جميعه منصوص عليه في (المنتخب) (1)، وما ذكرناه من أنَّه لا يركبها إلى آخر الفصل منصوص عليه في (الأحكام)(2). وقلنا: إنَّه يستحب له أن يقف بها المواقف كلها، لما: روى ابن أبي(3) شيبة، حدثنا ابن نمير، عن الحجاج، عن عطاء قال: عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبدن الَّتِي كان أهدى. وروى بإسناده(4) عن ابن عمر لا هدي إلاَّ ما قُلد، وأشعر، ووقف بعرفة. وقلنا: إنَّه لا يركبها. ولا يُركبها أحداً من خدمه، ولا يحمل عليها شيئاً؛ لأنَّه قد جعلها لله تعالى، فلا يحب الانتفاع بها إلاَّ من ضرورة، فإن ركبها من ضرورة، ركبها ركوباً لا يَضُر بها.
__________
(1) ـ انظر المنتخب 109، وذكر فيه جميع الفصل.
(2) ـ انظر الأحكام 1/292 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/363.
(4) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/364.(49/17)


والأصل فيه: ما أخبرنا به علي بن إسماعيل، حدثنا ابن اليمان، حدثنا محمد بن شجاع، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ابن جريج، أخبرنا أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يسأل عن ركوب البدنة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((اركبها بالمعروف إذا ألجيت إليها حتَّى تجد ظهراً)). وأخبرنا أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا محمد بن شجاع، حدثنا محمد بن بكر الشهرستاني(1)، حدثنا ابن جريج، حدثني عبد الكريم بن مالك بن عكرمة ـ مولى ابن عباس ـ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل يسوق بدنة قد التاث، فقال: ((اركبها)) فقال: إنها بدنة فقال: اركبها غير مفدوحة. فدل ذلك على ما ذهبنا إليه، وأما ولدها فعلتنا أنَّه يحمل عليها لأنَّه منها، وفي حكم البعض منها، هدي معها على ما بيناه. وروى ابن أبي شيبة(2) بإسناده، عن ابن عمر أنَّه كان يحمل ولد البدنة عليها. وقلنا: إنَّه إذا رأى من المسلمين من قد فدحه المشي حمله عليها الليلة بعد الليلة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك على ما رويناه؛ لأنَّه لم يفصل بين المهدي وبين غيره في ذلك؛ ولأنه ما جاز للمهدي(3) كان في غيره أجوز، إذ هو قربة وطاعه. وقلنا الليلة بعد الليلة؛ لئلا يتبعها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم اركبها غير مفدوحة.
مسألة [في مكان إراقة دم نسيان السعي]
قال: ومن وجب عليه دم لنسيانه السعي، أراقه حيث أحب. وهذا منصوص عليه في (المنتخب) (4).
ووجهه: أن وجوب الدم بمجرده لا يقتضي تخصيصه بمكان دون مكان، فقد روى هناد بإسناده، عن نافع، عن ابن عمر، قال: من نذر بدنة، فلا ينحرها إلاَّ بمنى، أو بمكة، ومن نذر جزوراً فلينحرها حيث شاء.
__________
(1) ـ في (ب): الترساني.
(2) ـ تقدم تخريجه.
(3) ـ في (ب): في المهدي.
(4) ـ انظر المنتخب 113 وهو بلفظ قريب.(49/18)


والوجوه الَّتِي توجب كون النحر بمنى أو بمكة وجوه مخصوصة كلها مرتفعة عن الدم الذي يجب لنسيان السعي؛ لأن الذي يجب إراقته بمنى، أو بمكة، هو الذي يجبر نقص الإحرام، أو يقع فيه الخلل، أو يرفع به بعض أحكام الإحرام، أو يكون الإيجاب قد تضمن أن يكون ذلك بمنى ومكة، نحو أن يجعلها هدياً، وكل ذلك غير حاصل في الدم الذي ذكرناه، فوجب أن لا يتخصص بموضع دون موضع.
وإن شئت حررت القياس فيه، فقلت هو دم لم يخصصه الموجب بمكان، ولم يخص(1) به الإحرام ولم يقع به /274/ التحليل، فأشبه واجب الأضحية، ويمكن أن يقال أنَّه لم يقف عليه شيء من أمر الإحرام، ولم يعلق بمكان، فأشبه الأضحية، يؤكد ما ذهبنا إليه أنَّه دم قصد به التخفيف، فكان ما ذهبنا إليه أذهب في الطريقة الَّتِي وضع عليها، فكان أولى.
فإن قيل: فدم الاحصار ـ أيضاً ـ موضع للتخفيف؛ لأنَّه يتحلل به، ومع هذا لا تجوزونه في غير الحرم.
قيل له: نحن لم نجعل ما ذكرناه علة فتناقض هذا بما سألت عنه، وإنَّما أوردناه ترجيحاً وبياناً؛ لأنَّه أذهب في طريقته، فلا معتَرض بما ذكرت علينا.
مسألة [فيمن يبعث بهديه ثم يتأخر عن اليوم الذي حدد لتقليده]
قال: فلو(2) أن قارناً أو متمتعاً بعث بهدي مع قوم، وأمرهم بتقليده في يوم بعينه، وتأخر هو، لزمه الإحرام في ذلك اليوم بتقليدهم بدنته. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (3).
والأصل فيه: الحديث الذي ذكرناه بإسناده في صدر هذا الكتاب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً في المسجد فَقدَّ قميصه من جنبيه، حتَّى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إليه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((إني أمرت ببدنتي الَّتِي بعثت بها أن تقلد اليوم، وتشعر، فلبست قميصي، ونسيت)).
__________
(1) ـ في هامش (ب): يجبر.
(2) ـ في (ب): فلو.
(3) ـ انظر الأحكام 1/3340 وهو بلفظ قريب.(49/19)


وروى ابن أبي(1) شيبة، حدثنا ابن عبد الوهاب الثقفي، عن جعفر، عن أبيه، أن علياً عليه السلام وعمر، وابن عباس كانوا يقولون في الرجل يرسل ببدنته أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم.
فإن قيل: فقد روى عن عائشة قالت: كنت أفتل القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقلد هديه، ثُمَّ يبعث به، ثُمَّ يقيم، ولا يجتنب شيئاً مما يتجنبه المحرم.
قيل له: يجوز أن يكون ذلك إذا لم يكن أراد الاحرام به، وأن يكون ما ذكرناه إذا بعث الهدي وهو عازم على الإحرام؛ ليكون جمعاً بين الأخبار يؤكد ما ذكرناه: ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا قلد الهدي صاحبه يريد العمرة أو الحج فقد أحرم(2).
__________
(1) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/128.
(2) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/126.(49/20)


باب القول في النذور بالحج وما يتعلق به
[مسألة:ـ فيمن جعل على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام]
من جعل على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام، فعليه أن يخرج متوجهاً إليه، يمشي ما أطاق، ويركب إذا لم يطق، فإن كان ركوبه أقل من مشيه، أهدى شاة، وإن كان مشيه أقل من ركوبه، أحببنا له أن يهدي بدنة، وإن استوى مشيه وركوبه، احببنا له أن يهدي بقرة، وإن تعذر(1) عليه البدنة والبقرة، أجزته شاة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2).
والأصل فيه: حديث ابن عباس أن أخت عقبة ابن عامر نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام، فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تركب، وتهدي، وتحج.
وروى ابن أبي(3) شيبة ـ بإسناده ـ عن علي عليه السلام قال: ((إذا جعل عليه المشي فلم يستطع فليهدِ بدنة وليركب)).
__________
(1) ـ في (ب): تعذرت.
(2) ـ انظر الأحكام 1/318 ـ 319 وهو بلفظ قريب.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/317، وإسناده: حدثنا حفص، عن حجاج، عن الحكم، به.(50/1)

73 / 142
ع
En
A+
A-