كتاب النكاح
باب القول في اللواتي يحل أو يحرم نكاحهن
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله
مسألة: [في نكاح ذات الرحم المحرم]
قال قدس اللّه روحه: يحرم على الرجل نكاح اللواتي ذكر اللّه تعالى تحريمهن في كتابه بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلِيْكُمْ أُمُّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ}، إلى آخر الآية، وهن: الأمهات، والجدات، وإن علون، والبنات، وبنات البنات، وإن سفلن، والأخوات، وبنات الأخوات، وبنات الأخوة، وبنات بناتهن، وإن سفلن، والعمات، وعمات العمات، وإن بعدن، والخالات، وخالات الخالات، وإن بعدن.
ويحرم من الرضاع جميع اللواتي ذكرنا كما يحرم من النسب. وجميعه منصوص عليه في (الأحكام)(1).
والأصل في جميع ما ذكرنا قول اللّه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلِيْكُمْ أُمُّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمُّهَاتُكُمْ اللاَّتِيْ أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمُّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِيْ فِيْ حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِيْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلِيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِيْنَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} فدخل في قوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمُّهَاتُكُمْ}، الجدات وجدات الجدات وإن علون؛ لأن اسم الأمهات يتناولهن.
ودخل في قوله: {وَبَنَاتُكُمْ} بنات البنات وبناتهن، وبنات البنين وبناتهن وإن سفلن؛ لأن اسم البنات يتناولهن، لا خلاف في ذلك.
ودخل في قوله تعالى: {وَعَمَّاتُكُمْ} عمات العمات، وإن بعدن.
ودخل في قوله تعالى: {وَخَالاتُكُمْ} خالات الخالات، وإن بعدن؛ لتناول الاسم لهن.
__________
(1) انظر الأحكام 1/342 ـ 343.(51/1)


ودخل في قوله: {وَبَنَاتُ الأَخِ} بناتهم وبنات بنيهم وبناتهن، وإن نزلن، وكذلك في قوله: {وَبَنَاتُ الأُخْتِ}، لما ذكرناه تناول الاسم لهن.
وحرم بقوله سبحانه: {وَأُمُّهَاتُكُمْ اللاتِيْ أَرْضَعْنَكُمْ} الأمهات المرضِعات، والأخوات من الرضاعة، على ما يجيء تفصيله في كتاب الرضاع.
وقلنا: يحرم من الرضاع جميع اللواتي ذكرنا كما يحرم من النسب؛ لما أخبرنا به أبو سعيد عبدالرحمن بن محمد بن حمزة الأبهري، قال: أخبرنا أبو زيد محمد بن بشر بن عبدالله الزبيري، قال: حدثنا يحيى بن نصر بن سابق الخولاني، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا عبدالله بن لهيعه، والليث بن سعد، عن زيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته أن عمها من الرضاعة ـ يسمى أفلح ـ استأذن عليها، فحجبته، فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: <لا تحتجبي منه؛ فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب>..
وأخبرنا أبو سعيد الأبهري، قال: أخبرنا أبو زيد محمد بن بشر، قال: حدثنا يحيى بن نصر، قال: حدثنا عبدالله بن مسلم القرشي، قال: أخبرنا مخرمة، عن أبيه، قال: سمعت حميد بن عبدالرحمن بن عوف يقول: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: قيل لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أين أنت يا رسول اللّه عن ابنة حمزة ـ أو قيل: ألا تخطب ابنة حمزة بن عبدالمطلب؟ قال: <إن حمزة أخي من الرضاعة>.
وفي حديث زيد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: عرضت على رسول اللّه تزويج ابنة حمزة، قال: <إنها ابنة أخي من الرضاعة يا علي، أما علمت أن اللّه عزَّ وجل حرم من الرضاعة ما حرم من النسب>.(51/2)


فدلت هذه الأخبار على أن الرضاع في باب التحريم كالنسب، ووجب أن يخص بها قول اللّه تعالى: {وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}، لوجهين /7/ أحدهما أن الخبر خاص، والآية عامة، وعندنا أن العام يجب أن يبني على الخاص. والثاني أن الخبر حاظر، والآية مبيحة، ومن حكم الحاظر أن يقدَّم على المبيح، ويُجعل أولى.
مسألة [في نكاح أم الزوجة وبنتها]
قال: ويحرم على الرجل نكاح أم امرأته، دخل بها، أو لم يدخل، وكذلك حكم جداتها، وإن علون، ويحرم عليه ابنة امرأته إن كان دخل بها، وكذلك بناتها، وبنات بناتها، وإن سفلن؛ وكذلك بنات بنيها، وإن لم يكن دخل بها لم يحرمن عليه. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(1).
فإن قيل: أليس قد قال الهادي عليه السلام في أول كتاب النكاح من (الأحكام)(2): (ثم حرم سبحانه أمهات النساء على أزواج بناتهن إذا كانوا قد دخلوا بالبنات) فكيف حكيتم عنه تحريم أم المرأة على الزوج دخل بابنتها أو لم يدخل؟
قيل له: إنَّه عليه السلام ذكر أمهات النساء في (الأحكام) في موضعين، فقال في أول الموضعين(3) ما حكيت عنه، ولم يذكر حالهن في تحليل أو تحريم، إذا لم يكن الأزواج دخلوا ببناتهن، ولم يكن في هذا نقض لما حكيناه، وقال حين توسط الكتاب لا يجوز أن تنكح أم امرأة ملك عقد نكاحها دخل بها، أو لم يدخل(4)، لأنها محرمة مبهمة التحريم، فقطع في هذا الموضع ما كان توقف فيه في الموضع الأول، ونص عليه، وهذا يدل على أنَّه حين ذكر المسألة أولاً كان متوقفاً، وحين ذكرها ثانياً كان قاطعاً، فكان المذهب ما قطع به دون ما توقف فيه وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء.
وحكي عن بعض الصحابة أن أم المرأة لا تحرم إلاَّ بالدخول على ابنتها، وإليه ذهبت الإمامية؟
__________
(1) انظر الأحكام 1/344.
(2) انظر الأحكام 1/344 وزاد فيه: أو لم يدخلوا.
(3) ينظر ففيه التحريم سواء دخل بها أم لم يدخل انظر الأحكام 1/344.
(4) انظر الأحكام 1/362.(51/3)


والأصل في ذلك قول اللّه عزَّ وجل في ذكر التحريم: {وَأُمُّهَاتُ نِسَائِكُمْ..} الآية، فأطلق التحريم في أمهات النساء، وجعله في بناتهن بشرط الدخول.
فإن قيل: إن من حكم الشرط إذا ورد عقيب جملة من الكلام أن يرجع إلى جميعها، وإذا كان كذلك، فالواجب أن يكون الشرط راجعاً إلى أمهات النساء كرجوعه إلى بناتهن.
قيل له: يجب رجوع الشرط إلى جميع ما تقدم إذا كان مما يصح رجوعه إليه، فأما إذا استحال ذلك، فلا يجب، ويجب رجوعه إلى ما يصح من الجملة، وقد علمنا أن قوله: {مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِيْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فلا يجوز أن يرجع إلى أمهات النساء، بل يستحيل ذلك؛ لأن الأمهات لا يكن منهن فلا يصح ذلك، وإنما يكن بناتهن منهن، لأن ((مِن)) هاهنا لابتداء الغاية؛ لأن ((من)) مبني على ثلاثة أوجه:ـ
(1) للصلة كما قال تعالى: {يَغفِرْ لَّكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}. والمعنى ذنوبكم.
(2) و((من)) لابتداء الغاية كما قال: {مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ}.
(3) و((من)) للتبعيض والتمييز ـ كما تقول: هذا ثوب من خز.
فإذا ثبت ذلك، صح ما قلنا من أن رجوع هذا الشرط إلى الأمهات لا يصح، فوجب إبهام تحريمهن على ما اقتضته الآية.
فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون ((مِن)) هاهنا دخلت للتبعيض، فكأنه تعالى قال من جملة نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فلا يستحيل أن يكون راجعاً إلى الأمهات.(51/4)


قيل له: هذا لا يصح، لأن ((مِن)) إذا كان دخولها هاهنا للتبعيض، فتقدير الكلام وأمهات نسائكم من /8/ نسائكم اللاتي دخلتم بهن على سبيل التقديم والتأخير، ولو كان ذلك كذلك، لوجب أن يرجع الشرط إلى أمهات النساء فقط دون الربائب؛ لأن ((مِن)) إذا كانت للتبعيض فيجب أن يكون الذي دخل عليه من جملة ما تناوله الاسم، ألا ترى أنا إذا قلنا هذا البيت من شِعر فلان، فيجب أن يكون شعر فلان مشتملاً على ذلك البيت، وقد أجمع الجميع على أن الشرط راجع إلى الربائب، وإن اختلفوا في الأمهات، ولا يصح ذلك إلاَّ بأن تكون ((من)) لابتداء الغاية، فصح ما قلناه.
فإن قيل: فقد روي عن علي عليه السلام أنَّه جعل أمهات النساء في هذا الباب بمنزلة بناتهن.
قيل له: إن الأصح عندنا عنه عليه السلام خلافه، إذ قد روى عنه زيد بن علي عليهما السلام ما نذكره بعد هذه المسألة، ويدل على ذلك: ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: <إذا تزوج الرجل بالمرأة، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فله أن يتزوج ابنتها، وليس له أن يتزوج أمها> ـ وأيضاً ـ تحريمها لسبب لم يتعلق بأمها، فأشبهت أزواج الأب، وحلائل الأبناء، فإن الدخول لا يجب أن يكون شرطاً فيه، وهذا الاعتبار أولى من اعتبار حالها بحال الابنة؛ لأن الأصول تشهد له؛ لأن كل موضع تعلق التحريم بالعقد فيه لا يراعى فيه الدخول، ألا ترى أن تحريم الأختين يتعلق بالعقد، ولا يراعى فيه الدخول(1)، ولأن اعتبارنا يقتضي أن تحريم الأختين يتعلق بالعقد، ولا يراعى فيه الدخول، ولأن اعتبارنا حظر العقد، وينقل عن الأصل؛ إذ الأصل جواز نكاحها.
مسألة [في نكاح حليلة الابن والأب]
قال: ويحرم على الرجل حليلة ابنه، وبني ابنه، وإن سفلوا، وكذلك حليلة أبيه، وأجداده، وإن علوا.
وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(2).
__________
(1) وكذلك تحريم تزويج الخامسة تعلق بالعقد ولا يراعى فيه الدخول.
(2) انظر الأحكام 1/344.(51/5)

76 / 142
ع
En
A+
A-