والأصل في حليلة الابن قوله تعالى في ذكر التحريم: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِيْنَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}، وفي حليلة الأب قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، والمسألة لا خلاف فيها.
وقد روى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: <حرم اللّه من النسب سبعاً، ومن الصهر سبعاً، فأما السبع من النسب، فهي الأم، والبنت، والأخت، وبنت الأخت، وبنت الأخ، والعمة، والخالة. وأما السبع من الصهر، فامرأة الأب، وامرأة الابن، وأم المرأة دخل بالبنت أم لم يدخل بها، وابنتها إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فهي حلال، والجمع بين الأختين، والأم من الرضاعة، والأخت من الرضاعة>. فكان ذلك موافقاً لما نطق به القرآن.
مسألة [في الجمع بين امرأتين بينهما رحم محرم]
قال: ويحرم على الرجل الجمع بين الأختين، وبين كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلاً حرم التناكح بينهما؛ للنسب، أو للرضاع، دون النسب(1).
نص في (الأحكام)(2) على تحريم الجمع بين الأختين ونبه على تحريم الجمع بين كل امرأتين بينهما رحم محرم؛ إذ علل تحريم الجمع بني الأختين بالتباغض المعهود بين الضرائر المؤدي إلى قطيعة الأرحام، فقلنا ذلك تخريجاً، وقلنا ذلك في الرضاع، لأنَّه عليه السلام أجرى الرضاع في هذا الباب مجرى النسب.
والأصل في تحريم الجمع بين الأختين قول اللّه تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}.
__________
(1) في (أ): يحرم التناكح بينهما للسبب أو الرضاع دون النسب. فظنن عليه. والنسب بالسبب وفي هامش (ب) حاشية عليها: أي دون النسب فقط، فليتأمل.
(2) انظر الأحكام 1/344.(51/6)


وقلنا: بتحريم الجمع بين الامرأتين إذا كان بينهما رحم محرم: لما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول /9/ اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: <لا يتزوج الرجل المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها، لا الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى>.
وأخبرنا أبو الحسين عبدالله بن سعيد البروجردي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الدينوري، قال: حدثنا أبو قلابة الرقاشي، قال: حدثنا أبو عاصم النبيل، عن همام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها.
وروى أبو داود في (السنن)(1) بإسناده، عن عامر، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: <لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على ابنة أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على ابنة أختها، لا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى>.
وقلنا ذلك في الرضاع، لقوله: <يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب>.
مسألة [فيمن أراد الزواج بامرأة لا تحل له مع زوجته]
قال: وأيما رجل كانت عنده امرأة، وأراد أن يتزوج بأخرى لا يحل الجمع بينهما، لم يكن له أن يتزوجها حتى يطلق التي عنده، وتنقضي عدتها إن كانت التطليقة رجعية، وإن كانت بائنة، جاز له أن يتزوج الأخرى وهي في عدته.
وكذلك القول في من له أربع نسوة، وأراد أن يتزوج أخرى.
نص في (الأحكام) (2) على ما ذكرنا في الأربع، ورواه عن جده القاسم عليه السلام، روى(3) ذلك عنه فيمن كانت عنده امرأة فطلقها، وأراد أن يتزوج أختها، فقلنا بذلك في كل امرأتين لا يحل الجمع بينهما؛ إذ لا فصل بين المرأتين. وهو قول الشافعي.
__________
(1) أخرجه أبو داود في السنن 2/231 وفيه: ولا تنكح الكبرى.
(2) انظر الأحكام 1/359 ـ 360.
(3) في (أ): وروى.(51/7)


قال أبو حنيفة: العدة في هذا الباب كالنكاح، يمنع ما يمنع فيه النكاح.
والدليل على ذلك قول اللّه تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ}، وقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى}، وقوله: {وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}، فأباحت هذه الظواهر عقد النكاح لما ذكرنا.
فإن قيل: فقد قال اللّه تعالى في التحريم: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}.
قيل له(1): ما ذكرناه لا يكون جامعاً بينهما، لأنَّه لا يملك المطلقة، ولم يبق عقد نكاحه عليها، فكيف يكون بينهما جامعاً؟
فإن قيل: يحصل هناك ضرب من الجمع بينهما، لأنَّه يستحق ولدها، وتلزمه نفقتها.
قيل له: المراد بقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}، إنما هو في النكاح دون سائر الأحوال، وإذا كان هذا هكذا، فليس الذي ذكرتم من الجمع المراد بالآية في شيء، على أن قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} لا يمكن إدعاء العموم في الجمع، لأنَّه يقتضي جمعاً واحداً، وكذلك قال أصحابنا من المتكلمين في قوله عزَّ وجل: {يُضِلُّ مَنْ يَّشَاءُ}، أنه لا يمكن ادعاء العموم في الإضلال، وأنه في حكم المجمل، وإذا كان هذا هكذا، وجب أن يحمل على ما ثبت أنَّه هو المراد بالدلالة وهو النكاح في الحرائر.
فإن قيل: قد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها.
__________
(1) في (ب): لهما.(51/8)


قيل له: النهي لا يتناول ما اختلفنا فيه، لأنَّه لا يقال نكحها على عمتها إلاَّ إذا كانت عمتها في نكاحه، فأما إذا ارتفع النكاح بينهما، فاللفظ لا يتناوله، ولا خلاف أنها إذا انقضت عدتها، جاز التزوج بأختها، فكذلك إذا كانت في العدة، والعلة أنها لا تحل إلاَّ بعد عقد جديد، وهذا القياس أولى من قياسهم لها عليها لو كانت في عدة تطليقة رجعية؛ لأن التي تكون في عدة تطليقة رجعية في حكم الزوجة، لأنَّه يملك وطأها ويجري بينهما توارث /10/ الزوجية، وليس كذلك البائن، بل هي بالأجنبية أشبه، بل أبعد حالاً من الأجنبية، لأن المطللقة ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، والأجنبية تحل له دون ذلك، والمختلعة ليس له أن يتزوجها أكثر من مرتين، وليس كذلك الأجنبية، فإن له أن يتزوجها ثلاث مرات.
فإن قيل: العدة تمنع المرأة مما يمنعه النكاح.
قيل له: منعت المرأة من ذلك، لأنها معتدة وليس على الرجل عدة، وإنما المانع للزوج هو النكاح فقط، كما أن المانع للمرأة هو النكاح والعدة، فكما أن المرأة إذا ارتفع عنها النكاح والعدة جاز لها التزوج، فكذلك الزوج إذا ارتفع عنه النكاح جاز له التزوج، وأيضاً وجدنا الرجل يحل له نكاح الأخرى إذا انقضت عدة هذه، وإن لم يكن تزوج بها، فكذلك إذا بانت منه وإن كانت في العدة.(51/9)


والعلة أنَّه لم يملك بضعها بعقد النكاح ولا خلاف أن الإعتداد من غيره لا يمنعه من النكاح، فكذلك اعتداد البائن منه، والمعنى أنَّه اعتداد لا يملك إبطاله مع صحة تصرفه، وليس لهم أن يجعلوا بقاء بعض أحكام النكاح من استحقاق الولد ووجوب النفقة عليه علة؛ لأنَّ كثيراً من أحكام النكاح تبقى بعد انقضاء العدة، ثم لا يكون بقاؤه منعاً من النكاح بالإجماع، ألا ترى أنها تصح أن تصير له على أقل من ثلاث إن كانت البينونة بغير الثلاث، وإن كانت للثلاث، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولا تحل لأبيه ولا ابنه، ولا تحل أمها له ولا ابنتها، إن كانت مدخولاً بها، وشيء من ذلك لا يجب في الأجنبية، فعُلم أنَّه كله من بقايا أحكام النكاح وإن لم يمنع الزوج من النكاح، فبان أن الاعتبار إنما هو ببقاء معظم أحكام النكاح الذي هو تملكه البضع دون سائر أحكامه، على أن ما يختص بالنكاح نحو الظهار والإيلاء والتوارث لا يتعلق على البائن وإن كانت في العدة، والأحكام التي ذكروها فهي استحقاق النسب ووجوب النفقة، ونحو كونها محبوسة بسبب تعلق به كلها مما يثبت على بعض الوجوه مع عدم النكاح أصلاً، فكل ذلك يكشف أن البائن وإن كانت في العدة، فهي بالأجنبية أشبه منها بالتي تحت العقد، فصح ما ذهبنا إليه.
مسألة [في الجمع بين المرأة وبنت زوجها]
قال: ولا بأس أن يجمع الرجل بين امرأة وبنت زوجها.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1)، وهو مما لا خلاف فيه اليوم، وإن كان قد حكى الخلاف فيه عن بعض السلف.
وروى يحيى، عن أبيه، عن جده القاسم عليه السلام أن عبدالله بن جعفر جمع بين ابنة أمير المؤمنين عليه السلام وزوجة له.
ووجهه أنَّه ليس بينهما حرمة نسب ولا رضاع، فأشبهتا الأجنبيتين.
مسألة [في نكاح المطلقة ثلاثاً]
__________
(1) انظر الأحكام 1/357.(51/10)

77 / 142
ع
En
A+
A-