قال: ولا يجوز صيام الحائض، والنفساء، فأما الحامل، والمرضع، فإنه يجب عليهما الإفطار متى خافتا على الجنين، والمرضَع، وكل من خاف على نفسه من الأعِلاَّء فإنه يكره له الصيام، وإن صام أجزأه، وكذلك الحامل والمرضع، ويجوز الإفطار لمن لا يصبر على(1) /124/ العطش من الرجال والنساء، وكذلك القول في الهرِم منهما، فأما من لا يصبر على العطش، فإنه متى خرج من علته هذه، لزمه القضاء لِما أفطر من الصيام، وكذلك غيره ممن ذكرنا.
نص في (الأحكام) (2) على أن جميع هؤلاء يفطرون.
وقلنا في الأعِلاء: إن صامو كُره، وأجزأهم، تخريجاً، أما الكراهة فعلى أصوله من أن إدخال الرجل الضرر على نفسه مكروهٌ بقوله: ((يستحب صيام الدهر لمن لم يضر بجسمه))، وليس بعد الاستحباب إلا الكراهة، فوجب أن يكون كَرِه صيام الدهر إذا أدى إلى الضرر، فكذلك صيام هؤلاء.
وقلنا: يجزي؛ إذ لم نجد في أصوله ما يوجب القضاء، هذا ما لم تكن العلة شديدة، فأما إذا اشتدت، وبلغت إلى حيث يعلم أن الصوم لا يَحِلّ، وأن الإفطار واجب، فأصول أصحابنا تقتضي أنه لا يجزي، كما ذكروا في الصلاة في الأرض المغصوبة، والوضوء بالماء المغصوب، أن المعصية لا يجوز أن تكون قربة.
والأصل فيما قلناه أن الحائض، والنفساء لا يجوز صيامهما: أنه لا خلاف في أن الحيض والنفاس معنيان ينافيان الصوم، فكان في معنى هجوم الليل في أنه لا يصح معه الصيام؛ إذ هو معنى ينافيه.
والأصل فيما قلناه في الأعلاّء قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيْضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعَدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}، والمسألة وفاق.
وما قلناه في الحامل، والمرض، والهرم، والمستعطش، فالأصل فيه ما رواه يحيى عليه السلام. وهو:
__________
(1) ـ في (أ): عن.
(2) ـ انظر الأحكام 1/255 إلا أنه قال في الحامل والمرضع يجوز لهما متى خافتا على الجنين والمرضع.(37/11)
ما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: لما أنزل اللّه تعالى فريضة شهر رمضان، أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم امرأة حبلى فقالت: يا رسول اللّه، إني امرأة حبلى، وهذا شهر مفروض، وأنا أخاف على ما في بطني إن صمت. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( انطلقي، فافطري، فإذا أطقت فصومي ))، [وأتته امرأة مرضع فقالت: يا رسول اللّه، هذا شهر مفروض ـ وهي تخاف أن ينقطع لبنها، فيهلك ولدها ـ فقال لها: (( انطلقي، فافطري، فإذا أطقت فصومي ))] (1). وأتاه صاحب العطش فقال: يا رسول اللّه، هذا شهر مفروض ولا أصبر عن الماء ساعة واحدة، وأخاف على نفسي إن صمت. فقال: (( انطلق، فأفطر، وإذا أطقت، فصم ))، وأتاه شيخ يتوكأ بين رجلين فقال: يا رسول اللّه، هذا شهر مفروض، ولا أطيق الصيام. فقال: (( اذهب، فأطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع )).
وروى ابن أبي شيبة بإسناده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إن اللّه وضع عن المسافر الصوم، وعن الحبلى، والمرضع )).
مسألة: [في الفصل بين رمضان وشعبان لمن صام شعبان وفي اعتماد يوم الجمعة]
قال القاسم عليه السلام: ويستحب لمن صام شعبان أن يفصل بينه وبين رمضان بيوم، ويكره للرجل أن يعتمد يوم الجمعة بالصيام، إلا أن يوافق ذلك اليوم صيامه.
ما حكيناه عن القاسم عليه السلام منصوص عليه في (مسائل النيروسي).
وما ذكرناه من كراهة اعتماد يوم الجمعة بالصيام ذكره يحيى عليه السلام في (الأحكام) (2)، [و](3) أنه بلغه عن علي عليه السلام.
واستحباب الفصل بين شعبان ورمضان ما لم تدع الحاجة إلى خلافه، فإذا كان ذلك، فالاحتياط لشهر رمضان أولى من ذلك؛ لما بيناه في(4) صوم يوم الشك.
ووجه ما ذكرنا في صوم يوم الجمعة ما:
__________
(1) ـ ما بين المعكوفين سقط من (أ).
(2) ـ انظر الأحكام 1/268.
(3) ـ سقط من (أ) و (ب).
(4) ـ في (أ): من.(37/12)
روي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (( لا تصومن يوم الجمعة، إلا أن تصوم يوماً قبله، أو /125/ بعده )).
وذكر يحيى عليه السلام الحديث الذي أخبرنا به أبو بكر محمد بن العباس الطبري، قال: حدثنا محمد بن شعيب، قال: حدثنا أحمد بن هارون، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعد، عن علي عليه السلام، قال: ((من كان منكم متطوعاً من الشهر أياماً، فليكن صومه الخميس، ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب، وذكر فيجمع اللّه له بين يومين صالحين، يوماً صياماً، ويوماً نسكاً وعيداً مع المسلمين)) (1). فأما إذا وافق الجمعة صياماً(2) يصومه، فلا خلاف أنه جائز لا يكره.
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/302 باختلاف في السند.
(2) ـ في (أ): صائم.(37/13)
باب القول فيما يفسد الصيام وما(1) لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية
[مسألة فيمن أكل أو جامع في شهر رمضان]
من جامع في شهر رمضان، فقد أفسد صومه، وعليه القضاء، ناسياً كان، أو معتمداً، ومن تعمد ذلك، لزمته التوبة، وكذلك القول فيمن أكل.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2).
أما من تعمد الإفطار، فلا خلاف فيه أن عليه القضاء، والتوبة، والخلاف فيمن أكل، أو جامع ناسياً.
والدليل على ذلك قول اللّه تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والصوم هو إمساك مخصوص، فمن ترك الإمساك، يكون تاركاً للصوم، وتارك الصوم في رمضان يلزمه القضاء.
ويدل على ذلك ما:
رواه ابن أبي شيبة يرفعه إلى أبي هريرة قال: قال رسول(3) اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من أكل ناسياً، وهو صائم، فليتم صومه، فإن اللّه أطعمه، وسقاه ))، فلما أمره عليه السلام بإتمام صومه، دل ذلك على وجوب القضاء؛ لأن إتمامه لا يكون إلا بأن يقضيه؛ لأن من ترك الإمساك في بعض النهار لا يكون أتم صومه حتى يقضي بدله، ووجوب بدله قضاء لوجوب استكمال اليوم قضاء؛ إذ الصوم لا يصح فيه التبعيض سواء كان عيناً، أو ديناً(4)، وهذا كما قال اللّه سبحانه: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} يعني بقضاء ما فات، ألا ترى إلى قوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيْضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر}، ثم قال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}؟.
فإن قيل: قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( فإن اللّه أطعمه، وسقاه ))، يوجب أن لا شيء عليه.
__________
(1) ـ في نسخة: وفيما.
(2) ـ انظر الأحكام 1/242 ـ 243 إلا أنه قال في الناسي: (لا شيء عليه أكثر من الاستغفار وقضاء يوم مكان يومه).
(3) ـ في (أ): النبي.
(4) ـ في (أ): ديناً أو عيناً.(38/1)
قيل له: إنه يقتضي أن لا إثم عليه، فأما سقوط القضاء، فلا دليل عليه، والإثم قد يسقط(1) وإن لم يسقط القضاء، ألا ترى أن من أكل وهو يحسب أن الفجر لم يطلع، ثم علم أن أكله بعد طلوع الفجر، فإنه يسقط عنه الإثم، ولا يسقط القضاء؟ وعلى هذا يحمل قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لا شيء عليه )). أي لا إثم عليه.
فإن قيل: فقد روي: لا قضاء عليه.
قيل له: أكثر الأخبار فيها: (اللّه أطعمه، وسقاه)، وفي بعضها: (لا شيء عليه)، فأما لا قضاء عليه، فهو لم يرو إلا في خبر واحد، ويحتمل أن يكون الراوي زاد هذا اللفظ على طريق المعنى، حيث اعتقد أن قوله: ([اللّه] (2) أطعمه وسقاه)، وقوله: (لا شيء عليه) يفيد أن لا قضاء عليه، فإذا احتمل ذلك، لم يعترض استدلالنا، على أن من أصحابنا من تأول ذلك على من سبق الشيء إلى حلقه، وهو ساهٍ عنه، وادَعى أنه هو الظاهر؛ لأن قوله: (( من أكل ساهياً ))، كقول من يقول: من أحدث ساهياً، في أنه يفيد أن الحدث سبقه، وعلى هذا لا يصح تعلقهم به.
فإن قيل: روي عنه عليه السلام: (( رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه )).
قيل /126/ له: ظاهر الخبر لا يفيد مذهبك(3)، وإنما يفيد أنهم لا يخطئون، ولا ينسون، وخلاف هذا معلوم، فلا بد من تأويل الخبر، وتأويله عندنا رفع الإثم فيما أخطأوا، أو نسوا، أو استُكرهوا عليه، يبين ذلك أن من أكل بعد طلوع الفجر، أو قبل غروب الشمس، وهو غير عالم بذلك، لا يسقط عنه القضاء، وإنما يسقط عنه الإثم.
__________
(1) ـ في (أ): سقط.
(2) ـ سقط من (أ).
(3) ـ في (أ): مذهبكم.(38/2)