في (أ): للأم قد زالت.
(6) انظر الأحكام 12/405.(61/36)
ووجهه: ما قد بيناه من أن الولد إذا استغنى بنفسه، كان الأب أولى به من الأم لما له من مزية /214/ الولاية، وأنه إذا لم يكن له أب فالأم أولى به، وقد ثبت أن العبد لا حظ له في الولاية على وجه من الوجوه، بل(1) لا يملك أمر نفسه،فهو في هذا الباب بمنزلة الميت،فلذلك قلنا: إن الام أولى به(2).
وقلنا: إنه إذا أعتق،صار أولى به من الأم، لأنه إذ ذاك سبيله سبيل الأحرار في حصول الولاية له، فيجب أن يكون أولى بالولد(3) من الأم كسائر الأحرار.
مسألة: [في منع الزوج زوجته من حضانة ولدها من غيره]
قال: وإذا تزوج الرجل امرأة لها ولد من غيره لم يكن له أن يمنعها من تربيته، إلا أن يقيم بإذنها من يقوم مقامها في الحضانة. وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (4). ووجهه أن خلاف ذلك يؤدي إلى اتلاف الأولاد إذا لم يكن لهم من يكفلهم، ولأن حضانتهم إذا لم يكن لهم من يكفلهم واجبة على الأم، وقد قال الله تعالى: {وَلا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}، قال يحي بن الحسين عليه السلام: وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما تزوج بأم سلمة أقام من يكفل ولدها برضى منها، فكذلك(5) قلنا: إن لزوجها أن يقيم من يكفل برضاء منها.
مسألة: [في استرضاع الكافرة]
قال: ولا يجوز استرضاع الكافرة إلا عند الضرورة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (6)، وهو قول الناصر عليه السلام. ووجهه أنه قد ثبت أن الكفار أنجاس، فيجب أن يكون لبن الكافرة نجساً، والنجس محرم علينا، ولا خلاف أنه يلزمنا أن نجنب أولادنا ما يحرم علينا كشرب الخمر، وأكل الميتة، ولحم الخنزير، إلا عند الضرورة، فلذلك منعنا استرضاع الكافرة إلا عند الضرورة.
__________
(1) في (ب): إذ.
(2) في (ب): منه.
(3) في (أ): بالولاية.
(4) انظر المنتخب 132.
(5) في (ب): فلذلك.
(6) انظر الأحكام 1/485.(61/37)