قال: وإن ساق /271/، فنتجت بدنة فيجب في الطريق، فهي وما نتجت هدي، ولا يجوز أن يشرب من لبنها، بل يترك في ضرعها ما فصل عن ولدها، فإن خشي من تركه في الضرع ضرراً، حلبه، وتصدق به على المساكين، وإن شرب هو، أو بعض خدمه منه تصدق بقيمة ما شرب على المساكين، وكذلك القول في البقرة والشاة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (1).
ووجه قولنا أن البدنة إذا نتجت صار ولدها هدياً: أن القربة إذا تعلقت بالرقبة تسري إليه؛ لأن العقود والقرب الَّتِي تتعلق بالرقاب تسري إلى الأولاد، كما نقول ذلك في ولد المبيعة، وولد المرهونة، وكذلك(2) المعتقة. وروى ابن أبي(3) شيبة بإسناده عن ابن عمر أنَّه كان يحمل ولداً لبدنة عليها.
ووجه منعنا له من الانتفاع بلبنها أن اللبن منها وتابع لها في حكمها، فلم يجز له أن يستهلكه منتفعاً به، والأحب إلينا أن يترك في ضرعها إن فضل عن ولدها ليبلغ معها المحل، فإن خشي أن يضر بها ذلك، تصدق به على المساكين؛ ليكون قد دفع الضرر عنها، فإن انتفع هو به، تصدق بقيمته، كما قلنا ذلك في من أكل لحم صيد في الحرم.
فإن قيل: فأنتم تجوزون الأكل من لحم هدي المتعة للمتمتع، وهكذا هدي القرآن، فهلا أجزتم شرب لبنها؟
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/329 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ في (ب): وولد.
(3) ـ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/390.(49/12)


قيل له: نحن إنَّما نجوز ذلك إذا بلغ محله، ونُحر؛ للدلالة الَّتِي مضت، فأما قبل ذلك، فلا نجيز، ألا ترى إلى ما رواه ابن عباس وهو: ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، حدثنا ابن اليمان، حدثنا ابن شجاع، حدثنا محمد بن بشير العبدي، حدثنا سعيد بن عروة، عن قتادة، عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس، أن ذؤيباً الخزاعي حدثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث معه البدن فيقول: ((إذا عطب منها شيء، فخشيت عليها موتاً، فانحرها، ثُمَّ أغمس بعلها في دمها، واضرب صفحتها، ولا تطعم منها أنت ولا أحد من رفقتك))، فكان ذلك حكماً في جميع الهدي، وإن كان فيه التطوع الذي يجوز الأكل منه بعد أن يبلغ محله، فقد بان أن الانتفاع به قبل المحل ودونه(1) لا يجوز للمهدي، ومن كان قائماً مقامه، فكذلك قلنا في لبنها. وقلنا: إن حكم البقرة والشاة في ذلك حكم البدنة؛ لأن الأدلة الَّتِي ذكرناها لا تختص البدن دون غيرها.
مسألة [في المتمتع أم القارن يؤخر ذبح هديها حتى تخرج أيام النحر، وهل يأكلا من لحم الهدي والكفارة؟]
قال: وإذا أخر المتمتع، أو القارن، ذَبْحَ هديه حتَّى تخرج أيام النحر، فعليه أن يذبح هديه الذي كان عليه، وعليه دم لتأخير ذبح هديه، ولهما أن يأكلا من الهدي، وليس لهما أن يأكلا من الكفارة. وهذا منصوص عليه في (الأحكام) (2).
__________
(1) ـ في (أ): دونه.
(2) ـ انظر الأحكام 1/326، 330 وهو بلفظ قريب.(49/13)


ووجهه أنَّه ترك نسكاًً واجباً حتَّى مضى وقت أدائه، فوجب أن يلزمه الدم، كما ذكرنا فيمن ترك الرمي إلى آخر أيام التشريق، ولا يمتنع أن تلزم الكفارة مع القضاء كما قلناه، فيمن أخر الرمي، وقاله المخالف فيمن أفسد يوماً من رمضان أنَّه يجمع بين القضاء والكفارة. وكذلك المفسد للحج لا خلاف أن عليه القضاء مع الكفارة وقلنا: إنَّه يأكل من الهدي، ولا يأكل من الكفارة؛ لأن هدي القارن والمتمتع قد ثبت أنَّه يجوز الأكل منه إذا ذُبح في وقته على ما بيناه فيما تقدم، فكذلك إذا أخر؛ لأن التأخير لا يغير حكمه، فأما الكفارة فلا يجوز الأكل منها؛ لأنها جبران لنقص محظور بالإحرام، فأشبه جزاء الصيد، وفدية الأذى.
مسألة [في حكم الهدي عرض في الطريق]
قال: ولو أن /272/ رجلاً ساق هدياً، فمرض في الطريق، وخاف صاحبه من تلفه، فله أن يبيعه، ويشتري بثمنه هدياً سواه من الموضع الذي باع الهدي فيه، فإن كان ثمنه لا يبلغ ثمن هدي يستأنفه، وجب على صاحبه أن يثمنه، وإن كان ثمنه فوق ثمن الهدي الثاني، ابتاع بالفاضل هدياً آخر، وإن كان شاة، وإن لم يبلغ الفاضل ثمن شاة، اشترى به طعاماً وتصدق به على المساكين بمنى بعد نحره لهديه. وهذا منصوص عليه في (الأحكام)(1).
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/330 وهو بلفظ قريب.(49/14)


ووجهه: أنَّه وإن جعله هدياً، فهو بعد على ملكه؛ بدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساق الهدي عام الحديبية، ثُمَّ لما أحصر، جعله هدي الاحصار، وقد سماه الله تعالى هدياً بقوله سبحانه: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} ثُمَّ جعله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك عن الاحصار، وقد أشرك علياً عليه السلام في الهدي الذي ساق عام حجة الوداع، ولو كان قد خرج عن ملكه، لم يجز أن يشرك فيه غيره، وأيضاً قد علمنا أن الْمُهدي يلزمه نحر الهدي الذي يملكه، بدلالة أنَّه لو نحر هدي غيره، لم يجزه، فلو كان قد خرج عن ملكه لم يجزه نحره على أنَّه لو كان قد خرج [عن ملكه](1) لجاز له أيضاً أن يتصرف فيه بالولاية الَّتِي له، ألا ترى أنَّه يسوقها، ويبلغها المحل، ويتولى مصالحها، وله الخيار في الموضع الذي ينحره فيه، وفي الوقت الذي ينحره فيه، وفي قسمة لحمه، فإذا كانت هذه الولاية باقية، فيجب أن يجوز بيعه، الاستبدال به إذا خشي تلفه.
فإن قيل: هلا كان حكمه حكم أم الولد في أنَّه لا يجوز بيعها؟
قيل له: لأن أم الولد قد حصل لها جزء من العتق، وهذا لم يحصل له شيء يمنع البيع؟
وقلنا: يشتري بثمنه غيره؛ لئلا يكون صرفه عن جهته. وقلنا: يزيد في ثمنه إذا أحوج إليه؛ لأنَّه ببيعه واستبداله قد تضمن ذلك. وقلنا: إن فضل شيء عنه، اشترى به هدياً(2) آخر إن أمكن، وإلاَّ تصدق به، فيكون جهة الفاضل جهة الأصل، ولئلا يكون قد رجع في شيء قد جعله لله تعالى.
مسألة [في حكم هدي العمرة يبلغ الحرم فيخاف تلفه فينحر]
وكل هدي لعمرة إذا بلغ الحرم، فخيف عطبه، فنحر، أجزى، ولا غرم على صاحبه، وكل هدي كان للحج، فهو مضمون إلى يوم النحر، إن تلف قبله، لزم صاحبه غرمه. ومكة محل المعتمرين، كما [أن](3) منى محل الحاجين.
__________
(1) ـ سقط من (ب).
(2) ـ في (أ): هدايا.
(3) ـ سقط من (أ).(49/15)


الفصل الأول منصوص عليه في (الأحكام) (1)، وقال في (المنتخب) (2) مكة محل المعتمرين كما منى محل الحاجين. لا خلاف أن هدي(3) العمرة إذا بلغ الحرم جاز ذبحه، أو نحره.
وروى هناد بإسناده عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه نحروا الهدي، وحلوا بالحديبية حين أحصروا، فقال لهم(4): حلوا في الحرم، ثُمَّ تلا قوله تعالى: {ثُمَّ مَحلهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيْقِ} فالحرم محلها.
وروى بإسناده، عن عطاء، قال: كل هدي دخل الحرم، فعطب، فقد وفى عن صاحبه، إلاَّ هدي المتعة، فإنه لا بد من نسيكة يحل بها يوم النحر. فأما هدي الحج، فقد قلنا فيما مضى في مسألة هدي الحاج إذا أحصر ما هو الوجه لما ذهبنا إليه.
وأيضاً روى هناد ـ بإسناده ـ عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منى كلها منحر، وفجاج مكة طريق ومنحر. وروى ـ بإسناده ـ عن زيد بن أسلم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: ((منى من مكة)). فلما ثبت أن منى من مكة، وأفرد صلى الله عليه وآله وسلم منى عن مكة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((منى كلها منحر))، دل ذلك على أن منى منحر على الانفراد على وجه؛ إذ لو لم يكن كذلك، لم يكن لتخصيصه بالذكر وجه، وإذا(5) /273/ ثبت ذلك، ثبت أن منى منحر الهدي الذي يختص الحج.
مسألة [في بدنة القارن هل يقف بها جميع المواقف؟]
ويستحب للقارن أن يقف ببدنته المواقف كلها، ولا يحمل عليها شيئاً، إلاَّ أن تنتج فيحمل ولدها عليها، ولا يركبها هو ولا أحد من خدمة إلاَّ من ضرورة شديدة، فيركبها ركوباً لا يتعبها ولا يعيرها، فإن رأى رجلاً من المسلمين ضعيفاً قد فدحه المشي، جاز له أن يحمله عليها الليلة بعد الليلة.
__________
(1) ـ انظر الأحكام 1/330 وهو بلفظ قريب.
(2) ـ انظر المنتخب 106 ولفظه: الجزارين من مكة محل المعتمرين.. الخ.
(3) ـ في (ب): دم.
(4) ـ في (ب): إنهم.
(5) ـ في (ب): فإذا.(49/16)

72 / 142
ع
En
A+
A-